الكربون بين الطبيعة والابتكار.. كيف تحارب المصارف الكربونية والتقنيات الحديثة تغير المناخ
الغابات والمحيطات والتربة.. أبطال الكربون في مواجهة أزمة المناخ وتحفز الاقتصاد منخفض الانبعاثات
مع تصاعد التهديدات المناخية العالمية، أصبح فهم دور المصارف الكربونية، الطبيعية والصناعية، أمرًا حاسمًا لتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية.
تعمل هذه الأنظمة على امتصاص وتخزين ثاني أكسيد الكربون (CO2) من الغلاف الجوي، ما يقلل من تراكم الغازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري، ويعزز الاستقرار المناخي.
بالإضافة إلى فوائدها البيئية، تولّد المصارف الكربونية ما يُعرف بالاعتمادات الكربونية، وهي أدوات مالية قابلة للتداول، تساهم في تمويل المشاريع المناخية وتحفيز الاقتصاد منخفض الانبعاثات.
فيما يلي تحليل شامل لأهم المصارف الكربونية في العالم، تحدياتها، وكيفية تعزيز أثرها من خلال الابتكار المالي والتقني.
المصارف الكربونية الطبيعية: الغابات، المحيطات، والتربة
الغابات: الرئة الخضراء للكوكب
تعد الغابات من أقوى المصارف الكربونية الطبيعية، حيث تمتص حوالي 30% من الانبعاثات الناتجة عن الأنشطة البشرية.
تمتص الأشجار الكربون عبر عملية التمثيل الضوئي، وتخزنه في الكتلة الحيوية للتربة والنباتات.
تشمل أكبر المخزونات الكربونية على الأرض الغابات البوريالية في روسيا، تليها الغابات الاستوائية في الأمازون وحوض الكونغو، ثم الغابات المعتدلة في الولايات المتحدة والصين.
لكن هذه المصارف تحت ضغط شديد. شهد عامي 2023 و2024 حرائق غابات غير مسبوقة وعمليات إزالة غابات مكثفة، على سبيل المثال، واجهت بوليفيا موسم حرائق عام 2024 الأكثر شدة في تاريخها، مما أطلق حوالي 400 مليون طن متري من CO2 إلى الغلاف الجوي، محولًا الغابات من مصارف كربونية إلى مصادر صافية للانبعاثات.
هذا الواقع يبرز الحاجة الملحة لحماية الغابات، وإعادة تأهيلها، وإدارة مواردها بطريقة مستدامة لتجنب تجاوز قدرتها الطبيعية على امتصاص الكربون.

المحيطات: المخزن الكربوني الأكبر على الكوكب
تمتص المحيطات نحو 25–30% من CO2 الناتج عن الإنسان، كما تخزن حوالي 90% من الحرارة الزائدة الناتجة عن الاحتباس الحراري.
تعتمد قدرة المحيطات على تخزين الكربون على العمليات البيولوجية والكيميائية، حيث يتم احتجازه في المياه والرسوبيات والكائنات البحرية.
إلا أن ارتفاع درجات حرارة المحيطات يقلل من فعاليتها كمصرف كربوني.
في عام 2023، استوعبت المحيطات ما يقارب مليار طن أقل من CO2 مقارنة بالمعدل السنوي المعتاد، أي ما يعادل نصف انبعاثات الاتحاد الأوروبي السنوية. وهذا يشير إلى أن حماية النظم البيئية البحرية والحد من الاحتباس الحراري أمران أساسيان للحفاظ على هذا المخزن الطبيعي الحيوي.

التربة والمستنقعات: العمالقة الخفية
تخزن التربة كمية كربون أكبر من مجموع ما هو موجود في الغلاف الجوي والنباتات الحية معًا.
يمكن تعزيز الكربون في التربة عبر الزراعة التجديدية التي تشمل تغطية المحاصيل، وتناوب المحاصيل، وتقليل الحراثة.
تغطي المستنقعات نحو 3% فقط من اليابسة، لكنها تحتوي على احتياطيات كربونية هائلة، ومع ذلك، يؤدي التجفيف والتدهور إلى تحويلها إلى مصادر صافية للانبعاثات.
إعادة تأهيل هذه النظم لا تعيد الكربون فحسب، بل تعيد أيضًا التنوع البيولوجي وتوازن المياه، ما يجعلها حلولًا مزدوجة المنافع.
تشير البيانات الأخيرة إلى أن الغابات والمحيطات والتربة تمتص نحو نصف CO2 الناتج عن الأنشطة البشرية، لكنها موارد محدودة وسريعة التأثر.
الاعتماد فقط على هذه المصارف دون خفض الانبعاثات من الوقود الأحفوري محفوف بالمخاطر.

المصارف الكربونية الصناعية: الابتكار يخطو خطوة للأمام
مع حدود المصارف الطبيعية، ظهرت حلول صناعية تهدف لالتقاط الكربون مباشرة من الجو وتخزينه. تشمل أبرز هذه التقنيات:
- الالتقاط المباشر للهواء (DAC) تقنية تلتقط CO2 من الجو مباشرة وتخزنه تحت الأرض أو تستخدمه صناعيًا.
- الطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون (BECCS): توليد الطاقة من الكتلة الحيوية مع احتجاز الكربون لتحقيق إزالة صافية من الغلاف الجوي.
رغم الإمكانيات، تحتاج هذه الحلول إلى استثمارات ضخمة، وسياسات داعمة، وتطوير البنية التحتية لتكمل دور المصارف الطبيعية بدلاً من استبدالها.

الاعتمادات الكربونية: ربط البيئة بالاقتصاد
الاعتمادات الكربونية هي أدوات مالية تمثل خفضًا أو إزالة موثقة للكربون، وتوفر حوافز للشركات، والمزارعين، والدول للاستثمار في مشاريع مناخية إيجابية.
طرق رئيسية لتوليد الاعتمادات:
- مشاريع الطاقة المتجددة مثل الشمسية والرياح
- مشاريع الغابات والزراعة التجديدية
- إدارة النفايات واحتجاز الميثان
- كفاءة الطاقة الصناعية وإنتاج الهيدروجين الأخضر
- تعزيز كربون التربة وإعادة تأهيل المستنقعات

يجب التحقق من كل مشروع بواسطة جهات مستقلة وفق معايير عالمية مثل Verra وGold Standard لضمان الشفافية والمصداقية.
الخلاصة: استراتيجية متكاملة لمواجهة المناخ
المصارف الكربونية الطبيعية والصناعية لا غنى عنها في مواجهة تغير المناخ. حماية الغابات، المحيطات، والتربة، وتطبيق التقنيات الصناعية، وتفعيل الأسواق المالية للكربون، كلها عناصر مترابطة في استراتيجية شاملة:
- خفض الانبعاثات من الوقود الأحفوري فورًا
- حماية واستعادة المصارف الطبيعية
- نشر تقنيات إزالة الكربون الصناعية
- تعزيز أطر الاعتمادات الكربونية لتمويل الإجراءات المناخية
بدون هذه الإجراءات المتكاملة، ستظل المصارف الطبيعية محدودة التأثير.
الرسالة واضحة: حماية وتعزيز هذه الموارد ليس خيارًا، بل ضرورة لتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية وضمان مستقبل مستدام ومتين.






