أخبارالاقتصاد الأخضر

ثلاثة مسارات لتحقيق عدالة الانتقال إلى الذكاء الاصطناعي والمناخ

الذكاء الاصطناعي والمناخ.. مخاطر فقدان الوظائف وفرص تمكين المجتمعات

في مايو/أيار زار فريق من البنك الدولي بلدة سيكوندا في جنوب أفريقيا، المعروفة بمصنع ساسول لتحويل الفحم إلى سوائل، وذلك للمشاركة في ورشة عمل حول التحول الأخضر العادل في منطقة مبومالانجا الغنية بالفحم.

وخلال الورشة، طرح قادة المجتمعات المحلية والخبراء العالميون رؤاهم بشأن التحديات الهائلة المرتبطة بالتحول الأخضر، وامتد صدى النقاشات إلى ما هو أبعد من حدود البلدة الصغيرة.

وخلال هذه المناقشات، بات واضحًا أن التحول لا يقتصر على استبدال الفحم بمصادر الطاقة الخضراء؛ بل يمتد ليشمل أبعادًا إنسانية عميقة تتعلق بسبل العيش والمجتمعات وجيل كامل يقف على أعتاب منعطف تاريخي.

وينطبق الأمر ذاته على الذكاء الاصطناعي؛ فهو يشكّل تحولًا جوهريًا آخر يجب التعامل معه بروح التعاون. ومعًا، سيعيد التحول المناخي والذكاء الاصطناعي رسم ملامح العالم بطرق ما زلنا في بداية فهمها.

وتقدم تجارب العمل المناخي رؤى مهمة لحوكمة الذكاء الاصطناعي، حيث تنطبق عليه مبادئ العدالة ذاتها: التوزيع، والإجراءات، والاعتراف.

كيف نضمن أن يكون التحول نحو الذكاء الاصطناعي عادلًا وشاملًا للجميع؟

يتعلق التصدي لتغير المناخ بالناس قبل التكنولوجيا والتمويل. ففي جنوب أفريقيا، تشعر المجتمعات المحلية المعتمدة على الفحم بالقلق على مستقبلها، مع تغيّر سبل كسب العيش وتراجع تماسكها الاجتماعي. ويمكن تحقيق الشمول عبر ثلاث أدوات أساسية:

1. التمكين عبر التدريب واكتساب المهارات

يسهم تنويع النشاط الاقتصادي، إلى جانب دعم سبل كسب العيش وتدريب المهارات الجديدة، في تحويل التحديات إلى فرص، خصوصًا حين تتولى المجتمعات قيادة هذا التغيير.

وهذا ما يُعرف بـ”عدالة التوزيع”؛ أي تحويل الآثار السلبية للتحولات الكبرى إلى فرص جديدة للفئات الأكثر تضررًا.

ويمكن تطبيق الأمر ذاته على الذكاء الاصطناعي. فقد حذرت مؤسسة غولدمان ساكس من احتمال استبدال أدوات الذكاء الاصطناعي بنحو 20% من الوظائف عالميًا.

وبعدما كانت الأتمتة السابقة تهدد وظائف الياقات الزرقاء، بات أصحاب الياقات البيضاء—ولا سيما النساء—الأكثر عرضة اليوم، نظرًا لقدرة الذكاء الاصطناعي على أداء المهام المعرفية.

وأظهرت دراسة حديثة مع مجموعة بوسطن الاستشارية أن الاستشاريين الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي أنجزوا مهامًا أكثر بنسبة 12.2%، وبوتيرة أسرع بنسبة 25.1%، وبجودة أعلى بنسبة 40%.

وحقق أصحاب الأداء المنخفض سابقًا زيادة وصلت إلى 43% بفضل الذكاء الاصطناعي.

وعلى الرغم من أن 67 مليون موظف يعملون في القطاع الأخضر، فإن عاملًا واحدًا فقط من كل ثمانية يمتلك المهارات المطلوبة، فيما تفتقر 90% من النساء إلى هذه المهارات.

ويستلزم سد الفجوة تعاون الحكومات والصناعات والمؤسسات التعليمية.

وتعد تنمية مهارات استخدام الذكاء الاصطناعي عنصرًا أساسيًا لتحقيق عدالة التوزيع.

فمبادرات مثل برنامج “مهارات الذكاء الاصطناعي” من ميكروسوفت توفر تدريبًا حيويًا لمختلف الفئات، فيما يتيح التعليم المدعوم بالذكاء الاصطناعي فرص تعلم عالية الجودة ويحد من هجرة الكفاءات، ويعزز فرص العمل في الدول النامية.

2. ضمان الشمول والاستماع إلى الجميع

كما ظهر في سيكوندا، تعمل الجهود المناخية على ضمان إيصال أصوات المجتمعات في تصميم الحلول، سواء في مشاريع البنية التحتية القادرة على التكيف مع المناخ أو في استخراج المعادن الخضراء.

ويمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز المشاركة المجتمعية عبر ربط الأنشطة المناخية بالسياقات المحلية، وتوجيه التمويل نحو المشاريع المؤثرة، وتحقيق الشفافية في ما يُعرف بـ”المساءلة الخضراء”.

ومع تأثير الذكاء الاصطناعي على العمل والرعاية الصحية والتعليم، يصبح من الضروري إشراك مختلف الأصوات في عمليات الحوكمة لضمان تحقيق منافع واسعة النطاق.

ويتطلب الشمول كذلك تعزيز ثقة المجتمع وحماية المعلومات، خصوصًا في مجالات العدالة المناخية.

3. حماية الكرامة والإنصاف للمجتمعات المهمشة

يمثل احترام حقوق جميع فئات المجتمع ركيزة أساسية في التحولات العادلة، سواء المناخية أو المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.

وتؤكد التجارب أن النساء والشعوب الأصلية والفئات المهمشة يتعرضون لآثار مناخية واجتماعية مضاعفة، ما يزيد التفاوتات القائمة.

وكما يمكن للمجتمعات المحلية الإسهام في تصميم حلول مناخية فعالة، فإن معالجة تحديات الذكاء الاصطناعي تتطلب تطبيق مبادئ “الاعتراف بالعدالة”، خاصة بعد ظهور حالات تثبت استمرار التحيز الخوارزمي، مثل أخطاء التعرف على الوجه أو التمييز في تقييم السير الذاتية بسبب بيانات تدريب منحازة.

نحو مستقبل عادل ومستدام في عصر الذكاء الاصطناعي

من الضروري أن تراعي التقنيات الحديثة مبادئ العدالة وأن تعطي الأولوية للاستدامة البيئية، خاصة مع ارتفاع استهلاك الطاقة المرتبط بتوسع استخدام الذكاء الاصطناعي.

وسنواصل الاستفادة من دروس التحول المناخي ونحن نتبنى ثورة الذكاء الاصطناعي، لنضمن عالمًا أكثر عدلًا واستدامة، لا يتخلف فيه أحد عن الركب.

تابعنا على تطبيق نبض

مقالات ذات صلة

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المستقبل الاخضر

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading