غزو الأنواع الغازية.. كيف يدمر الوقت التنوع النباتي ويهدد المناخ
من النباتات إلى التربة.. الأنواع الغازية لا تدمر دفعة واحدة.. الوقت هو مفتاح الأثر البيئي
أظهر تحليل عالمي شامل قاده فريق سويسري بالتعاون مع باحثين من ألمانيا والصين أن الأنواع الغازية لا تدمر النظم البيئية دفعة واحدة، بل تتبع مسارًا تدريجيًا يعتمد على طول مدة بقائها في النظام البيئي.
الدراسة، التي اعتمدت على مئات الدراسات الميدانية من مختلف القارات والمناخات، سلطت الضوء على الأنماط المعقدة لتأثير هذه الغزوات على النباتات، الحيوانات، والميكروبات، وكذلك على خصائص التربة غير الحية.
الدراسة منشورة في مجلة Science، وتمثل خطوة رئيسية نحو فهم العلاقة بين مدة غزو الأنواع وتغيرات النظم البيئية على نطاق عالمي.
مدة الإقامة كمؤشر رئيسي للتأثير البيئي
أوضح الباحثون بقيادة البروفيسور مادهاف ثاكور من جامعة برن أن “الوقت منذ وصول الأنواع الغازية ليس مجرد عامل خلفي، بل هو المحرك الأساسي لفقدان التنوع النباتي المحلي”.
حيث لوحظ أن المجتمعات النباتية المحلية تصبح أكثر هشاشة كلما طالت مدة غزو النوع الغريب، ما يجعل استعادة التنوع البيولوجي أكثر صعوبة مع مرور السنوات.
تأثيرات متفاوتة بين المكونات البيئية
بينما استمر فقدان التنوع النباتي على مدار عقود، أظهرت خصائص التربة غير الحية مثل محتوى الكربون والنيتروجين والمواد المغذية الأخرى تغييرات سريعة في البداية، ثم استقرارًا نسبيًا بعد نحو عشر سنوات.
بعض المواقع شهدت زيادة مؤقتة في خصوبة التربة، فيما عادت مواقع أخرى تقريبًا إلى مستوياتها الأصلية، ما يشير إلى أن استجابة التربة للغزوات الحيوانية والنباتية تختلف بحسب السياق المحلي.
الغزوات البيولوجية والانبعاثات الدفيئة
أظهرت التحليلات المتكررة أن الغزوات النباتية والحيوانية غالبًا ما ترتبط بارتفاع انبعاث الغازات الدفيئة من التربة، بما في ذلك ثاني أكسيد الكربون والميثان.
هذا الربط يشير إلى أن السيطرة على الأنواع الغازية قد تصبح أداة استراتيجية في جهود التخفيف من تغير المناخ، إلا أن الباحثين حذروا من الاعتماد على نتائج قصيرة المدى، مؤكدين ضرورة القياسات طويلة الأجل قبل استخلاص استنتاجات مناخية نهائية.
إعادة التفكير في قواعد مقاومة الغزوات
الدراسة قلبت مفاهيم سابقة قائمة على فكرة “المجتمعات المتنوعة بيولوجيًا تقاوم الغزاة”.
النتائج أظهرت أن المقاومة البيولوجية لا تقي بالضرورة النظم البيئية من التغيرات واسعة النطاق، وأن صفات الغزاة الشائعة مثل معدل النمو أو سمك الأوراق ليست مؤشرات موثوقة لتوقع حجم أو اتجاه التغيرات البيئية. حتى خطوط العرض لم تقدم إشارات ثابتة على نطاق التأثير.
توصيات لإدارة الغزوات البيولوجية
يوصي الباحثون بالتحرك المبكر في المناطق التي يهدد فيها الغزاة التنوع النباتي، مع المراقبة المتكيفة للخصائص التربة التي تميل أحيانًا للعودة إلى وضعها الطبيعي.
تعتبر الاستجابة السريعة للكشف عن الغزاة الجدد وإزالتهم من الاستراتيجيات الأكثر فعالية من حيث التكلفة، ويؤكد الدليل الفيدرالي على أهمية المسوحات المنتظمة والمعرفة المحلية، إضافةً إلى فرض قيود على مسارات وصول الغزاة، مثل تفتيش السلع والمواد القادمة من مناطق أخرى.
الفجوات البحثية والآفاق المستقبلية
على الرغم من شمولية البيانات للنباتات والحيوانات في أوروبا وأمريكا الشمالية، إلا أن الأدلة المتعلقة بالميكروبات والحيوانات خارج هذه المناطق ما زالت محدودة.
يدعو الباحثون إلى تجارب طويلة الأمد وتغطية جغرافية أوسع، بهدف تحسين تقديرات تأثير الغزوات على الانبعاثات الدفيئة، وفهم متى تعود التربة إلى توازنها ومتى تتغير بشكل دائم.
خلاصة استراتيجية
كما اختتم البروفيسور ثاكور: “الوقت هو البعد الأقل تقديرًا في تأثيرات الغزوات البيولوجية”.
هذه الرؤية تمنح صانعي السياسات أداة لترتيب أولويات الحماية، وتوجيه الموارد، وتحديد أساليب الاستجابة بدقة حسب طبيعة الأثر البيئي، مع الحفاظ على التنوع النباتي ومراقبة خصائص التربة وإدارة الانبعاثات.





