التنوع البيولوجي

ماذا يحدث في “سقف العالم”.. هضبة التبت تواجه الاستقرار البيئي

التغير المناخي ونشاط التعدين وسلوكيات المواطنين تهدد

منطقة التبت جنوب غرب الصين ما زالت واحدة من أفضل الأماكن في العالم من ناحية البيئة، حيث حافظت على جودة بيئية مستقرة العام الماضي، هذا ما كشفه تقرير جمعته الإدارة الأيكولوجية والبيئية بالمنطقة.

 

التقرير أرجع سبب احتفاظ التبت بمكانتها البيئية بسبب جودة المياه في الأنهار والبحيرات الرئيسية، بينما ظلت جودة الهواء في المنطقة ممتازة في 2020، حيث تبنت التبت في نهاية 2020، 47 محمية طبيعية بمساحة إجمالية تصل إلى 412200 كيلومتر مربع، ما يمثل أكثر من ثلث إجمالي المنطقة.

وتغطي هضبة التبت والجبال المحيطة بها 5 ملايين كيلومتر مربع، وتحتوي على أكبر مخزون من الجليد خارج المنطقتين القطبيتين، الجنوبية والشمالية، ولذا توصف أحيانًا بأنها القطب الثالث، وكحال الأقطاب الفعلية، فهي تعاني الآن من آثار تغيُّر المناخ، ولكن المسار المتسارع للتنمية يضاعف من تأثير المخاطر التي تهددها.

ولكن رغم التقييمات الإيجابية للحالة البيئية في التبت، هناك دراسة أخري صدرت قبل سنوات للأكاديمية الصينية للعلوم وحكومة التبت يكشف مشكلات عدة تواجهها هذه المنطقة، البالغ ارتفاعها 4500 متر، فمستوى هَطْل الأمطار زاد بنسبة %12 منذ عام 1960، وأن معدل درجات الحرارة ازداد 0.4 درجة مئوية كل عقد، وهو ضعف معدل الزيادة العالمي.

 

وبالإضافة إلى ذلك.. تنكمش الأنهار الجليدية بمعدل سريع، كما ذاب حوالي %10 من الجليد الدائم في العقد الأخير وحده، وهذا يعني أن عدد البحيرات قد ازداد بمعدل %14 منذ عام 1970، كما أن أكثر من %80 توسعت منذ ذلك الوقت؛ وأدت بالتالي إلى تدمير المناطق الرعوية العشبية المحيطة، والمجتمعات الموجودة فيها.

ويوضح ياو تاندونج، مدير معهد هضبة التبت، التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، ومقره بكين، الذي قاد فريق إعداد التقييم: “هضبة التبت تزداد حرارة ورطوبة معًا»، ويعني ذلك أن الغطاء النباتي ينتشر نحو ارتفاعات أعلى، وإلى الشمال، وأن مواسم النمو الزراعي تزداد طولًا، لكن بعض المناطق ـ مثل منطقة منابع المياه لأكبر الأنهار الآسيوية ـ أصبحت أكثر حرارة وجفافًا، وتتأثر بشكل كبير بظاهرة التصحر وتدهور الأراضي العشبية والرطبة”.

 

وتقوم هضبة التبت بتغذية أكبر الأنهار في آسيا، ولهذا فمن المحتمل أن تؤثر التغيرات والمشكلات التي تواجهها التبت على مليارات من الناس، حيث يُعتبر التلوث الناجم عن المخلفات البشرية والصناعية نتيجة للتنمية المتسارعة خطرًا جديًّا إضافيًّا، لكن التقييم يقترح أيضًا وسائل لمواجهة هذه المشكلات، مطالبًا حكومتي الصين والتبت بجعل حماية الطبيعة أولوية رئيسة.

كما أن تنامي التمدُّن في التبت يؤدي إلى إنتاج مزيد من المخلفات، أكثر مما تتحمله المنطقة، فلَدَى التبت القدرة على معالجة 256 ألف طن من المخلفات الصلبة المنزلية سنويًّا، وهو أقل مما يتم إنتاجه حاليًا من أكبر مدينتين في المنطقة؛ لاسا، وشيجاتسِه.

في هذا السياق يقول كانج شيتشانج، خبير الأنهار الجليدية في معهد البحث البيئي والهندسي للمناطق الباردة والجافة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم: يمكنك أن تشاهد الكثير من القمامة ملقاة على امتداد الهضبة، وأيضًا في مناطق منابع المياه، إنها كارثة بيئية.

 

أنشطة التعدين في هذه الهضبة أيضا تتسبب في خطر على النظام البيئي، فقد أنتجت المناجم في التبت 100 مليون طن من مياه الصرف الصحي 2007، و18.8 مليون طن من المخلفات الصلبة في عام 2009. ولأن غالبية هذه المناجم مفتوحة وسطحية، لا يوجد فيها إلا الحد الأدنى من الرقابة البيئية.

ولا يأتي التلوث فقط من مصادر محلية.. فالغبار، والكربون الأسود، والمعادن الثقيلة، وغيرها من المركبات السامة، يتم نقلها بواسطة الرياح من أفريقيا وأوروبا وجنوب آسيا، يؤدي الغبار ومتبقيات الكربون إلى إضفاء اللون الداكن على الأنهار الجليدية، مما يجعلها أكثر تعرضًا للذوبان، كما تؤدي المواد السامة إلى تلويث المحاصيل، والماشية، وشتى أنواع الحياة البرية.

ومع كل هذا فالمخاطر الناتجة عن التلوث والتعدين تبدو ضئيلة، مقارنة بالتداعيات الناجمة عن التغير في الغطاءين الثلجي والنباتي، كما يشير التقرير، تقوم الأنواع المختلفة من الأسطح (الجليد والأعشاب والصحاري) بامتصاص وعكس كميات مختلفة من أشعة الشمس، مما يؤثر على كيفية تسخين الهواء الواقع فوقها.

هذا يعني أن التغيرات في الأنواع المختلفة من الغطاء الطبيعي تؤثر على بداية وقوة الرياح الموسمية الآسيوية، ولهذه التغييرات تأثيرات مهمة على سبل معيشة السكان في مناطق مصبّات الأنهار.

 

ومن المتوقع أن تزداد درجات الحرارة في الهضبة بمعدل يتراوح بين 1.7، و4.6 درجة مئوية في نهاية عام 2100، مقارنةً بمعدل الفترة من 1996−2005، بناءً على توقعات أفضل وأسوأ سيناريو من مستويات الانبعاثات العالمية. لذا.. فإن كلا من التمدن وتغيُّر المناخ يضيِّقان الخناق على المنطقة، بينما يخشى العلماء تدمير التنمية غير المنضبطة لبيئة الهضبة.

ولحماية التبت، يقول التقرير إنه على الحكومة المركزية أن تعمل على تقييم المسؤولين المحليين بناءً على إنجازاتهم البيئية، وليس فقط الاقتصادية. ويجب على الحكومة أيضًا أن تستثمر المزيد في التعويضات البيئية، على سبيل المثال، عن طريق منح الأموال لمربِّي قطعان الماشية لتقليل أعداد هذه القطعان. وعليها أيضًا أن تكون أكثر انفتاحًا حول حوادث التلوث.

لا أنه طبقا لكتاب أبيض صادر عن مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني، مؤخرا بعنوان “التبت منذ عام 1951: التحرير والتنمية والازدهار”، فقد استثمرت التبت 81.4 مليار يوان (حوالي 12.7 مليار دولار أمريكي) في حماية البيئة حتى عام 2020، كما أحرزت تقدما منسقا في تحسين البيئة الإيكولوجية.

 

فيما تم إدراج إجمالي 214 نوعا نادرا من النباتات البرية المهددة بالخطر في المنطقة في معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البري المهددة بالانقراض، وشهدت أغلبية أنواع الحيوانات المحمية شهدت تصاعدا ملحوظا في الأعداد.

 

 

تابعنا على تطبيق نبض

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المستقبل الاخضر

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading