الاقتصاد الأخضرالطاقة

مزيج الحوافز والعقوبات.. كيف تُسرّع السياسات المناخية التحول إلى الطاقة النظيفة؟

دراسة علمية تكشف: لا يمكن وقف تغير المناخ بالحوافز وحدها.. العصا والجزرة في مواجهة الانبعاثات

كشفت دراسة علمية جديدة، شارك فيها باحثون من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو وجامعة برينستون، أن الجمع بين تقديم حوافز للطاقة النظيفة وفرض ضرائب أو عقوبات على التلوث يمكن أن يؤدي إلى خفض كبير في انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة لتغير المناخ.

وأوضحت الدراسة، التي نُشرت في دورية Nature Climate Change، أن هذا المزيج من السياسات، رغم استخدامه بالفعل في العديد من دول العالم، يُحاكى للمرة الأولى بدقة داخل النماذج الاقتصادية التي تُعد العمود الفقري لمعظم مناقشات سياسات المناخ عالميًا، بما في ذلك المناقشات التي شهدها مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الأخير في البرازيل، والذي عُقد خلال الفترة من 10 إلى 21 نوفمبر.

الألواح الشمسية العمودية ثنائية الوجه لزيادة إنتاج الطاقة النظيفة دون فقدان مساحة زراعية؟

وتُظهر النتائج أن الحوافز المالية قادرة على تسريع تبنّي التقنيات النظيفة على المدى القريب، إلا أن الاعتماد عليها وحدها، من دون سياسات تُعاقب الجهات الأكثر تلويثًا، لن يكون كافيًا لوقف تغير المناخ على المدى الطويل.

وقال ديفيد فيكتور، أستاذ في كلية السياسات العالمية والاستراتيجية بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، وأحد مؤلفي الدراسة المشاركين، إن هذا البحث يجعل نماذج المناخ أكثر واقعية من حيث عكس سلوك الحكومات الفعلي. وأضاف: «لسنوات طويلة، أخبرتنا النماذج بما هو أكثر كفاءة اقتصاديًا، لكنها لم تُخبرنا بما هو ممكن سياسيًا. هدفنا هو سد هذه الفجوة لمساعدة صناع القرار على صياغة سياسات قادرة على الصمود أمام تعقيدات الواقع السياسي».

وتقدم الدراسة تحليلًا علميًا دقيقًا قائمًا على البيانات، يوضح كيف يؤثر تصميم السياسات وتوقيتها السياسي في قدرة الدول على إزالة الكربون من أنظمة الطاقة.

الطاقة النظيفة

دراسة في توقيت بالغ الأهمية

تأتي هذه الدراسة في لحظة مفصلية بالنسبة لسياسات المناخ في الولايات المتحدة والعالم. فقد أثار الانتقال إلى إدارة أمريكية جديدة في عام 2025 حالة من عدم اليقين حول العديد من الحوافز التي أُقرت لدعم الطاقة النظيفة ضمن قانون خفض التضخم. وفي الوقت نفسه، لم تُطبق الحكومة الفيدرالية الأمريكية حتى الآن ضريبة فعلية واسعة النطاق على الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، رغم اعتماد بعض الولايات سياسات محدودة ذات طابع مشابه.

وأوضح فيكتور أن الولايات المتحدة تتجه حاليًا إلى تقليص سياسات المكافآت المصممة لتسريع إزالة الكربون، في وقت يُستبعد فيه أن تُقدم الإدارة الجديدة على فرض سياسات صارمة لمعاقبة كبار الملوِّثين. وأضاف: «في المقابل، تسلك دول أخرى مسارات مختلفة؛ فالصين توسّع نطاق الحوافز وبعض العقوبات، بينما تعتمد أوروبا بشكل متزايد على سياسات تجعل الانبعاثات أكثر تكلفة. نحن نشهد تجربة عالمية حيّة».

وأشار إلى أن نتائج الدراسة، رغم تركيزها على الولايات المتحدة، يمكن أن تُستخدم كاختبار عملي لبقية دول العالم لفهم أي مزيج من السياسات يحقق أكبر أثر في تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري.

الطاقة النظيفة

اختبار تسلسل السياسات وتوقيتها السياسي

تناولت النمذجة المستخدمة في الدراسة تأثير إضافة السياسات المناخية أو تأخيرها أو حتى إلغائها بمرور الوقت. ولتحليل هذه السيناريوهات، استخدم الباحثون نموذجًا متعدد القطاعات لأنظمة الطاقة على مستوى الولايات الأمريكية الخمسين، لمحاكاة تأثير الخيارات المختلفة على الانبعاثات وتكاليف التكنولوجيا واعتماد الطاقة النظيفة حتى عام 2050.

واعتمد الفريق على بيانات حقيقية من برامج فيدرالية وبرامج على مستوى الولايات، وقارن بين عدة سيناريوهات، من بينها:

  • الاعتماد على الحوافز فقط، من خلال دعم طويل الأجل للطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية

  • فرض العقوبات فقط، عبر تسعير شامل للكربون يزيد تكلفة الوقود الأحفوري

  • الجمع بين النهجين، بالبدء بالحوافز ثم إضافة العقوبات بعد 10 أو 20 عامًا

  • سياسات غير مستقرة تعكس التقلب السياسي، حيث تبدأ الحوافز ثم تتوقف وتُستأنف لاحقًا

وباستخدام تشبيه «العصا والجزرة»، أوضح الباحثون الفروق بين عالم يعتمد على «جزرة بلا عصا»، وآخر يعتمد على «عصا أكثر وجزرة أقل»، أو عالم تتغير فيه السياسات في منتصف الطريق.

وأكدت الدراسة أن الحوافز تجعل تبني التقنيات الخضراء أقل تكلفة بالنسبة للشركات والمستهلكين، ما يؤدي إلى انتشارها بسرعة، إلا أن إدخال العقوبات يظل ضروريًا لتحقيق خفض عميق ومستدام للانبعاثات على المدى الطويل.

الاستقرار السياسي مفتاح خفض الانبعاثات

خلصت الدراسة إلى أن استقرار السياسات واستمراريتها لا يقل أهمية عن حجم الدعم المالي أو صرامة العقوبات المستقبلية. فعندما تُطبق برامج الحوافز بشكل ثابت وموثوق، يمكن للاقتصاد تحقيق خفض يصل إلى 80% من الانبعاثات المرتبطة بالطاقة بحلول منتصف القرن.

أما في حال سحب الحوافز أو تأخيرها، فإن الاستثمارات تتباطأ، وتصبح خفض الانبعاثات لاحقًا أكثر تكلفة وتعقيدًا.

وقال فيكتور: «عندما تكون السياسات غير متوقعة، تؤجل الشركات استثماراتها، وهذا التأجيل يجعل التحرك لاحقًا أكثر صعوبة من الناحيتين السياسية والاقتصادية».

التخزين والشبكات في مشروعات الطاقة المتجددة

نحو نماذج مناخية أكثر واقعية

تندرج هذه الدراسة ضمن أجندة بحثية أوسع يقودها برنامج «مبادرة إزالة الكربون العميقة» بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، وتهدف إلى جعل نماذج المناخ أكثر ارتباطًا بالواقع السياسي والسلوكي.

واختتم فيكتور بالقول: «لطالما ابتعد التحليل الأكاديمي عن الواقع العملي. هذا العمل جزء من مهمة أكبر لجعل دراسات السياسات المناخية أكثر واقعية فيما يتعلق بتأثير قرارات الحكومات على الاستثمارات والانبعاثات».
ويأمل الباحثون أن تُستخدم نتائج الدراسة كدليل استرشادي لصناع القرار حول العالم، مؤكدين أن فهم ما ينجح، ومتى ينجح، هو المفتاح لتحقيق الأهداف المناخية العالمية.

مقالات ذات صلة

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المستقبل الاخضر

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading