تلوث الهواء قد يهدد جهازك المناعي قبل ظهور أي مرض

تلوث الهواء لا يضر الرئتين فقط.. جسيمات دقيقة قد تغيّر استجابة الجسم المناعية

تشير دراسة حديثة إلى أن الجسيمات الدقيقة الموجودة في الهواء الملوث قد تؤثر على جهاز المناعة البشري، بطريقة قد تزيد من احتمالية الإصابة بأمراض المناعة الذاتية قبل سنوات من ظهور أي أعراض مرضية.

في تحليل شمل 3,548 شخصًا بالغًا، وجد الباحثون أن التعرض المرتفع للجسيمات الهوائية الدقيقة، المعروفة باسم PM2.5، يرتبط بمستويات مرتفعة من الأجسام المضادة للنواة (ANA)، وهي علامة دم شائعة ترتبط غالبًا بأمراض مثل الذئبة الحمراء وأمراض مناعية أخرى.
نشرت الدراسة في مجلة Rheumatology.

الأجسام المضادة للنواة هي بروتينات مناعية تهاجم خلايا الجسم عن طريق الخطأ، ورغم أن ارتفاع مستوياتها لا يمثل تشخيصًا مباشرًا، إلا أنها يمكن أن تشير إلى تغيّرات مبكرة في الجهاز المناعي.

“تفتح هذه النتائج نافذة جديدة لفهم كيفية تأثير تلوث الهواء على الجهاز المناعي”، يقول الدكتورة ساشا بيرناتسكي، أستاذة الطب في جامعة ماكغيل وقائدة الدراسة.

حجم صغير.. تأثير كبير

جسيمات PM2.5 هي جسيمات هوائية لا يتجاوز قطرها 2.5 ميكرومتر، أي أصغر من عرض شعرة الإنسان بما يزيد عن 30 مرة، وتوجد في الدخان الناتج عن الحرق الصناعي، وعوادم السيارات، ودخان الأخشاب.
تضيف بيرناتسكي”هذه الجسيمات صغيرة بما يكفي لتدخل مجرى الدم وتؤثر على الجسم كله”.

تلوث الهواء قد يهدد جهازك المناعي

طريقة تقدير التعرض

اعتمد الباحثون على ربط رمز البريد لكل مشارك بمستويات PM2.5 في السنوات الخمس السابقة لأخذ العينات، تم جمع العينات من دراسة الصحة في أونتاريو التي شملت أكثر من 225,000 بالغ و40,000 عينة دم.
النماذج البحثية ضبطت العوامل المحتملة الأخرى مثل العمر والجنس والتدخين والدخل والموقع الريفي لتقليل التحيزات.

تلوث الهواء وصلاته بقوة المناعة

عند مقارنة أعلى مستويات التعرض في أقل شريحة من PM2.5، لوحظت احتمالية أعلى لارتفاع مستويات ANA بقوة 1:640 و1:1280، وهي مؤشرات على نشاط مناعي أعلى، هذه العلاقة لم تظهر بوضوح عند زيادة صغيرة في الجسيمات، ما يشير إلى أن التأثير يكون واضحًا عند مستويات تعرض مرتفعة.

تلوث الهواء قد يهدد جهازك المناعي

الرئة كبوابة للجهاز المناعي

عند استنشاق الجسيمات الدقيقة، يمكن أن تهيّج أنسجة الرئة وتسبب الإجهاد التأكسدي، ما يؤدي إلى إطلاق الخلايا المناعية لسلسلة من البروتينات الصغيرة تسمى السيتوكينات، التي تنبه الجسم وتنتقل إلى الدم.

تفاوت التعرض ومخاطر غير متساوية

ليس التلوث الحضري وحده مصدر الجسيمات الدقيقة؛ فحرائق الغابات وحرق الأخشاب في المناطق الريفية يمكن أن ترفع مستويات PM2.5 لعدة أيام.

الدراسة أظهرت ارتفاعًا في ANA لدى النساء ومختلف الأعراق، وهو مهم لأن الذئبة وأمراض المناعة الذاتية الأخرى أكثر شيوعًا بين النساء وبعض المجموعات العرقية، مما يعكس عدم تكافؤ المخاطر.

قيود الدراسة

كون الدراسة مقطعية، أي قائمة على لحظة زمنية واحدة، فهي لا تثبت علاقة سببية بين التلوث وارتفاع ANA، كما أن استخدام رموز البريد لا يعكس التنقل اليومي أو جودة الهواء داخل المنازل أو أماكن العمل.
عوامل أخرى مثل العدوى، الأدوية، التوتر، والتعرض لملوثات إضافية يمكن أن تؤثر أيضًا على نشاط المناعة.

تقنيات القياس

تم استخدام تقنية التألق المناعي (Immunofluorescence) لتمييز الأجسام المضادة، مع مراعاة مستويات القطع المختلفة لأن العيار العالي يكون أكثر دلالة سريريًا.

التوصيات وتقليل التعرض

– المستوى العام: تحسين وسائل النقل العام، تشديد الرقابة الصناعية، وتعزيز التهوية في المباني.

– أيام الدخان أو التلوث الشديد: إغلاق النوافذ، استخدام فلاتر عالية الكفاءة، تقليل استخدام الشموع والبخور.

– المتابعة الطبية: استشارة الطبيب قبل إجراء اختبارات ANA، وفهم ما تعنيه النتائج ضمن سياق الأعراض.

الأبحاث المستقبلية

فريق البحث يخطط لدراسة بيانات من بريتش كولومبيا حيث تفرض حرائق الغابات وأنماط الطقس الساحلية اختلافات في التعرض للجسيمات الدقيقة.
الدراسات طويلة المدى قد تساعد على معرفة ما إذا كانت مستويات ANA العالية تتنبأ بتطور أمراض المناعة الذاتية، مع فصل مصادر الجسيمات الكيميائية المختلفة.

الخلاصة

تلوث الهواء لا يؤثر على الرئتين والقلب فحسب، بل يمتد تأثيره إلى الجهاز المناعي، مما يفتح الباب أمام سياسات وقائية تقلل التعرض للجسيمات الدقيقة، خاصة لدى الفئات الأكثر عرضة لأمراض المناعة الذاتية.

Exit mobile version