أخبارالمدن الذكيةالاقتصاد الأخضر

كيف «يتنفس» الإسمنت ويخزن ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون سنويًا

دراسة تكشف قدرة الخرسانة على امتصاص 13% من انبعاثات صناعة الإسمنت

يمتلك أكثر مواد البناء شيوعًا في العالم سرًا غير معروف على نطاق واسع، فالإسمنت، «الغراء» الذي يربط مكونات الخرسانة، «يتنفس» تدريجيًا ويمتص ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون من الهواء طوال العمر الافتراضي للمباني والبنية التحتية.

تُقدِّم دراسة جديدة صادرة عن «مركز استدامة الخرسانة» في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أول قياس كمي على المستوى الوطني لهذه العملية، المعروفة باسم «الامتصاص الكربوني».

ونُشرت الدراسة في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS)، وباستخدام منهجية مبتكرة، توصل فريق البحث إلى أن الإسمنت المستخدم في مباني وبنية الولايات المتحدة التحتية يحتجز أكثر من 6.5 ملايين طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، ويعادل ذلك نحو 13% من «انبعاثات العملية»—أي ثاني أكسيد الكربون الناتج عن التفاعل الكيميائي الأساسي—في صناعة الإسمنت الأمريكية. وفي المكسيك، يحتجز المخزون البنائي نفسه قرابة 5 ملايين طن سنويًا.

كيف يعمل الامتصاص الكربوني في الإسمنت يعرف العلماء آلية الامتصاص الكربوني منذ عقود، إذ يتسلل ثاني أكسيد الكربون إلى الخرسانة أو المونة،الخليط الذي يربط الكتل والطوب والحجارة،عبر مسام دقيقة، ليتفاعل مع نواتج غنية بالكالسيوم داخل الإسمنت، ويُحتجز في صورة معدن مستقر هو كربونات الكالسيوم (الحجر الجيري).

ورغم وضوح الكيمياء، فإن تقدير حجم هذه العملية على نطاق واسع ظل تحديًا، فالطريق الخرساني في دالاس لا يمتص الكربون بالطريقة نفسها التي تمتص بها شقق مكسيكو سيتي المبنية بوحدات البناء الخرسانية (CMUs)، كما أن بلاطة الأساس المدفونة تحت الثلوج في فيربانكس بألاسكا «تتنفس» ثاني أكسيد الكربون بوتيرة مختلفة تمامًا.

انبعاثات صناعة الإسمنت

أربعة عوامل تحكم امتصاص الكربون

يوضح حسام أزاري جعفري، الباحث الرئيس والمؤلف الأول للدراسة في قسم الهندسة المدنية والبيئية بـMIT، أن «الامتصاص الكربوني شديد الحساسية للسياق، هناك أربعة عوامل رئيسية تحكمه: نوع الإسمنت المستخدم، ونوع المنتج المصنوع منه—خرسانة أو وحدات بناء خرسانية أو مونة—وهندسة العنصر الإنشائي، والمناخ والظروف المحيطة. وحتى داخل المنشأة الواحدة قد يختلف الامتصاص بمقدار يصل إلى خمسة أضعاف بين عناصر مختلفة».

نمذجة الامتصاص على نطاق وطني لأن كل منشأة تمتص ثاني أكسيد الكربون بطريقة فريدة، فإن التقدير الوطني كان سيستلزم—وفق النهج التقليدي—محاكاة عدد هائل من العناصر الإسمنتية: بلاطات وجدران وكمرات وأعمدة ورصف وغيرها، مع مراعاة أعمارها وهندستها وخلطاتها وظروف تعرضها.

وبدلًا من ذلك، طوّر الفريق مئات «النماذج النمطية» التي تمثل تصاميم شائعة للمباني والبنية التحتية، أشبه بقياس خصائص الشاطئ لتقدير كمية الرمال بدل عدّ كل حبة على حدة. ثم حاكى الباحثون كيفية امتصاص كل نموذج لثاني أكسيد الكربون في بيئات مختلفة، ومدى شيوعه عبر ولايات الولايات المتحدة والمكسيك، ما أتاح تقدير الكميات وأسباب اختلافها.

عوامل حاسمة تؤثر في الامتصاص برز عاملان رئيسيان: اتجاهات البناء خلال السنوات الخمس السابقة—التي تعكس سرعة إضافة منتجات إسمنتية جديدة إلى المخزون البنائي—ونسبة المونة إلى الخرسانة، إذ تمتص المونات المسامية ثاني أكسيد الكربون أسرع بعشر مرات تقريبًا من الخرسانة الأكثر كثافة.
تقليل استهلاك الإسمنت

وفي الولايات التي ترتفع فيها نسبة استخدام المونة، زادت حصة الامتصاص مقارنة بانبعاثات العملية، ويشير حسام جعفري إلى أن «المكسيك تُظهر حالة فريدة؛ فعلى الرغم من استخدامها نصف كمية الإسمنت التي تستخدمها الولايات المتحدة، فإنها تحقق ثلاثة أرباع الامتصاص، بسبب الاعتماد الأكبر على المونة والخرسانة الأقل مقاومة، والإسمنت المعبأ الذي يُخلط في الموقع، وتؤدي هذه الممارسات إلى احتجاز نحو ربع انبعاثات صناعة الإسمنت هناك».

فرص لتعزيز الامتصاص الكربوني مع ضرورة الحذر في العناصر المسلحة بالفولاذ، حيث قد يسرّع الامتصاص التآكل، يمكن تعزيز الامتصاص في عناصر عديدة دون آثار سلبية.

ويوضح راندولف كيرتشين، مدير مركز استدامة الخرسانة والمؤلف المشارك للدراسة، أن زيادة المساحة السطحية المعرضة للهواء، مثل الاستغناء عن الطلاء أو البلاط، أو اختيار تصاميم ذات نسبة مساحة سطح إلى حجم أعلى، تُسرّع الامتصاص، كما أن تجنب خلطات خرسانية أقوى وأقل مسامية من اللازم يسرّع العملية ويقلل استهلاك الإسمنت.

انبعاثات صناعة الإسمنت

فرصة لتحسين تمثيل الامتصاص الكربوني للإسمنت

انعكاسات على المحاسبة الكربونية العالمية يؤكد الباحثون وجود فرصة لتحسين تمثيل الامتصاص الكربوني للإسمنت في الجردات الوطنية، فالمباني من حولنا والخرسانة تحت أقدامنا «تتنفس» ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون باستمرار، بينما قد تُبالغ بعض القيم المبسطة في أطر الإبلاغ الشائعة.

إن دمج العلم المحدث في الإرشادات الدولية—بما فيها تلك الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، سيساعد على مواءمة الأرقام المبلّغ عنها مع الواقع المادي والزمني للقطاع.

وتوفّر هذه الدراسة، بوصفها أول تقدير قاعدي صارم على المستوى الوطني، صورة أدق للأثر البيئي للإسمنت، ويمكن توسيع منهجيتها لتشمل دولًا أخرى، بل وتوجيه تصميم منشآت تُعظّم الامتصاص بأمان.

انبعاثات صناعة الإسمنت

تابعنا على تطبيق نبض

مقالات ذات صلة

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المستقبل الاخضر

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading