أهم الموضوعاتأخبارتغير المناخ

الخسائر غير المباشرة.. الحلقة المفقودة في آليات تمويل المناخ الدولية

لماذا يجب أن يشمل تمويل «الخسائر والأضرار» تأثيراته على سلاسل الإمداد العالمية؟

تداعيات المناخ تمتد عبر سلاسل التوريد… وتمويل الخسائر والأضرار بحاجة لإعادة تعريف

بدأ الصندوق المخصص لدعم الدول النامية في مواجهة الآثار غير القابلة للعكس للتغير المناخي في فتح باب التقدم بطلبات التمويل.

فقد أعلن عن أول دعوة لتقديم المقترحات لصندوق الاستجابة للخسائر والأضرار خلال مؤتمر المناخ COP30، الذي عُقد مؤخرًا في البرازيل.

وابتداءً من ديسمبر، يمكن للدول النامية تقديم طلبات لمشروعات تستفيد من مبلغ أولي قدره 250 مليون دولار.

وبعد عقود من المطالبات والتأجيل، أُطلق الصندوق رسميًا في مؤتمر COP28 عام 2023.

وتتمثل أولويته في دعم الدول النامية «الأكثر هشاشة» أمام آثار المناخ، ومنها ارتفاع مستوى سطح البحر والظواهر الجوية المتطرفة، مع بقاء جميع الدول النامية مؤهلة للحصول على الدعم.

وبحلول يوليو 2025، بلغت تعهدات الدول للصندوق 768 مليون دولار من 27 دولة، وهو مبلغ لا يزال ضئيلاً للغاية مقارنة بخسائر سنوية تتجاوز 100 مليار دولار في الدول النامية بسبب تغير المناخ.

فجوة التمويل ومشكلات التوزيع

 

لا تزال محدودية التمويل وضعف معايير التوزيع تحديات رئيسية، وهناك حاجة ملحة إلى نهج أكثر موضوعية وعدالة في تمويل المناخ.

وتبرز أهمية توسيع تعريف «الخسائر والأضرار» ليشمل الخسائر الاقتصادية غير المباشرة بالإضافة إلى الخسائر المباشرة.

ويأتي هذا المقترح بناءً على بحث أجراه في «معهد الطاقة والبيئة والاقتصاد» بجامعة تسينجهوا، حول آثار الظواهر المناخية المتطرفة على الاقتصاد العالمي.

إن دعم الدول النامية في التكيف لا يعزز قدراتها المحلية فحسب، بل يقلل أيضًا من مخاطر الاضطرابات في سلاسل الإمداد التي قد ترتد على الدول المتقدمة نفسها.

تضرر سلسلة التوريد الغذائية

فجوة ضخمة في التمويل… وخسائر غير مرئية

 

يتطلب فهم الخسائر الكاملة التي تتكبدها الدول الأكثر هشاشة منظورًا عالميًا، خاصة أن الظواهر المتطرفة ترسل موجات صدمة عبر سلاسل التوريد الدولية.

وفي دراسة نُشرت هذا العام، قمنا بتحليل الخسائر الاقتصادية العالمية الناتجة عن الجفاف والفيضانات والعواصف بين عامي 2009 و2019.

واعتمادًا على دراسات الإسناد العلمي، ركزنا على الجزء من تلك الخسائر المرتبط مباشرة بالتغير المناخي الناجم عن الأنشطة البشرية.

وأظهرت النتائج أن الخسائر المباشرة المنسوبة للتغير المناخي، مثل الأضرار التي تلحق بالأصول – بلغت نحو 60 مليار دولار سنويًا.

وعند إضافة الخسائر غير المباشرة البالغة 65 مليار دولار سنويًا، الناتجة عن اضطرابات سلاسل التوريد، يرتفع العدد إلى 125 مليار دولار، أي ما يعادل 0.16% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وتمثل هذه الخسائر نحو 46% من إجمالي الخسائر الناجمة عن الكوارث المناخية المدروسة.

ولم تشمل الدراسة ظواهر أخرى مثل موجات الحر والحرائق، أو الظواهر البطيئة مثل ارتفاع مستوى البحر، أو المخاطر المرتبطة بنقاط التحول المناخي.

وتعاني دول عديدة من صعوبات كبيرة في التعافي من آثار المناخ، وخاصة الدول النامية ذات الموارد المحدودة.

ففي حين تتمتع الدول الغنية بأنظمة تأمين وقدرات مالية قوية، تفتقر الدول الفقيرة والجزر الصغيرة إلى هذه الوسائل، ما يجعلها عرضة للركود الاقتصادي وفخ الديون بعد كل كارثة.

سلسلة صور تُصوّر آثار الكوارث المناخية
العالم بحاجة إلى 310 مليارات دولار سنويًا للتكيف مع المناخ

القطاعات الأكثر تضررًا

 

تشير نتائج دراستنا إلى أن 70% من الخسائر العالمية خلال الفترة 2009–2019 تركزت في قطاعات: الصناعة، والزراعة، والإنشاءات، والنقل، نظرًا لارتفاع تعرضها للمخاطر المناخية.

وكانت الصناعة الأكثر تضررًا، بنسبة 40% من الخسائر المباشرة و30% من غير المباشرة.

كما تكبدت قطاعات التمويل والتجارة والخدمات خسائر كبيرة بسبب disruptions في سلاسل الإمداد.

فعلى سبيل المثال، تعرض قطاعا المالية والعقارات لخسائر غير مباشرة بلغت 9.74 مليار دولار، أي نحو 15% من إجمالي الخسائر غير المباشرة.

وتختلف أنماط الخسارة حسب مستوى الدخل، ففي الدول منخفضة الدخل، تحملت الزراعة والنقل والتعدين معظم الخسائر المباشرة، بينما تعرضت الدول الغنية لخسائر أكبر غير مباشرة بسبب ارتباطها الوثيق بسلاسل التوريد العالمية.

فاتورة الخسائر والأضرار السنوية عن تغير المناخ

الدول الأكثر هشاشة

 

كانت الخسائر الناجمة عن الجفاف أكثر حدة في دول منخفضة الدخل مثل فيتنام وزيمبابوي وإثيوبيا، نظراً لاعتمادها الكبير على الزراعة.

بينما تعرضت الجزر الصغيرة والدول الساحلية، مثل بورتوريكو وموزمبيق والفلبين وفيتنام – لخسائر ضخمة جراء العواصف.

وفي القارة الأمريكية، سببت العواصف خسائر قدرها 66.2 مليار دولار، مدفوعة بقيم الأصول العالية في أمريكا الشمالية ونظام التأمين الواسع فيها.

أما الفيضانات، فقد كانت الأكثر تأثيرًا في دول آسيوية مثل تايلاند وباكستان وكمبوديا ونيبال، بالإضافة إلى بيرو والسلفادور. وفي أفريقيا، كانت موزمبيق وإثيوبيا وزيمبابوي ومدغشقر الأكثر تضررًا من الجفاف والعواصف والفيضانات، رغم أن نقص التقارير في دول أخرى قد يخفي حجم الخسائر الحقيقية.

الفيضانات التي ضربت عدة دول في جنوب شرق آسيا، بما فيها تايلاند وماليزيا
الفيضانات التي ضربت عدة دول في جنوب شرق آسيا، بما فيها تايلاند وماليزيا

ورغم أن الخسائر الإجمالية تبدو أعلى في الدول الغنية بسبب قيمة الأصول المرتفعة ودقة التقارير، فإن خسائرها كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي أقل من المتوسط العالمي، كما أن أكثر من نصف خسائرها كانت غير مباشرة.

يبرز ذلك الحاجة لإعادة النظر في مفهوم «الهشاشة» في مفاوضات المناخ. فالمعايير الحالية لا تتضمن الخسائر غير المباشرة المتعلقة بالتجارة وسلاسل الإمداد، رغم أنها تؤثر بعمق على الاستقرار الاقتصادي العالمي.

وبهذا المنظور الأوسع، تبدو دول مثل الصين والهند أكثر هشاشة من العديد من الدول الأفريقية، إذ تتجاوز خسائرها المباشرة وغير المباشرة المتوسط العالمي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.

أهمية مؤشر الهشاشة المناخية
أهمية مؤشر الهشاشة المناخية

الحاجة إلى آليات تمويل عادلة وشفافة

 

في مؤتمر COP29 في أذربيجان، اتفقت الدول على «هدف كمي جماعي جديد» للتمويل المناخي، يهدف إلى توفير 1.3 تريليون دولار سنويًا بحلول 2035 للدول النامية. وعزز مؤتمر COP30 هذا الالتزام من خلال «خارطة طريق باكو – بيلم إلى 1.3 تريليون».

وتشير أبحاث إلى أن توسيع مصادر التمويل ووضع آليات شفافة لتوجيه الأموال بسرعة إلى الفئات الأكثر هشاشة يمثل اختبارًا رئيسيًا لنظام التمويل المناخي العالمي.

مؤتمر المناخ COP29

ويُعد تعزيز صندوق الخسائر والأضرار أولوية عاجلة، في ظل تضخم الخسائر عامًا بعد عام.

كما يجب تسريع تعبئة التمويل، وتحسين معاييره، وضمان توزيعه بعدالة وشفافية.

ويجب كذلك وضع معايير مبنية على تعريفات موضوعية للهشاشة، وإعطاء الأولوية للدول الجزرية، والدول الأقل نموًا، والمناطق الضعيفة التي تفتقر إلى القدرة على التكيف، كما ينبغي إنشاء آليات مستدامة لمعالجة خسائر المناخ طويلة الأجل.

وتختلف أولويات الدول باختلاف مستويات هشاشتها؛ لذا يجب على كل دولة تقييم احتياجاتها، وعلى الدول المتقدمة تحديد مساهماتها المطلوبة.

وتظل الاقتصادات الساحلية، مثل بورتوريكو ودول الكاريبي وموزمبيق وفيتنام والفلبين، الأكثر تعرضًا لمخاطر الخسائر التي تمثل أكثر من 60% من خسائرها الإجمالية، ما يجعل حاجتها للدعم المباشر أمرًا حيويًا لتعزيز قدراتها على التكيف.

تابعنا على تطبيق نبض

مقالات ذات صلة

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المستقبل الاخضر

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading