تحقيق يكشف حصول الصين والإمارات والسعودية على قروض مناخية بمليارات الدولارات
تحليل عالمي: ثلثا تمويل المناخ يُقدَّم على شكل قروض تثقل ديون الدول الأكثر فقرًا
بيانات جديدة: 20% فقط من تمويل المناخ يصل إلى الدول الـ44 الأكثر فقرًا في العالم
كشف تحقيق مشترك لصحيفة “الجارديان” البريطانية، ومنصة كاربون بريف المتخصصة في تحليل بيانات المؤسسات بشأن قضايا المناخ عن توزيع التمويل المناخي العالمي خلال عامي 2021 و2022، موضحًا أن مليارات الدولارات من الأموال العامة، المخصصة لمواجهة الاحتباس الحراري، تتجه بشكل غير متناسب إلى دول غنية ومتقدمة اقتصاديًا، على حساب الدول الأشد فقراً وهشاشة.
تحليل البيانات، الذي اعتمد على معلومات غير منشورة قدمت إلى الأمم المتحدة وبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، أظهر أن النظام العام لتمويل المناخ ينجح إلى حد كبير في نقل رأس المال من الدول الغنية عالية الانبعاثات إلى الدول الأكثر ضعفًا لمساعدتها على التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون والتكيف مع التغير المناخي، ومع ذلك، فإن غياب رقابة مركزية صارمة على توزيع التمويل، واعتماد جزء كبير منه على تقدير الدول المانحة، يجعل العمليات عرضة للتأثيرات السياسية والمصالح الوطنية، بدلًا من التوزيع على أساس الحاجة القصوى.

نسبة التمويل الموجهة للفقراء ضئيلة
أظهرت النتائج أن نحو خمس التمويل المناخي العالمي المعلن ذهب فقط إلى الدول الأقل نموًا (LDCs)، البالغ عددها 44 دولة، وتشمل هايتي، مالي، النيجر، سيراليون، جنوب السودان واليمن.
من هذه الأموال، حصلت غالبية الدول على قروض وليس منحًا، ما يزيد أعباء الديون الخارجية عليها.

في حالات مثل بنجلاديش وأنجولا، تجاوزت نسبة القروض من إجمالي التمويل المناخي 95%، وهو ما يضع هذه الدول في موقف صعب من ناحية القدرة على السداد.
بين عامي 2012 و2022، ارتفعت قيمة سداد الديون الخارجية لهذه الدول من 14.3 مليار دولار إلى 46.5 مليار دولار، فيما بلغ إجمالي ما سددته الدول الأقل نموًا خلال عامي 2021 و2022 نحو 91.3 مليار دولار، أي ثلاثة أضعاف ميزانياتها من التمويل المناخي، مما يعكس زيادة الضغط المالي على حكوماتها وتهديد الاستدامة الاقتصادية.

الدول الغنية والمتوسطة الأعلى استفادة
أظهرت التحليلات أن الدول ذات الاقتصاديات المتوسطة والغنية، بما في ذلك الصين، الإمارات، السعودية ودول البلقان الطامحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، تلقت جزءًا كبيرًا من التمويل، غالبًا في صورة قروض مدعومة بشروط ميسّرة.

-
الإمارات: حصلت على أكثر من مليار دولار قروض من اليابان، شملت 625 مليون دولار لمشروع نقل الكهرباء البحرية في أبوظبي و452 مليون دولار لمحطة حرق نفايات في دبي.
-
السعودية: تلقت قروضًا تصل إلى 328 مليون دولار، منها 250 مليون دولار لشركة الكهرباء السعودية و78 مليون دولار لمشروع مزرعة شمسية.
-
الصين: حصلت على نحو 3 مليارات دولار من البنوك متعددة الأطراف، وهي دولة تعتبر نفسها “نامية” وفق تصنيفات الأمم المتحدة منذ التسعينيات، رغم نمو اقتصادها السريع وانبعاثاتها العالية التي تجاوزت أوروبا على أساس نصيب الفرد من الكربون.
-
الهند: كانت أكبر مستفيد فردي من التمويل، بتلقيها نحو 14 مليار دولار خلال الفترة نفسها.

السعودية والإمارات
كما حصلت ست دول في منطقة البلقان على أكثر من 3.5 مليار دولار، حيث استحوذت صربيا على الجزء الأكبر، بمعدل عشرة أضعاف ما تلقته الدول الأقل نموًا من التمويل المناخي لكل فرد.
أما رومانيا، كعضو في الاتحاد الأوروبي، فقد تلقت 8 ملايين دولار من الولايات المتحدة لدراسة بناء مفاعل نووي صغير، في مؤشر على توجه التمويل أيضًا إلى مشاريع استراتيجية متقدمة تقنيًا في الدول المتوسطة.

القروض مقابل المنح: هل التمويل فعلاً دعم أم ديون؟
خبراء التمويل المناخي يشيرون إلى أن التركيز على القروض، حتى وإن كانت ميسّرة، قد يزيد من أعباء الدول الفقيرة، مؤكدين أن هذه الأموال ليست أعمالًا خيرية، بل استثمارات استراتيجية لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمات اليومية مثل ارتفاع تكاليف المعيشة، اضطرابات سلاسل الإمداد، الكوارث الطبيعية، الهجرة القسرية والنزاعات.
رؤية المتخصصين:
ريتو بارادواج، مديرة تمويل المناخ في المعهد الدولي للبيئة والتنمية تقول: “القروض، حتى إذا كانت ميسّرة، غالبًا ما تأتي بشروط تفيد المقرض أكثر من المستفيد.”
شاكيرا مصطفى الخبيرة المالية في مركز الحماية من الكوارث: “القلق يكمن في أن بعض الدول قد تأخذ ديونًا جديدة لسداد ديون قديمة، مما يشبه ‘تأجيل المشكلة’ وليس حلها.”

خلل التصنيفات الدولية
يبقى تصنيف الدول في الأمم المتحدة كما هو منذ 1992، ما يسمح لدول ذات اقتصاديات مزدهرة وانبعاثات عالية مثل إسرائيل، كوريا، قطر، سنغافورة، والإمارات بالاستمرار في تصنيفها ضمن الدول النامية، وبالتالي الاستفادة من التمويل المناخي المخصص للدول الأكثر هشاشة، في حين تُترك الدول الأكثر فقراً دون دعم كافٍ.
سارة كولنبراندر، مديرة شؤون المناخ في معهد التنمية الخارجية تقول: “من العبث أن تبقى هذه الدول الغنية في نفس الفئة مع توجغو وتونجا وتنزانيا.”
الدول الفقيرة ثلاثة أضعاف ميزانياتها المخصصة لتمويل المناخ
تُظهر بيانات البنك الدولي أنه خلال الفترة نفسها، سددت أقل البلدان نموًا مجتمعةً ما يقارب 91.3 مليار دولار من الديون الخارجية، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف ميزانياتها المخصصة لتمويل المناخ.
وعلى مدار العقد الماضي، تضاعفت أقساط سداد الديون الخارجية لأفقر الدول ثلاث مرات، من 14.3 مليار دولار عام 2012 إلى 46.5 مليار دولار عام 2022.

COP30
سبل جمع الأموال بشكل مستدام،
سيتم استبدال الهدف الأصلي البالغ 100 مليار دولار هذا العام بهدف جديد للدول المتقدمة لتوفير 300 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2035، مع هدف أوسع يتمثل في تعبئة 1.3 تريليون دولار سنويًا.
في الأسبوع الماضي، نشر مسؤولو قمتي الأمم المتحدة الأخيرتين للمناخ تقريرًا استكشف سبل جمع الأموال بشكل مستدام، بما في ذلك فرض ضرائب على الوقود الأحفوري وشروط ديون مرنة لمواجهة تغير المناخ. كما دعا التقرير إلى توسيع نطاق التمويل المناخي الميسر والمنح.
قال المتحدث باسم الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ: “يجب أن يكون تمويل المناخ متاحًا، وبأسعار معقولة، وعادلاً”. وأضاف: “إن حقيقة أن العديد من دول العالم ذات الدخل المنخفض تواجه عقبات، ولا تزال تعتمد على قروض عالية الفائدة لتمويل المناخ، تؤكد على الحاجة الملحة للإصلاح”.

خلاصة
التمويل المناخي العالمي في السنوات الأخيرة ينمو من حيث الحجم الإجمالي، لكنه يعاني من خلل هيكلي في التوزيع، ما يزيد من حدة الديون على الدول الأكثر فقراً ويثير توترات سياسية في مفاوضات المناخ الدولية.
النتيجة أن ملايين الأشخاص في الدول الأقل نموًا يبقون الأكثر هشاشة أمام آثار تغير المناخ، بينما تتلقى دول متوسطة وغنية التمويل الأكبر، أحيانًا لمشاريع لا تتعلق مباشرة بحماية البيئة أو التكيف مع الكوارث المناخية.






