يعد الحياد الكربوني (Carbon Neutrality) أحد أهم المسارات العالمية لمواجهة التغير المناخي والحد من آثاره المتسارعة على النظم البيئية والموارد الطبيعية. فهو يمثل التوازن بين ما يُطلَق من انبعاثات غازات الدفيئة وما يُمتص أو يُزال منها عبر سياسات خفض الانبعاثات وزيادة كفاءة استخدام الموارد وتبنّي الحلول القائمة على الطبيعة.
ويكتسب هذا التوجه أهمية مضاعفة في ظل التحديات المرتبطة بالتصحر وتراجع التنوع البيولوجي والتزامات الدول ضمن اتفاقيات ريو الثلاث (المناخ – التنوع البيولوجي – مكافحة التصحر)، بما يرسّخ دور الحياد الكربوني كأداة محورية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة حتى عام 2050.
كذلك يمثل الحياد الكربوني إحدى الركائز الجوهرية في الجهود العالمية لمواجهة التغير المناخي، حيث يعني تحقيق التوازن بين كمية انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية وبين ما يتم امتصاصه أو إزالته من الغلاف الجوي عبر الحلول الطبيعية والتكنولوجية (IPCC, 2023).
ومع تسارع وتيرة التغير المناخي وتزايد مظاهره من ارتفاع درجات الحرارة وفقدان التنوع البيولوجي واتساع رقعة التصحر، بات الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن (2050) هدفًا استراتيجيًا ضمن الأجندة الدولية، خاصة في ظل اتفاق باريس للمناخ (2015) والتزامات الدول بخفض الانبعاثات.
أولاً: مفهوم الحياد الكربوني وأهميته
التعريف: هو الوصول إلى “صفر صافي انبعاثات” (Net Zero Emissions) أي تقليل الانبعاثات إلى الحد الأدنى الممكن مع تعويض الباقي عبر آليات مثل التشجير واستعادة النظم البيئية أو تقنيات احتجاز وتخزين الكربون (UNFCCC, 2021).
الأهمية:
- الحد من ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض إلى أقل من 1.5°م مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة (Paris Agreement, 2015).
- تعزيز مرونة النظم البيئية والإنسانية أمام الكوارث المناخية.
- دفع الاقتصادات نحو التحول الأخضر والابتكار التكنولوجي.
- ثانيًا: الحياد الكربوني وانعكاساته على القضايا البيئية
التغير المناخي (Climate Change): الوصول إلى الحياد الكربوني يقلل تراكم غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ما يساهم في استقرار المناخ العالمي وتجنب نقاط التحول المناخي (Tipping Points) التي قد تؤدي إلى ذوبان جليد القطبين أو انهيار النظم البيئية الحرجة (IPCC, 2023).
التصحر (Desertification): التحول نحو أنظمة زراعية منخفضة الكربون والتوسع في مشاريع التشجير وإعادة تأهيل الأراضي يعزز استعادة التربة ويحمي الأراضي الهامشية من التدهور، مما يسهم في مواجهة التصحر (UNCCD, 2022).
التنوع البيولوجي (Biodiversity): الحياد الكربوني يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحفاظ على النظم البيئية الطبيعية، حيث تؤدي استعادة الغابات والأراضي الرطبة والشعاب المرجانية إلى حماية الموائل الطبيعية وزيادة التنوع البيولوجي وتعزيز خدمات النظم البيئية (CBD, 2020).
ثالثًا: الحياد الكربوني واتفاقيات ريو الثلاثة
تجسد اتفاقيات ريو (1992) الإطار المؤسسي العالمي للتنمية المستدامة، ويمثل الحياد الكربوني نقطة التقاء بين الاتفاقيات الثلاث:
اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC): الحياد الكربوني هو الآلية الرئيسية للحد من الانبعاثات وتحقيق أهداف اتفاق باريس.
اتفاقية مكافحة التصحر (UNCCD): مشروعات التشجير واستعادة الأراضي تسهم في خفض الكربون ومكافحة التصحر في آن واحد.
اتفاقية التنوع البيولوجي (CBD): تعزيز الحياد الكربوني عبر حماية النظم البيئية يحافظ على التنوع البيولوجي ويدعم أهداف “إطار كونمينغ – مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي” (2022).
رابعًا: الحياد الكربوني وأهداف التنمية المستدامة (SDGs):
يسهم الحياد الكربوني بشكل مباشر في تحقيق عدد من أهداف التنمية المستدامة منها:
– الهدف 7: طاقة نظيفة ومتجددة.
– الهدف 8: العمل اللائق والنمو الاقتصادي الأخضر.
– الهدف 11: مدن ومجتمعات مستدامة عبر البنية التحتية منخفضة الكربون.
– الهدف 13: العمل المناخي.
– الهدف 15: الحياة في البر (مكافحة التصحر وحماية التنوع البيولوجي).
خامسًا: آلية تنفيذية للوصول إلى الحياد الكربوني حتى 2050
تحول الطاقة: التوسع في الطاقة المتجددة (الشمسية – الرياح – الكتلة الحيوية) والتخلص التدريجي من الفحم والوقود الأحفوري.
إصلاح النظم الزراعية: تعزيز الزراعة الذكية مناخيًا، تقليل استخدام الأسمدة الكيماوية عالية الانبعاثات، وتطوير نظم الأكوابونك والاستزراع المائي المتكامل.
النقل المستدام: كهربة وسائل النقل العام، والتوسع في المركبات الكهربائية والهيدروجينية.
إدارة الموارد الطبيعية: التوسع في مشروعات التشجير وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة وحماية النظم البيئية البحرية والساحلية مثل المانجروف.
آليات السوق والسياسات: تفعيل أسواق الكربون والضرائب الكربونية وتشجيع الاستثمار الأخضر من خلال الحوافز المالية.
التقنيات المستقبلية: تطوير تقنيات احتجاز وتخزين الكربون (CCUS) والابتكار في الاقتصاد الدائري والوقود الحيوي.
حيث إن الوصول إلى الحياد الكربوني ليس خيارًا ثانويًا بل ضرورة وجودية لضمان مستقبل آمن ومستدام للأجيال القادمة. فهو يشكّل صمام أمان لمواجهة التغيرات المناخية الحادة والحد من التصحر والحفاظ على التنوع البيولوجي فضلًا عن كونه آلية متكاملة لدفع أجندة التنمية المستدامة عالميًا.
وفي الختام يمكن القول بأن الحياد الكربوني ليس مجرد خيار بيئي بل هو مسار حتمي لضمان بقاء البشرية وصون كوكب الأرض. فالوصول إلى “صفر صافي انبعاثات” بحلول عام 2050 يمثل ركيزة للتكيف مع التغير المناخي ومكافحة التصحر وحماية التنوع البيولوجي في انسجام مع اتفاقيات ريو وأهداف التنمية المستدامة.
كما أن تحقيق هذا الهدف يتطلب إرادة سياسية وشراكة مجتمعية وتمويلًا أخضر مستدامًا يضع البيئة والإنسان في قلب التنمية.
ويتطلب ذلك التزامًا سياسيًا واقتصاديًا وعلميًا قائمًا على آليات تنفيذية واضحة تشمل التحول الطاقي وتبنّي الزراعة الذكية مناخيًا وتعزيز الحلول الطبيعية والتكنولوجية معًا.
ومن الآن وحتى 2050 يبقى الحياد الكربوني مشروعًا عالميًا مشتركًا لا يمكن تحقيقه إلا عبر التعاون الدولي وبناء شراكات إقليمية ووطنية تدعم الانتقال نحو اقتصاد أخضر منخفض الكربون.
