مغامرة وادي الدَّرَجَـــه السفلـــي.. رحلـــة أسطوريــه في تجاويــف الصخــور المائيـــة.. واحة الاستجمام بفلسطين
موقع جغرافي بيئي فريد من نوعه بين سفوح الجبال الشاهقة.. لوحة فنية رائعة ممتلئة بمزيج من الصخور الملونة على ضفاف البحر الميت

بيت لحم فلسطين – الباحـث: خالـد أبـو علـي
مشاهد رائعة تتجاوز متعة التحدي وخطورة المغامرة لتجسد معاني الحياة والاثارة والانسجام مع الطبيعة.. فالمغامرة في هذا المكان، هي أحد مفردات الجمال فدعونا نعيش جمال المغامرة في هذه المقالة .
من قرية عرب الرشايدة، والتي تقع في الجنوب الشرقي لمدينة بَيتَ لحم مهد السيد المسيح عليه السلام في فلسطين وعلى ارتفاع 512 مترا فوق سطح البحر ، انطلق فريقنا المغامر شرقا عبر، جيب رباعي الدفع لمسافة 14 كيلومتر في طريق صحراوية عبر برية بيت لحم، وفي وادي حصاصه للبدء بالمغامرة الأصعب والأخطر والأكثر متعة وإثارة والتي تعتبر من أصعبِ المسارات وأكثرِها خطورةً لما تحوي من صعودٍ وهبوطٍ في أوديةٍ وصخورٍ صعبة، وسباحةٍ داخلَ المياه، وهبوط ٍ بالحبال، والتي تتطلب غالبًا مهارة ولياقة بدنية عالية.
وادي الدَّرَجَـــه ومغارة المربعات
بعد نحو ساعه من السير عبر الجيب وفي طريق ترابية صعبة مليئة بالحجارة وصلنا الى منطقة يصعب الاستمرار فيها إلا سيرا على الأقدام، فترجلنا وسار الفريق مسافة كيلومترين في طريق صعب بين صخور وادي الدَّرَجَـــه العلوي حتى وصلنا الى منطقة معزوله ووعره جدا تقع فيها مغارة ” المربعات” الشهيرة بأسرارها وحكاياتها مع مخطوطات قديمه كتبت على جلود الحيوانات البرية، وتقع المغاره التي شاهدناها في ملتقى رافدي وادي الدَّرَجَـــه العلوي، حيث وادي زعترة الذي يصب ويغذي الرافد الشمالي من وادي الدَّرَجَـــه العلوي، ووادي تقوع الذي يمتد شرقا حتى يلتقي بالرافد الجنوبي لوادي الدَّرَجَـــه العلوي كما وصفه المرشد والقائد عماد حميد.
يقع وادي الدَّرَجَـــه بين سفوح الجبال الشاهقة، في موقع جغرافي بيئي فريد من نوعه، وخاصة لمن له نَهَــمٌ في علوم الأرض والتضاريس، التي تجعل المرتاد يقرأ العلامات الجيولوجية بكل يسر وسهولة، والدَّرَجَـــه عبارة عن وادي صخري عميقً ومتعرجً في بعض الأماكن تشكل عبر ملايين السنين، بفعل جريان المياه الهادره من شلالات المياه المندفعة خلال فصل الشتاء والتي نحتت الصخور إلى أشكال مذهلة، لتحفر طريقًا داخل الوادي بشكل متعرج، وعرض من مترين إلى ثلاثة أمتار في بعض المقاطع تحيطه الجبال من جميع الاتجاهات.

عملية التجوية والتآكل في الوادي
استكمل الفريق المغامر رحلته الممتعة، وهو يسير بين الصخور المذهلة ذات التشكيلات والأحجام والألوان المختلفة، كلوحة فنية رائعة ممتلئة بمزيج من الصخور الملونة التي تشبه الأحجار الكريمة والتي تحيط بالوادي من كل اتجاه أشبه بسور كبير مرسوم بلوحة فنية مبهرة ، شاهد الفريق آثار عملية ” التجوية والتآكل ” حيث الصخور الضخمة والتي يصل وزن بعضها الى أطنان حيث سقطت من المنحدرات العالية واستقرت في الوادي السحيق حيث تسبب تحطيم وتكسير وتدهور هذه الصخور الرخوة عند ضرب الأرض أو فرك بعضها البعض الى تدحرجها وانزلاقها لتحدث عملية التكسير الصخري إلى أجزاء أصغر ، كما ساعدت مياه الفيضانات في هذه الانهيارات الصخرية التي حملت معها الصخور وألأتربة وحركتها بعيدًا على طول الوادي لتشكل عبر ملايين السنين البرك والتجاويف الصخرية.
السيق الفلسطيني الوردي
سار الفريق في الوادي السحيق بين الأماكن الطبيعية التي حباها الله بجمال إلهي منقطع النظير، وفي جو مميز من الإثارة والمتعة، ومع كل إنحدار وسط الصخور الجرداء الوردية والحمراء والبيضاء، كانت انفاسنا تتزايد ودقات قلوبنا تضرب بقوة للبدء في مغامرة تسلق الصخور، والهبوط عبر الحبال نحو البرك المائية العميقة.
ذهل الفريق وهو يسير عبر ممر صخري ضيق اطلق عليه الفريق أسم “السيق الفلسطيني الوردي”، وضم الممر مجموعة من الصخور العظيمة التي تحيط الوادي من كل اتجاه، تمر في مضيق متعرج، وهي مؤلفة من صخور سينومية – باليوسينية يغلب عليها الحِوَر والصوان والكلس، وهي الصخور السائدة في المنطقة، وتليها صخور سينومانية – تورونية مؤلفة من الحجر الكلسي والدولوميت، حيث تظهر في بعض المقاطع، حيث بلغ عرض الممر في بعض الأماكن من متر الى بضعة أمتار فيما ترتفع الصخور الملونة على جانبي السيق لتصل حتى مائتي متر.

وادي الدَّرَجَـــه السفلي
ضم الفريق المغامر كل من د.محمد فرارجه ، خالد جاد الله ، إبراهيم سليمان ، عامر القواسمي وخالد أبو علي بقيادة المرشد والدليل البيئي الصديق عماد حميد، وسار الفريق في وادي الدَّرَجَـــه والذي يعتبر أحد الوجهات السياحية المتميزة في برية بيت لحم التي تشتهر بالعديد من الأماكن والوجهات السياحية المتميزة ما بين السياحة الترفيهية والسياحة الأثرية والتاريخية إلى جمال الطبيعة المبهر.
ويعد وادي الدَّرَجَـــه السفلي أحد الأماكن السياحية النادرة للتجوالات البيئية التي لم يتدخل فيها صنع الإنسان، فأخذت الصخور شكل فني مبهر حباها به الله وميزها به، وتتنوع أنواع الترفيه داخل وادي الدَّرَجَـــه ما بين السباحة في تجاوفيه الصخريه التي حفرتها المياه عبر آلاف السنين والنزول عبر الحبال وتسلق الجبال الشماء في بعض المقاطع والاستمتاع بالتقاط الصور التذكارية ومشاهدة جمال الطبيعة المبهر.

البرك الخمسون في الوادي
واصل الفريق رحلته داخل الوادي من خلال السير في انحدار شديد بمسافة ستة كيلومترات، داخل ممرات مائية وتجاويف صخريه عبارة عن برك مليئة بالمياه قدر عددها بخمسين بركه تختلف أعماقها من متر الى ثلاثة أمتار تشكلت بسبب شلالات الوادي التي تنساب من أعلى وتصب في شاطئ البحر الميت، ونتيجة لعوامل النحت الناتجة من السيول الغزيرة تكونت هذه البرك التي تتوزع على طول الوادي، وما يميز هذه البرك هو مياهها الباردة جدا حتى في وقت الصيف نتيجة ارتفاعها وميلان الشمس عنها، فبعض البرك أشبه بالكهف.
كما يتميز هذا المكان أيضا بالنظافة بسبب قلة الزائرين وصعوبة الوصول من غير دليل يقودك إليه أو خريطة على الرغم من وجود أرقام مثبتة على لوحات معدنية صغيرة تبدأ من رقم 30 وتنتهي برقم واحد ، وبعض العلامات واللوحات الإرشادية ، وما ساعد الفريق في السير في الوادي هو وجود المقابض الحديدية المثبتة على الصخور في بعض المقاطع والتي ساعدتنا بالتأكيد في عملية الإنزال والمشي وبخاصة في الأماكن التي يمر بها الوادي عند المنحدرات العميقة .
وقال لنا صديقنا عماد ” تبقى المياه الراكدة في هذه البرك طوال العام وفي الغالب لاتصل إليها أشعة الشمس ، وتصلح للسباحة حتى فترة تقدر بشهرين من أخر جريان لمياه الأمطار عبر الوادي ، ويحوي هذا السيق الصخري ما يقارب الخمسون بركة من المياه ، ولا يستطيع المغامر الانتقال من منطقة الى أخرى دون الدخول عبر جميع هذه البرك والسباحة فيها ويحتاج نصفها الى استخدام الحبال للنزول فيها وتجاوزها” .

الحياة البرية في وادي الدَّرَجَـــه
للوهلة الأولى قد يبدو وادي الدَّرَجَـــه قاحلا ومشابهًا في المظهر لمعظم الوديان الصحراوية الموجودة في فلسطين، ولكن وادي الدَّرَجَـــه هو في الواقع موطن للحياة البريه من الثعالب الحمراء، الضبع المخطط، شاهدنا بين الصخور في وادي الدرجة الوبر الصخري ، والوعل النوبيّ أو البدن أو وعل الجبل (Nubian ibex (Capra nubiana ؛ كما قادتنا آثار الحيوانات الى مشاهدة الذئب العربي في موقعين مختلفين في منطقة عين جدي قرب مطلات البحر الميت والاسم العلمي له Canis lupus arabs وهو أصغر سلالات الذئب الرمادي وتتواجد اليوم في بضعة جيوب معزولة في فلسطين ويعود السبب وراء تناقص أعداد هذه الذئاب بشكل كبيرٍ وملحوظٍ في الآونة الأخيرة، إلى الصيد الجائر والملاحقة بالسيارات والقتل العمد لها، تُعرف هذه الحيوانات محليّا في الدول التي تقطنها باسم الذيب أو الديب (جمعها ذياب أو دياب).
كما شاهد الفريق أنواع كثيرة من الطيور المحلية منها السوادية أو زرزور البحر الميت والذي يتميز بوجود اللون البرتقالي على جناحيه عند الطيران، وقد بنت أعشاشها بين تجاويف الصخور، الأبلق الحزين، الغراب الأبقع، ابلق اسود الذيل اضافة الى بعض الطيور الجارحه التي كانت تحلق في سماء الوادي مثل العويسق ،كما تتنوع داخل الوادي الحياة النباتية من النباتات المختلفة ومنها الملوح والكبار واللوف وبعض النباتات المزهره الى أشجار الرتم فيما شاهد الفريق شجرة سدر وحيده في بداية المسار مليئة بثمار النبق الناضجه.
مَطلّات البحــر الميــت
وبمجرد وصول الفريق الى نهاية المسار الذي استمر نحو تسع ساعات وبطول 36 كيلومتر ذهابا وإيابا عبر الجيب والسير في الوادي ، شعرنا وكأننا قد نُقِلنا من قلب الطبيعة الى عالم آخر حيث الإطلالات الجميلة على البحر الميت ، والهواء المنعش والمناظر الخلابة، فسواء كنت رياضيًا تريد المشي او التسلق أو ببساطة تحب الطبيعة وتريد الاستمتاع بيوم بعيدًا عن المدينة وصخبها فما عليك الا مُطِلّات البحر الميت فهو المكان المناسب لك.
تعتبر المَطلّات وجهة شهيرة للغاية للفلسطينيين الراغبين في الإبتعاد عن صخب الحياة اليومية، والباحثين عن الاسترخاء في أحضان الطبيعة، وتعد أيضًا وجهة مميزة لمراقبي الطيورومشاهدة الوعل النوبي عن قرب وبأعداد كبيره ،وأصبحت مُطِلّات البحر الميت مشهورة للغاية بين عشاق ركوب الدراجات وسيارات الدفع الرباعي وقضاء يوم أو يومين على الأقل في التجول في المنطقة.
هناك أيضًا العديد من الرحلات الآمنة والبسيطة نسبيًا لأولئك الذين يفضلون الاستكشاف سيرًا على الأقدام، وتوفر معظم المسارات الأكثر شهرة إطلالات على شواطىء البحر الميت، ففي الأيام الصافية بشكل خاص، يمكن للزوار رؤية حمامات معين والمنتجعات المقامه على الأراضي الأردنية في الجانب الأخر من البحر الميت .
ملاحظة :
مسار وادي الدَّرَجَـــه السفلي من أخطر وأصعب واجمل المسارات، ونصيحة الى كل محبي السياحة البيئية والتجوال وهواة المغامرات لا ينصح بتاتا السير فيه بدون دليل \ مرشد سياحي يمتلك التجربة ويعرف المكان ولديه الخبرة الكافية للتعامل مع مختلف الظروف الطارئة ومعدات وأدوات سلامه وأمان وبخاصة الحبال التي تساعد على التسلق والإنزال وكذلك الأحذية المخصصة للمناطق الجبلية لأن في الوادي صخور ملساء وضيقة جدا قد لا تزيد عن موضع قدم هذا إضافة الى مقدرة على السباحة ولياقة بدنية عالية، في هذا الوادي لا مجال للكسل والتراخي فالمسار يحتاج الى الصبر وقوة التحمل والعزيمة القوية والإرادة التي لا تلين.