أهم الموضوعاتأخبارتغير المناخ

العدالة المناخية الحقيقية تتطلب مواجهة الاستعمار.. أفريقيا تطالب بالإنصاف

تقرير جديد يكشف: من مدغشقر إلى أوروبا.. كيف صنع الاستعمار هشاشة أفريقيا المناخية؟

كتب محمد كامل

بعد صمت محكمة العدل الدولية، تقف المحكمة الأفريقية أمام فرصة لإثبات الصلة بين أزمة المناخ وأضرار الإمبريالية المستمرة، وهي فرصة يجب اغتنامها.
أعلنت الاتحاد الأفريقي أن عام 2025 سيكون عام العدالة للأفارقة وللشعوب المنحدرة من أصل أفريقي من خلال التعويضات.
وتمتلك المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب فرصة لتحويل هذا الإعلان من مجرد شعار إلى خطوة فعلية، بينما تنظر في طلب الرأي الاستشاري بشأن التزامات الدول في سياق تغير المناخ.
كتب كل من نسيكو وا نسيكو مستشار منظمة العفو الدولية لشؤون العدالة المناخية في شرق وجنوب أفريقيا، وسمراويت جيتانه، باحث قانوني في اللجنة الأفريقية للخبراء المعنيين بحقوق الطفل ورفاهيته، رؤية تحليلية تربط بين إرث الاستعمار وتفاقم أضرار المناخ على أفريقيا، ودور المحكمة الأفريقية في تحقيق العدالة والمطالبة بالتعويضات .
حيث قال الكاتبان، إنه يمكن لهذا الرأي أن يؤكد الصلة بين الاستعمار وأضرار المناخ التي يعاني منها سكان القارة، وأن يشكل تقدمًا كبيرًا مقارنة برأي محكمة العدل الدولية، وأن يعزز مسار أفريقيا نحو العدالة التعويضية.

إطلاق طفيليات الكوكسينيل المعدلة وراثيًا عمدًا

وسردا الكاتبان التفاصيل كاملة ، حيث نشرت منظمة العفو الدولية تقريرًا في 30 يوليو 2025، يكشف كيف قامت السلطات الفرنسية خلال الحقبة الاستعمارية في مدغشقر بإطلاق طفيليات الكوكسينيل المعدلة وراثيًا عمدًا على مساحة تقارب 40 ألف هكتار من الغطاء النباتي القادر على تحمّل الجفاف في إقليم أندروي بجنوب البلاد.
وبين عامي 1924 و1929 دمّرت هذه الطفيليات نحو 100 كيلومتر من الغطاء النباتي سنويًا.
لم يكن ذلك مجرد خسارة بيئية؛ فقد كان هذا الغطاء النباتي مصدرًا أساسيًا لغذاء شعب الأنتاندروي، وساهم في الحفاظ على المياه الجوفية خلال فترات الجفاف المتكررة.
وأدى تدميره إلى إزالة منظومة طبيعية كانت تمنح السكان قدرة على تحمل قسوة المناخ. وبعد أكثر من قرن، جعل هذا التدمير السكان عرضة للجوع الجماعي والنزوح والوفيات كلما ضرب الجفاف المنطقة.
وتتفاقم هذه الكوارث اليوم بسبب تغير المناخ الذي تسببه الأنشطة البشرية، وخصوصًا في الدول الصناعية ذات الانبعاثات التاريخية المرتفعة، مثل فرنسا، التي تركت السكان في الأصل مكشوفين أمام الجفاف بفعل تدخلاتها الاستعمارية.

العدالة المناخية الحقيقية تتطلب مواجهة الاستعمار
العدالة المناخية الحقيقية تتطلب مواجهة الاستعمار

عندما يتقدم العلم ويتأخر القرار السياسي

ثبّت العلماء منذ سنوات العلاقة بين الاستعمار والهشاشة المناخية.
ففي عام 2022، أكد تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن الاستعمار أسهم في خلق أزمة المناخ وأرسى أساسًا لضعف المجتمعات في دول الجنوب أمام الفيضانات والجفاف والأعاصير وارتفاع مستوى البحار.
لكن مواجهة هذه الحقائق علميًا لا تكفي وحدها لتحقيق العدالة؛ فغياب الإرادة السياسية لدى الدول ذات المسؤولية التاريخية يحرم الدول المتضررة من الدعم اللازم للتخفيف والتكيف.
وعندما تفشل السياسة، تلجأ الدول المتضررة إلى المحاكم الدولية طلبًا للإنصاف، كما حدث مع طلب الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي قادته فانواتو عام 2023، بدعم من دول أفريقية كثيرة.
غير أن رأي المحكمة في يوليو 2025 جاء مخيبًا للآمال؛ إذ خلا من أي إشارة إلى الاستعمار، سواء في الرأي الأساسي أو الآراء المنفصلة.
كما تجاهل سؤالًا محوريًا يتعلق بالمدى الزمني الممكن لمطالبات المسؤولية المناخية، وهو سؤال أساسي لأن القوى الاستعمارية تدّعي أن الاستعمار لم يكن محظورًا قانونيًا حينها، وبالتالي لا التزام عليها بالتعويض.

العدالة المناخية الحقيقية تتطلب مواجهة الاستعمار
العدالة المناخية الحقيقية تتطلب مواجهة الاستعمار

القانون الدولي العرفي يسقط حجة الاستعمار

ورغم هذا الصمت، قدمت محكمة العدل الدولية جانبًا إيجابيًا مهمًا حين أكدت أن التزامات الدول في مجال المناخ لا تستند فقط إلى الاتفاقيات، بل أيضًا إلى القانون الدولي العرفي، الذي يحمّل الدولة مسؤولية استمرار الأضرار الناجمة عن أفعال قديمة إذا كانت تؤدي اليوم إلى انتهاكات لحقوق الإنسان.
وتغيّر هذه النقطة طبيعة السؤال الواجب طرحه: فالقضية ليست ما إذا كان يمكن محاسبة الدول على أفعال الاستعمار، بل ما إذا كانت آثار تلك الأفعال تُسبب انتهاكات اليوم.
والإجابة واضحة: نعم، فغازات الدفيئة التي تسببت بها القوى الصناعية منذ القرن الثامن عشر ما تزال في الغلاف الجوي، وهي المحرك الرئيسي لارتفاع الحرارة وأزمات الجفاف والفيضانات.
وفي مدغشقر، أدى تدمير الغطاء النباتي إلى دفع السكان نحو اقتصاد استعماري قائم على العمل الرخيص، وهو مسار أسهم في بناء أوروبا الحديثة باستخدام الوقود الأحفوري.

العدالة المناخية الحقيقية تتطلب مواجهة الاستعمار
العدالة المناخية الحقيقية تتطلب مواجهة الاستعمار

نصف خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف

ورغم أن المحكمة فتحت بابًا مهمًا عندما أشارت إلى إمكانية المطالبة بتعويضات تستند إلى القانون العرفي، فإنها سرعان ما سدّت الباب جزئيًا بفرضها شرط “الرابط السببي المباشر والواضح” بين الفعل الضار والضرر الواقع.
وهو شرط يصعب تطبيقه على سلسلة معقدة من الأضرار التاريخية والمتداخلة.
ويسمح هذا الشرط للدول المستفيدة من الاستعمار برفض تحمل المسؤولية، بحجة مرور الزمن وتعقيد الظروف، كما قد تفعل فرنسا في حالة مدغشقر. وهو نموذج لما وصفه خبراء الأمم المتحدة بأنه “العقبة الأكبر أمام تعويضات الاستعمار والعبودية: غياب الإرادة السياسية لدى المستفيدين”.

تابعنا على تطبيق نبض

مقالات ذات صلة

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المستقبل الاخضر

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading