السيراميك الشفاف قد يُحدث طفرة في سرعة الإنترنت ويخفض استهلاك الطاقة
نظرية فيزيائية جديدة تقدم منتجات فاخرة من البلورات تغير مستقبل التكنولوجيا الضوئية
طوّر باحثون فئة جديدة من السيراميك ليست شفافة فحسب، بل قادرة أيضًا على التحكم في الضوء بكفاءة استثنائية تفوقت على جميع التوقعات النظرية السابقة.
ويُرجع فريق بحثي دولي هذا الأداء المدهش إلى نظرية فيزيائية متقدمة تُعرف باسم «نظرية الزنتروبي»، ما قد يمهّد الطريق لإنتاج هذه المواد على نطاق صناعي، واستخدامها في تقنيات أسرع وأصغر وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، تشمل الاتصالات عالية السرعة، والتصوير الطبي، وأجهزة الاستشعار المتقدمة.
ولفهم سبب تفوق الخصائص الكهروضوئية لهذا السيراميك الشفاف، أي قدرته على تغيير طريقة انكسار الضوء أو مروره عند تطبيق جهد كهربائي، تواصلت الباحثة هايكسيو يان، المتخصصة في علوم وهندسة المواد بجامعة كوين ماري في لندن، مع زي-كوي ليو، أستاذ علوم وهندسة المواد بجامعة ولاية بنسلفانيا.
وكان ليو قد طوّر سابقًا نظرية متقدمة في فهم الإنتروبيا، وهو المفهوم الذي يصف ميل الأنظمة نحو الفوضى في حال عدم تزويدها بالطاقة، وتجمع «نظرية الزنتروبي» بين ميكانيكا الكم والديناميكا الحرارية والميكانيكا الإحصائية في إطار تنبؤي واحد، وبالتعاون مع فريق يضم باحثين من مؤسسات في ست دول، تمكّن العالمان من حل هذا اللغز العلمي ونشر نتائجهما في دورية الجمعية الكيميائية الأمريكية.

التحدي الأساسي
وتُعد السيراميك موادًا جذابة للتطبيقات البصرية نظرًا لانخفاض تكلفتها مقارنة بالبلورات الأحادية، وسهولة تصنيعها على نطاق واسع، وإمكانية التحكم الدقيق في تركيبها الكيميائي، غير أن التحدي الأساسي كان يتمثل في جعلها شفافة بما يكفي لمرور الضوء دون تشويه، وهو ما تحقق مؤخرًا بفضل تقنيات تصنيع متقدمة نجحت في تقليل العيوب المجهرية داخل المادة.
وتعتمد هذه التقنيات على تحسين انتظام الحبيبات الداخلية وتقليل الشوائب التي كانت تتسبب سابقًا في تشتيت الضوء وجعل السيراميك يبدو معتمًا، وباستخدام هذه الأساليب، تمكّن الباحثون من إنتاج سيراميك شفاف بالكامل، ما أتاح تسجيل نتائج كهروضوئية قوية فاقت توقعاتهم.
وأوضح ليو أن مجتمع أبحاث المواد الكهروضوئية لم يكن يمتلك نظرية قادرة على تفسير هذه النتائج. وكانت دراسات سابقة قد أشارت إلى أن البلورات الشفافة التي تحتوي على عدد كبير من «جدران النطاقات»، وهي الحدود الفاصلة بين مناطق مختلفة الاتجاه داخل المادة، قد تُظهر سلوكًا كهروضوئيًا غير عادي، ومن هنا افترض العلماء أن السيراميك، الذي يتميز ببنية داخلية أكثر تعقيدًا، قد يُظهر الآلية نفسها بدرجة أقوى.

أداء كهروضوئي فائق
وعند فحص المادة على المستوى الذري باستخدام مجاهر إلكترونية عالية الدقة ونماذج حاسوبية متقدمة، اكتشف الفريق وجود مناطق استقطاب متناهية الصغر لا يتجاوز حجمها بضع ذرات، وتتحرك هذه «المناطق المصغّرة» بسرعة فائقة، ما يفسر قدرتها على الاستجابة للمجالات الكهربائية عند ترددات ضوئية عالية.
وأشار ليو إلى أن هذه البنى الدقيقة ليست ثابتة، بل ديناميكية ومتقلبة باستمرار، وهو ما يمنحها زمن استجابة بالغ القِصر، وتساعد «نظرية الزنتروبي» على فهم هذا السلوك من خلال احتساب جميع الحالات البنيوية الدقيقة التي يمكن للذرات أن تتخذها، وقياس تأثير تقلباتها السريعة على الأداء الكلي للمادة.
وأظهرت النتائج، أن تفكك البنية الداخلية إلى وحدات ذرية صغيرة يقلل بشكل كبير من الطاقة اللازمة لقلب الاستقطاب الكهربائي، ما يسمح باستجابة شبه فورية للمجال المطبق، ويؤدي إلى أداء كهروضوئي فائق لا تستطيع النظريات التقليدية تفسيره.

ويرى الباحثون، أن هذا الفهم يمثل خطوة حاسمة نحو توسيع نطاق إنتاج هذه المواد، وقد أثبت الفريق بالفعل إمكانية تصنيع السيراميك الشفاف على مستوى المختبر بشكل موثوق، ويعمل حاليًا على توسيع الإنتاج، ودراسة الاعتمادية طويلة الأمد، وتطوير بدائل خالية من الرصاص أكثر أمانًا للاستخدام الصناعي.
ويمكن لهذه المواد أن تعيد تشكيل مستقبل الأجهزة الضوئية، من بنية الإنترنت المعتمدة على الألياف الضوئية إلى أنظمة توجيه السيارات ذاتية القيادة والتشخيصات الطبية الدقيقة. ويقارن الباحثون ذلك بمادة «نيوبات الليثيوم» التي تُستخدم منذ عقود في هذه التطبيقات، لكنها تُظهر تأثيرًا محدودًا نسبيًا عند تطبيق الجهد الكهربائي.
ويؤكد الفريق أن السيراميك الشفاف الجديد يتجاوز هذه الحدود بكثير، ما يفتح الباب أمام جيل جديد من المكونات الضوئية الأصغر حجمًا، والأسرع استجابة، والأقل استهلاكًا للطاقة، والأقل تكلفة، بما يشمل المبدلات والمفاتيح الضوئية، ومكونات الاتصالات، وأجهزة الاستشعار، والدوائر الضوئية المتكاملة.






