طور باحثون في جامعة رايس الأمريكية مفاعلًا كهروكيميائيًا جديدًا يمكن أن يُحدث تحولًا كبيرًا في كفاءة تقنيات التقاط ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الهواء، عبر خفض استهلاك الطاقة المرتبط بهذه العمليات بصورة ملحوظة، ما يعزز فرص تطبيقها على نطاق صناعي واسع.
ووفقًا لدراسة نُشرت في دورية «نيتشر إنرجي»، يعتمد الابتكار الجديد على مفاعل كهروكيميائي مصمم خصيصًا ليحل محل الخطوة الأكثر استهلاكًا للطاقة في عمليات التقاط الكربون التقليدية، وهي مرحلة تحرير ثاني أكسيد الكربون من المواد الماصة باستخدام درجات حرارة مرتفعة تصل إلى نحو 900 درجة مئوية، وغالبًا ما تتطلب حرق الغاز الطبيعي.
ويقارن الباحثون بين نظامين مختلفين: الأول يعتمد على المعالجة الحرارية ضمن دورة كربونات الكالسيوم، حيث يتم تسخين كربونات الكالسيوم بدرجات حرارة عالية لتحرير ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يمثل العبء الأكبر من استهلاك الطاقة.
أما النظام الثاني، فيستخدم مفاعلًا كهروكيميائيًا صلب الإلكتروليت لإعادة توليد ثاني أكسيد الكربون من محاليل الكربونات أو البيكربونات باستخدام الكهرباء بدلًا من الحرارة.
محطة مفصلية في مسار التقاط الكربون
ويتميز المفاعل الجديد ببنية معيارية مكونة من ثلاث حجرات، تتوسطها طبقة مسامية من إلكتروليت صلب صُممت بدقة للتحكم في حركة الأيونات ونقل الكتلة داخل النظام.
ويقول هاوتيان وانج، أستاذ الهندسة الكيميائية والبيولوجية الجزيئية بجامعة رايس والمشرف على الدراسة، إن هذا العمل يمثل «محطة مفصلية في مسار التقاط الكربون من الغلاف الجوي»، مشيرًا إلى أن النتائج تفتح آفاقًا واسعة لجعل هذه التقنيات أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية والعملية.
ويوضح وانغ أن المفاعل حقق معدلات استرجاع لثاني أكسيد الكربون تُعد مناسبة للاستخدام الصناعي، كما أظهر استقرارًا تشغيليًا طويل الأمد وقدرة على التكيف مع تفاعلات مختلفة عند المهبط والمصعد، وهو ما يعزز فرص دمجه في تطبيقات صناعية متنوعة.
ومن أبرز مزايا هذه التقنية مرونتها العالية، إذ يمكن تشغيلها مع أنواع مختلفة من الكيميائيات، إضافة إلى إمكانية إنتاج الهيدروجين بالتوازي مع عملية التقاط الكربون.
ويشير وانج إلى أن هذا «الإنتاج المشترك للهيدروجين» قد يسهم في خفض كبير لتكاليف الاستثمار والتشغيل في الصناعات اللاحقة، مثل تصنيع الوقود أو المواد الكيميائية منخفضة أو منعدمة الانبعاثات الكربونية.
وتعتمد تقنيات التقاط الكربون من الهواء عادة على تمرير تيارات هواء عبر محاليل قلوية عالية الأس الهيدروجيني لالتقاط ثاني أكسيد الكربون، ثم تأتي المرحلة الأصعب المتمثلة في استرجاع الغاز من هذه المحاليل.
ويقول تشيوي فانج، الباحث ما بعد الدكتوراه بجامعة رايس وأحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة، إن معظم التقنيات الحالية تعتمد على الحرارة المرتفعة لهذه الخطوة، ما يرفع استهلاك الطاقة والتكاليف.
ويضيف فانج، أن النهج الكهروكيميائي الذي طوره الفريق يعمل في درجة حرارة الغرفة، ولا يحتاج إلى مواد كيميائية إضافية، كما لا ينتج عنه أي نواتج جانبية غير مرغوب فيها، وهو ما يمنحه أفضلية بيئية وتقنية واضحة.
وتوضح الدراسة أن المواد الماصة المختلفة لثاني أكسيد الكربون لها مزايا وعيوب، فالمواد المعتمدة على الأمينات، رغم شيوع استخدامها، تُعد سامة وغير مستقرة، أما المحاليل القلوية المائية مثل هيدروكسيد الصوديوم أو البوتاسيوم، فهي أكثر صداقة للبيئة، لكنها تتطلب درجات حرارة عالية جدًا لتحرير ثاني أكسيد الكربون.
ويؤكد وانج، أن المفاعل الجديد قادر على فصل محاليل الكربونات والبيكربونات بكفاءة، منتجًا مادة ماصة قلوية في حجرة، وثاني أكسيد كربون عالي النقاء في حجرة أخرى.
ويعرب الباحثون عن أملهم في أن تسهم هذه النتائج في تشجيع القطاعات الصناعية على تبني مسارات أكثر استدامة، وتسريع التحول نحو اقتصاد عالمي صافي الانبعاثات.
