أهم الموضوعاتأخبارالطاقة

170 ألف دولار في الدقيقة.. هل أصبحت السعودية “كرة هدم” دبلوماسية لمنع خفض الوقود الأحفوري؟

لغز السعودية بين النفط والطاقة الخضراء.. تقاوم أي تسريع لخفض الانبعاثات وتهدد مستقبل المناخ

يعتمد الاقتصاد السعودي اعتمادًا كبيرًا على عائدات النفط، رغم أن سكانها يعانون بالفعل من آثار المناخ المتطرف الذي بات يقترب من حدود “قابلية العيش”. هذا التناقض يطرح تساؤلات عميقة حول سياسات المملكة تجاه المناخ وموقعها في المفاوضات الدولية.

تُعد شركة “أرامكو” السعودية أكبر منتج للنفط والغاز في العالم خلال العام الماضي، ويدر عملها أرباحًا هائلة تعادل نحو 170 ألف دولار في الدقيقة.

هذا التدفق المالي الضخم يدعم بنية الدولة واقتصادها وبرامجها الاجتماعية، ويغذي مشروعات عملاقة، بدءًا من دعم الطاقة الرخيصة للمواطنين، مرورًا ببرامج القوة الناعمة، وصولًا إلى مدن مستقبلية بمليارات الدولارات.

لكن هذه الثروة النفطية نفسها هي ما يجعل التحول العالمي بعيدًا عن الوقود الأحفوري تهديدًا وجوديًا للملكة، سواء لاقتصادها أو لنظامها السياسي.

على مدى عقود، كانت السعودية القوة الأكثر صلابة في مواجهة أي محاولات دولية لتسريع العمل المناخي، إذ وُصفت بأنها “كرة هدم” دبلوماسية تسعى لمنع أي تقدم في خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري، ورغم ذلك، تتسارع خطوات المملكة داخليًا نحو الطاقة المتجددة لتقليل استهلاكها المحلي من النفط وتوفير أكبر قدر ممكن للتصدير.

تُعد السعودية من أكثر الدول تأثرًا بتغير المناخ، إذ تشير تقارير علمية إلى أن أجزاء واسعة منها تواجه ظروفًا حرارية “على حافة قابلية العيش”.

محاولة الخروج من «الظلام» بسرع

فكيف يمكن فهم هذا التناقض؟ وهل تستطيع دول العالم تجاوز العرقلة السعودية التي تُبطئ الاستجابة لأزمة مناخية تهدد البشر في كل مكان؟

يقول كريم الجندي، خبير المناخ والطاقة في الشرق الأوسط: إن الأمر يتعلق بمحاولة الخروج من «الظلام» بسرعة!

شرح الجندي كيف تغيّرت استراتيجية السعودية حوالي عام 2021، عندما استنتجت الرياض أن التحول العالمي في مجال الطاقة أصبح الآن لا يمكن إيقافه.

السعودية وأزمة المناخ العالمي

بداية العرقلة الدولية

كانت السعودية على وشك إفشال اتفاقية الأمم المتحدة المناخية قبل ثلاثين عامًا. فقد شهد المفاوض المخضرم ألدن ماير اللحظة التي تجاهل فيها الدبلوماسي الفرنسي جان ريبرت اعتراضات السعودية والكويت، ليُمرر الاتفاق رغم احتجاجاتهما.

ومنذ ذلك الحين، أدركت المملكة أن الاعتراض الفردي لا يكفي، فأصبحت تبني تحالفات داخل التكتلات الإقليمية – مثل المجموعة العربية أو دول “أوبك” – لزيادة قدرتها على تعطيل المفاوضات.

وبفضل إلغاء التصويت داخل آلية الأمم المتحدة، أصبح المرور لأي قرار بحاجة إلى إجماع، ما يمنح السعودية “حق النقض” بحكم الأمر الواقع.

يوضح ماير أن السعودية تتقن استخدام التعقيدات الإجرائية لعرقلة أي تقدم، بدءًا من اعتراضها على جداول الأعمال، وصولًا إلى منع مناقشة قضايا مثل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.

كما رفضت المشاركة في مفاوضات افتراضية خلال جائحة كورونا، في خطوة رأى كثيرون أنها تهدف إلى تعطيل العملية برمتها.

السنوات الأربع الماضية، تعرض الشخص العادي لـ 19 يومًا سنويًا من الحر الشديد

امتداد العرقلة إلى ملفات أخرى

لم تقتصر العرقلة السعودية على قمة المناخ، بل امتدت إلى اجتماعات بيئية دولية عدة. فقد انهارت خطة عالمية للحد من إنتاج البلاستيك بعد اعتراض السعودية وحلفائها.

كما تم تأجيل التصويت على ضريبة الكربون للشحن البحري بضغط سعودي – وأحيانًا بمساعدة من الولايات المتحدة.

حتى في مؤتمر للتصحر استضافته السعودية عام 2024، رفضت إدراج أي إشارة إلى “المناخ” في النص النهائي، ما أدى إلى انهيار الاتفاق.

وفي التقارير الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، تسعى المملكة إلى تخفيف المصطلحات الأساسية مثل “صافي الصفر”، رغم تبنيها لنفس الهدف على المدى البعيد.

حرق النفط من أهم أسباب أزمة الكوكب والكوارث المتتالية

حماية الثروة النفطية

تُعد السعودية صاحبة ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم، وتملك القدرة على تعديل إمدادات النفط بسرعة لفرض تأثير مباشر على أسعار السوق.

وتبلغ تكلفة استخراج البرميل حوالي دولارين فقط، بينما بيعه يتراوح بين 60 و80 دولارًا، ما يوفر هوامش ربح هائلة.

من 2016 إلى 2023، استمرت أرامكو في تحقيق أرباح يومية وصلت إلى 250 مليون دولار، ما جعلها الشركة الأكثر ربحية عالميًا.

يرى الباحثون أن السعودية تسعى إلى إبطاء التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة لحماية اقتصادها، وتعتمد على عائدات النفط للحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي.

كما تستثمر في تعزيز الطلب على النفط في دول نامية بأفريقيا وغيرها ضمن برنامج سري لكسب أسواق جديدة.

ورغم خطط “رؤية 2030” لتنويع الاقتصاد، إلا أن المملكة ما تزال تعتمد على النفط بنسبة تقارب 60% من الميزانية العامة.

أرامكو وحماية الثروة النفطية للملكة
أرامكو وحماية الثروة النفطية للملكة

احتمالية التحول إلى الطاقة الخضراء تهديدًا وجوديًا

يقول المؤرخ نيلز جيلمان، في مقالٍ له مؤخرًا في مجلة فورين بوليسي : “تعتمد المملكة العربية السعودية على صادرات الوقود الأحفوري لضمان بقائها الوطني، ويرى النظام في احتمالية التحول إلى الطاقة الخضراء تهديدًا وجوديًا”.

ويضيف: “يستخدم آل سعود عائداتهم النفطية لتمويل نظامهم الاجتماعي المحلي ونفوذهم الدولي”. على سبيل المثال، أنفقت المملكة العربية السعودية على دعم الوقود الأحفوري ، للحفاظ على أسعار الطاقة منخفضة لرعاياها، أكثر مما أنفقته على ميزانية الصحة الوطنية لعام ٢٠٢٣.

يقول جيلمان: “لا يتمثل طموحها في التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، بل في احتكاره مع تقلص المعروض العالمي”، تاركةً أرامكو آخر من يصمد.

في عام ٢٠٢٤، كانت لدى أرامكو أكبر خطط توسع قصيرة الأجل لإنتاج النفط والغاز من أي شركة في العالم، حيث لا يمكن حرق ٦٠٪ منها في سيناريو مناخي يبلغ ١.٥ درجة مئوية.

عواصف في السعودية

“برنامج استدامة الطلب على النفط”

تعمل المملكة العربية السعودية أيضًا على ضمان استمرار تدفق عملائها، حتى مع توجه الدول الغنية نحو خفض انبعاثات الكربون. وفي عام ٢٠٢٣، كشفت صحيفة الجارديان عن “برنامج استدامة الطلب على النفط”، وهو خطة استثمارية عالمية ضخمة لتحفيز الطلب على نفطها وغازها في أفريقيا وأماكن أخرى. وقال النقاد إن الخطة صُممت لدفع الدول إلى “إدمان منتجاتها الضارة”، مما يزيد من استخدام السيارات والحافلات والطائرات التي تعمل بالوقود الأحفوري.

تشكل عائدات النفط السعودية 60% من ميزانية حكومتها، على الرغم من أن هذه النسبة انخفضت من 90% قبل عقد من الزمان ، حيث تسعى المملكة إلى تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط من خلال خطتها رؤية 2030 .

هذا مشروعٌ بقيمة تريليون دولار – من مدينة نيوم المستقبلية التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار إلى منتجع تزلجٍ يتحدى الصحراء ولكنه يعاني من صعوباتٍ كبيرة ، مخصص لدورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029 – ولكنه يواجه مشكلةً.

فلكي تُحقق المملكة العربية السعودية موازنةً في ميزانيتها، تحتاج إلى سعرٍ للنفط يبلغ 96 دولارًا للبرميل، وفقًا لبلومبرغ إيكونوميكس .

يقول زياد داود، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في بلومبرج: “الهدف الأساسي لرؤية 2030 هو تقليل الاعتماد على النفط”. ومع ذلك، “أصبحت المملكة أكثر اعتمادًا على النفط”.

أرامكو السعودية

استراتيجية سعودية بثلاثة محاور

 

 

ويضيف الجندي أن هناك استراتيجية ثلاثية المحاور:

  • خفض الانبعاثات المحلية بسرعة:
    يتم طرح مناقصات لإنتاج 20 جيجاواط سنويًا من الطاقة المتجددة. أصبحت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الآن رخيصة للغاية، مما يتيح تصدير ملايين البراميل من النفط.
  • تصدير كل جزيء من النفط بأسرع ما يمكن:
    يهدف ذلك إلى تمويل تحول المملكة الاقتصادي إلى اقتصاد متنوع ومنخفض الكربون (مثل السياحة والصناعة والعقارات والترفيه)، قبل أن يتراجع الطلب العالمي على النفط.
  • إبطاء التحول العالمي للطاقة بما يكفي لكسب الوقت:
    يشمل ذلك استخدام الأدوات الدبلوماسية والإجرائية لتأخير اتخاذ القرارات الدولية المتعلقة بالوقود الأحفوري.

ويوضح الجندي أنه بالنسبة للسعودية، هذه سباق مع الزمن. يجب عليها استخدام عائدات الوقود الأحفوري الحالية لتمويل المستقبل المستدام الذي تطمح إليه، ولا يمكنها تحمل أي فشل، ففترة الانتقال هي الأكثر خطورة على المملكة، لذلك هدفها هو تقصير هذه الفترة قدر الإمكان.

التهديدات المناخية داخل المملكة

تؤكد الدراسات العلمية أن السعودية من بين أكثر الدول عرضة لآثار التغير المناخي، إذ ارتفعت درجة الحرارة فيها بمعدل 2.2 درجة مئوية بين 1979 و2019، أي ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي.

وتشير تقارير أكاديمية سعودية إلى أن الظروف الجوية وصلت بالفعل إلى “حدود قابلية العيش”، خاصة مع موجات الحرارة الشديدة، وارتفاع معدلات الجفاف، وزيادة الفيضانات المفاجئة التي تسببت في وفاة أكثر من 160 شخصًا خلال العقود الثلاثة الماضية.

وتحذر النماذج المناخية من سيناريوهات قد تصل فيها موجات الحرارة إلى 56 درجة مئوية وتستمر لأسابيع.

ومع أن المملكة تعتمد على التبريد والتحلية لمواجهة الحرارة والجفاف، إلا أن الاعتماد على الطاقة الأحفورية يعزز دورة الاحتباس الحراري.

وزير الطاقة السعودي

هل يمكن تجاوز الفيتو السعودي؟

في قمة COP30، يظهر بوضوح استمرار السعودية في مقاومة أي صياغات تشير إلى “التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري”.

لكن مجموعات دولية بدأت بالتحرك خارج مسار التفاوض الأممي لتشكل “تحالفات الراغبين”، وهو مسار يصعب على السعودية تعطيله.

ويقترح خبراء تعديل نظام المفاوضات بحيث يتم اعتماد القرارات بالأغلبية العظمى بدلًا من الإجماع، إضافة إلى فرض عقوبات على الدول التي تستخدم العرقلة المتكررة كوسيلة تفاوضية، تمامًا مثل “البطاقة الصفراء” في كرة القدم.

ويؤكد هؤلاء أن تأخير الخروج من الوقود الأحفوري يماثل – من حيث الأثر – ضخ المزيد من الانبعاثات في الغلاف الجوي.

تابعنا على تطبيق نبض

مقالات ذات صلة

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المستقبل الاخضر

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading