د.مصطفى حسين كامل: التربية البيئية مسئولية مجتمعية كاملة تبدأها مقاعد الدراسة
أستاذ بعلوم القاهرة -وزير البيئة الأسبق

البيئة و الطبيعة، هبة الله للإنسان، فيها يعيش ومنها يستفيد، بممارساته الخاطئة الأخذة بالتطور عبر العصور والعقود استنفذت البشرية خيرات الأرض، ومارست عليها أبشع وسائل الاستغلال، والتعدي المسرف.
فجاءت النتائج والردود خطيرة، كارثية، لتهدّد الكيان البشري بوجوده، وسائر الكائنات، فما كان أمامنا نحن البشر، إلّا أن نعيد النظر بحياتنا، وسلوكياتنا، عربون اعتذار للطبيعة من جهة، ولضمان بقائنا الأمن من جهة ثانية.
نتحدّث اليوم عن تنمية مستدامة، عن اقتصاد دائري، عن استعادة للنظم الإيكولوجية، عن التنوّع البيولوجي، وغير ذلك من المفاهيم القديمة الحديثة التي تستوجب خطط عمل إنقاذية طارئة محكمة.
و السؤال الذي يطرح نفسه هنا،: كيف التعامل مع تلك المفاهيم؟، وماذا تعني في الأصل؟، وأي تغيير سلوكي نطرح؟، وكيف؟
أسئلة كثيرة تجعلنا نعود بالفكر والذهن إلى ما يسمّى “التربية البيئية“، التي عرّفها اجتماع هيئة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، في باريس في العام 1978، بأنّها العملية التي تهدف إلى تنمية وعي المواطنين بالبيئة، والمشكلات المتعلّقة بها، وتزويدها بالمعرفة، والمهارات، والاتجاهات، وتحمل المسؤولية الفردية، والجماعية تجاه حل المشكلات المعاصرة، والعمل على منع ظهور مشكلات بيئية جديدة.
من هنا، نلحظ الدور الأساسي للمؤسسات التعليمية كافة، من مدارس، وجامعات، ومعاهد التي تعتبر المرجعية الأولية للمعرفة، والعلم الذين سيتطوران إلى مهارات وسلوك، وبالتالي، يتوجّب على هذه المؤسسات التعامل مع القضايا البيئية برؤية تربوية تعليمية مختلفة على قياس الأزمات البيئية الحقيقية.
التربية البيئية هي إحدى الوسائل الفاعلة لتحقيق حماية البيئة، ويجب اعتبارها مادة منفصلة، أو فرع علمي جديد بمناهج وبرامج تفاعلية، وبحثية، وسلوكية متطورة، فنحن، خاصة في دولنا العربية، بحاجة إلى إعادة توجيه جوانب المعرفة، والتعلّم للوصول الى الإدراك المتكامل للمشكلات البيئية، وبالتالي إدارة الحلول الممكنة للارتقاء بنوعية البيئة حيث نعيش.
على مر السنوات، كانت التربية البيئية حاضرة بقوة في العديد من المؤتمرات العالمية، نظرا لأهميتها التغييرية فقد صاغ ميثاق بلجراد سنة 1975، أهداف التربية البيئية بالتالي: الوعي،المعرفة، المهارات، الاتجاهات، والقيم،المشاركة، القدرة على التقويم.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان للتربية البيئية حيّزا مهما في مؤتمر الأرض في استكهولم عام 1972، في قمة الأرض بجوهانسبورج 2002، وفي مؤتمر باريس للتغيرات المناخية عام 2015، وغيرها الكثير.
حاجاتنا البيئية العربية كثيرة، ومتشعبة، وهي على قدر متساو من الأهمية، والتربية البيئية بما تضمّنه من دور للمؤسسات التعليمية، هي من أهم حاجاتنا، فلا بد من العمل الحثيث، والسريع من أجل وضع برامج، ونشاطات تعليمية تهدف إلى رفع مستوى المسؤولية، والالتزام عند الأفراد، ووضع برنامج بيئي وطني للتوعية في المدارس، والجامعات، يعزّز مفاهيم علاقة الإنسان، وتفاعله مع البيئة الطبيعية.
بالإضافة إلى ورش عمل، ودورات تدريب لتعميق المعرفة عن القضايا البيئية، والتحفيز على إطلاق مبادرات مشتركة بين المدارس، والمجتمع المدني، والأسرة لضمان تغيير سلوكي متكامل العناصر، فالمدرسة و الجامعة، إن لم تتشارك مع أساس الفرد، وهو الأسرة لن تأتي بنتائج ذات فعالية حقيقية.
كلّنا مسؤولون، كلّنا متضرّرون، فلماذا لا نتشارك إيجاد الحلول وتفعيلها؟
بين المدرسة، والجامعة، والأسرة، نتطلّع إلى ترسيخ العلاقة بين الإنسان والبيئة من خلال بناء سلوكيات جديدة، والاستغناء عن أخرى كما نرمي إلى تنمية شعور الأفراد، والمجتمعات بالمسؤولية، وإكسابهم الوعي اللازم للحد من الممارسات الضارة بالبيئة.
فما المانع، ونحن نشاهد تدهور حياتنا، ونترقّب النهايات الدرامية، من أن نبادر بدمج القضايا البيئية في برامجنا التعليمية؟ أن نؤسس النوادي البيئية، والمخيمات الصيفية الشبابية، وغيرها الكثير من الحلول في متناول الأيادي، إذا ما قررنا توحيد الجهود، وإطلاق خطة بيئية طارئة، تشكل التربية البيئية فيها بعدا هاما من أبعاد التربية الشاملة، والمستديمة لتعديل سلوك المواطنين.