أخبارالاقتصاد الأخضرالطاقة

أكبر سفينة شراعية للشحن تعبر الأطلسي.. هل يبدأ عصر النقل منخفض الكربون؟

وسط الأعاصير والعطل المفاجئ… تجربة أول رحلة لسفينة الشحن الشراعية العملاقة

أكبر سفينة شراعية تجارية في العالم تخفض استهلاك الوقود للنصف في أولى رحلاتها

بين أمواج الأطلسي المتلاطمة، وفي مواجهة واحد من أكثر القطاعات تلويثًا على الكوكب، انطلقت سفينة Neoliner Origin في رحلتها الافتتاحية لتعلن – ولو بشكل رمزي حتى الآن – أن مستقبل الشحن البحري قد يبدأ بالعودة إلى أبسط تقنيات التاريخ: الشراع.

هذه السفينة، التي تُعد الأكبر عالميًا بين سفن الشحن الشراعية الحديثة، لا تمثل مجرد تجربة هندسية، بل تُجسد رؤية جديدة لصناعة النقل البحري، قطاع مسؤول عن 80% من حركة التجارة الدولية و 3% من الانبعاثات العالمية، ويعمل في أغلبه بوقود يُعد من أكثر أنواع الوقود الأحفوري ضررًا: الفيول الثقيل.

البداية .. إعصار حقيقي

نقلت أجواء الرحلة الصحفية المتخصصة في شئون البيئة والمناخ بصحيفة الجارديان البريطانية ، Michaela Cavanagh ، خيث تقول إن الرحلة بدأت بهدوء نسبي، لكن بعد ساعات من الإبحار، تغير المشهد من تجربة بروتوكولية إلى اختبار قاسٍ لقدرات السفينة الجديدة.

على مائدة العشاء، كان الصحفيون يتمسكون بأطباق السباجيتي بينما تنزلق الكراسي جيئة وذهابًا تحت تأثير الموج، حاول ميشيل بيري، أحد المسؤولين على متن السفينة، التقليل مما يحدث واصفًا إياه بأنه “عاصفة صحفيين”، في إشارة إلى ميل الإعلام للتهويل.

لكن ذلك التفسير لم يصمد طويلًا أمام الواقع: رياح بسرعة 74 ميلًا/ساعة، قوة إعصار من الدرجة 12، وأمواج تضرب هيكل السفينة بلا توقف.

مع ذلك، استمرت الرحلة، فهذه التجارب ليست غريبة على سفينة ما تزال في طورها التجريبي، لكن ما حدث بعد أيام كان الاختبار الأكثر صعوبة.

أكبر سفينة شراعية للشحن عبر الأطلسي

السفينة: هندسة تجمع بين التراث والابتكار

تعتمد Neoliner Origin على:

  • شراعين شبه صلبين بطول شاهق، مصنوعين من ألياف الكربون والزجاج

  • محرك ديزل كهربائي كاحتياط

  • تصميم انسيابي يهدف إلى تقليل مقاومة الهواء والماء

  • قدرة شحن تزيد على 1,200 طن من البضائع

تحمل السفينة في رحلتها الأولى:

  • نصف مليون زجاجة من المشروبات

  • حاويات بريوش فرنسي مبرد

  • سيارات رينو هجينة

  • رافعات شوكية

  • وحمولة متنوعة من البضائع المتوسطة والخفيفة

على متنها أيضًا ثمانية ركاب بينهم صحفيين من دول أوروبية وبينهم محررة صحيفة الجارديان البريطانية Michaela Cavanagh، وأكثر من 12 فردًا من الطاقم.

الحلم الشخصي للقبطان: الشراع كفعل مقاومة

يقول القبطان أنطوانان بيتي، الذي كرّس 15 عامًا في انتظار هذه اللحظة:

“أن نُبحر دون أن نحرق نقطة وقود ثقيل واحدة… هذا ليس عملًا، إنه جزء من إيماني الشخصي.”

نشأ بيتي وهو يجمع النفايات من الشواطئ مع أسرته، وحمل معه ذلك الحس البيئي إلى مساره المهني. واليوم، يرى في قيادة هذه السفينة تكاملًا بين حياته الشخصية والمهنية.

إيقاع الحياة على متن سفينة بلا طائرات

محررة شئون البيئة في صحيفة الجارديان، التي قررت السفر من برلين إلى أوتاوا دون ركوب طائرة، تصف الحياة على متن السفينة بأنها مزيج من العمل الجماعي والتأمل:

  • فطور وغداء وعشاء بطابع فرنسي لا يخلو من طبق الجبن

  • جلسات ورق في صالة الركاب

  • مراقبة الحيتان والدلافين من على سطح السفينة

  • زيارات لجسر القيادة للتعرف إلى أنظمة الملاحة

  • حديث طويل عن مستقبل النقل البحري وكلفة الحفاظ على المناخ

تعمل السفينة عادة بمحرك يقل عمله عن نصف طاقته، ما يعني أن الأشرعة تقوم بالجزء الأكبر من الدفع — وهو جوهر التجربة.

أكبر سفينة شراعية تجارية في العالم تخفض استهلاك الوقود للنصف

الانهيار التقني: كسر في الشراع يهدد نجاح الرحلة

بعد ثلاثة أيام فقط، اصطدم الطاقم بعطل كبير: تحطم اللوح العلوي لأحد الأشرعة الرئيسية.

لم يعد بالإمكان استخدام الشراع، ويُعتقد أن السبب يعود إلى خطأ في تصميم اللوح أو أبعاده، ولأن إصلاحه في البحر مستحيل، كان على السفينة مواصلة الطريق بشراع واحد فقط.

نتيجة ذلك:

  • اختلت خطة توفير الانبعاثات

  • اضطر الطاقم إلى تشغيل المحرك بقوة أعلى

  • امتدت فترة الاعتماد على الوقود لنحو 12 يومًا

  • اضطر الطاقم لتغيير مسار الرحلة

وعند الوصول إلى سان بيير وميكلون، جاء فريق من خمسة فنيين من فرنسا وأقام ورشة مؤقتة داخل العنبر، حيث أعادوا بناء اللوح على مدار خمسة أيام كاملة.

بين الواقع والنماذج المناخية: الرياح لم تعد كما كانت

كانت السفينة قد توجهت نحو منطقة ضغط منخفض للاستفادة من الرياح القوية، لكن الرياح لم تتصرف كما توقعتها النماذج الرقمية.

هذه الظاهرة، كما أكد الطاقم، أصبحت متكررة.
التغير المناخي جعل الرياح أقل قابلية للتنبؤ، وأعقد من أن يحصرها نموذج محاكاة واحد.

السؤال الكبير: هل يمكن للشراع إنقاذ مستقبل الشحن؟

وفقًا للمجلس الدولي للنقل النظيف (ICCT):

  • 90  % من إزالة كربون الشحن سيأتي من التحول إلى وقود أخضر مثل الهيدروجين المتجدد

  • 10  % فقط سيأتي من حلول كفاءة مثل الأشرعة

لكن برغم ذلك، تؤكد الأبحاث أن الشراع يمكن أن:

  • يقلل استهلاك الوقود

  • يطيل عمر المحركات

  • يخفض التكلفة التشغيلية

  • يحسّن استقرار السفن

ومع ذلك تبقى العقبات:

  • تكلفة بناء السفينة بلغت 60 مليون يورو

  • حجمها (136 مترًا) أصغر بكثير من سفن الحاويات العملاقة (400 متر)

  • الحاجة لعدد أكبر من السفن لنقل نفس كمية البضائع

  • سعر تذكرة عبور الراكب الواحد يصل إلى 3200 يورو

الوصول إلى بالتيمور: إنجاز رغم كل شيء

ورغم العواصف وتعطل الشراع والتغير المفاجئ للرياح، وصلت السفينة إلى بالتيمور بعد يوم واحد فقط من الموعد المخطط له.

لن تُعلن “نيولاين” بيانات الرحلة رسميًا قبل ستة أشهر، لكن تقديرات القبطان تشير إلى:

  • استهلاك وقود أقل بنسبة تقارب 50% مقارنة بسفينة تقليدية

  • تشغيل جزئي للمحرك على مدار الرحلة

  • نجاح السفينة في جذب أكثر من 100 راكب لرحلات مستقبلية

بالنسبة للكاتبة من صحيفة الجارديان Michaela Cavanagh التي نقلت أجواء الرحلة، شكّلت الرحلة تتويجًا لتجربة استغرقت 22 يومًا من السفر عبر عشرة آلاف كيلومتر دون طائرة، مرورًا بتسع مدن، وقطع 30 ساعة بالقطارات، و15 يومًا عبر المحيط.

القبطان أنطوانان بيتي قبطان أكبر سفينة شحن شراعية تعبر المحيط الأطلنطي

ختامًا: بداية مرحلة جديدة لاختبار مستقبل النقل

يقول القبطان بيتي في نهاية الرحلة:

“هذا ليس مجرد عبور أول،. إنه بداية طريق طويل لإعادة تشكيل علاقتنا بالبحر”.

ويرى كثيرون أن Neoliner Origin ليست الحل بحد ذاته، لكنها محاولة شجاعة لتغيير مسار قطاع ضخم يعتمد على الوقود الأرخص والأكثر تلويثًا.
فإذا كان المستقبل يحتاج إلى أدوات جديدة، فقد يكون الشراع — رمز الماضي — أحد عناصر ذلك المستقبل.

تابعنا على تطبيق نبض

مقالات ذات صلة

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المستقبل الاخضر

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading