التنمية المستدامةابتكارات ومبادرات

إعادة تخيّل النباتات المنزلية.. عندما تتحول الجذور إلى فن

كيف تصنع قطعة فنية حيّة داخل منزلك.. النباتات كطقس علاجي وفن معماري

في زمن تتكدّس فيه المتاجر الكبرى والسوبرماركت بنباتات منزلية مُنتَجة على نطاق واسع، تُشجّع على الشراء السريع وتُعامَل غالبًا بوصفها عنصر ديكور مؤقت، يقدّم روبرت موفيت طرحًا مغايرًا يعيد الاعتبار للنبات بوصفه كائنًا حيًا ذا حضور، وذاكرة، وإمكانية لبناء علاقة طويلة الأمد مع الإنسان.

موفيت، مؤسس استوديو التصميم النباتي «هاوس بلانت» في لوس أنجلوس، لا يرى النبات سلعة تُلتقط على عجل من الرف، بل مشروعًا بصريًا وعاطفيًا يتشكّل ببطء، ويتساءل: ماذا لو تخلّينا عن منطق الاستهلاك السريع، ووسّعنا مفهومنا للنبات المنزلي ليشمل نباتات ذات تاريخ وشخصية، وربما ندوب، تمامًا مثل البشر؟

من هذا المنطلق، يدعو إلى البحث في مصادر غير تقليدية مثل منصّات البيع المستعملة، ومزادات التركات، والحدائق المنسية، حيث يمكن العثور على نباتات ذات أشكال نحتية فريدة، وجذور مكشوفة، وتكوينات لا تتكرر، نباتات لا تُقدَّر بجمالها الفوري فقط، بل بقدرتها على التطوّر مع الزمن، والتحوّل إلى رفيق طويل الأمد داخل المكان.

كسر القوالب التقليدية

ولا يتوقف هذا التفكير عند حدود النبات نفسه، بل يمتد إلى الوعاء الذي يحتضنه، فالأصيص، في فلسفة موفيت، ليس عنصرًا ثانويًا، بل جزء من العمل الفني، لذلك يتعمّد كسر القوالب التقليدية، ويجرّب أوعية متطرفة في الشكل والحجم والخامة، من الطين المحروق إلى الإسمنت الليفي، ليصبح التكوين النهائي أقرب إلى منحوتة حيّة منها إلى نبات للزينة.

النباتات التي يفضّلها موفيت بعيدة كل البعد عن الأنواع الشائعة التي تتكرر في المنازل، مثل البوتس أو البيبيروميا، هي نباتات تتطلّب إعادة تدريب للعين، وصبرًا في التلقي، قبل أن يكشف جمالها غير المألوف عن نفسه.
يقول: «في البداية، كنت مثل كثيرين أشتري نباتات عادية من المتاجر الكبرى، لكن مع الوقت بدأت أنجذب إلى النباتات الغريبة، تلك التي لا تحاول إرضاءك فورًا».

هذا المنظور المتأنّي يرتبط بخلفية موفيت المهنية، فهو لم يأتِ من عالم التصميم الأكاديمي، بل من مهنة التمريض، عمل قرابة عشر سنوات ممرضًا في مركز UCLA الصحي، حيث تعلّم أن الشفاء لا يرتبط فقط بالعلاج، بل بالانتباه، والحضور، والوقت. وفي سنواته الأخيرة هناك، وجد في النباتات ملاذًا شخصيًا، ووسيلة للعناية بنفسه وسط ضغط العمل.

إلى جانب ذلك، كانت النباتات متنفسه الإبداعي. «كان لدي دائمًا شغف بالرسم والتشكيل، لكنني وجدت في النباتات مساحة أوسع للتجريب»، يقول، شيئًا فشيئًا، تحوّلت العناية بالنبات إلى ممارسة تجمع بين الفن والتأمل.

في أيام إجازته، بدأ العمل في متجر نباتات يملكه صديق، ثم جاءت جائحة كورونا عام 2020 لتشكّل نقطة تحوّل، أدرك حينها أنه يريد تغيير مساره المهني بالكامل، ومع ارتفاع تكاليف استئجار المتاجر، لجأ إلى حل مبتكر: شاحنة محمّلة بالنباتات، يجوب بها أسواق المزارعين في أحياء راقية، هناك، التقى بجمهور لم يكن ليصل إليه في متجر تقليدي، من هواة التصميم إلى مشاهير يبحثون عن قطع نباتية فريدة.

تصميم المساحات النباتية وصيانتها في المنازل والفنادق

بعد عامين ونصف، انتقل المشروع إلى مقر دائم: ورشة قديمة لإصلاح السيارات، تحوّلت إلى استوديو نابض بالحياة يضم فريقًا من 13 موظفًا، إضافة إلى سلحفاة إفريقية تُدعى «ويلي»، أصبحت رمزًا للمكان، المعرض مفتوح بالحجز المسبق، بينما يشكّل تصميم المساحات النباتية وصيانتها في المنازل والفنادق ومقارّ الشركات الجزء الأكبر من العمل.

يقول موفيت: «ما نفعله هو إعادة ربط الناس بالطبيعة، لكن ليس بطريقة رومانسية سطحية، بل من خلال التصميم، والانتباه للتفاصيل، وبناء علاقة مستمرة مع النبات».

في قلب هذه الفلسفة، تأتي النباتات ذات القواعد المتضخمة، المعروفة بالـCaudiciform هذه النباتات، التي وصفها موفيت مازحًا بأنها «نباتات دكتور سيوس»، تمتلك سيقانًا سفلية منتفخة تعمل كمستودعات للماء. تعرّف عليها لأول مرة في حدائق هنتنغتون النباتية، وأدرك أنها تمثّل نموذجًا مثاليًا لفكرته.

تشمل هذه المجموعة شجرة «فرشاة الحلاقة» من الكاريبي وأمريكا الوسطى، وشجرة الزجاجة من أستراليا، والباوباب الإفريقي، في بيئاتها الأصلية، تعيش هذه النباتات تحت وطأة مواسم جفاف طويلة، فتطوّر آليات بقاء تعتمد على التخزين والتقشّف، تسقط أوراقها، وتدخل في سبات، منتظرة عودة المطر.

عندما تُزرع في أوعية، وتُقَلَّم جذورها ونموّها العلوي، تتحوّل إلى ما يشبه البونساي الطبيعي، يضعها موفيت في أوعية ضحلة قد تبقى لعقود دون تغيير، تربة خفيفة سريعة التصريف، ضوء ساطع، وريّ محسوب: أسبوعي في الصيف، ومحدود للغاية خلال فترة السكون من أواخر الخريف إلى منتصف الربيع.

ومع مرور السنوات، لا تذبل هذه النباتات، بل تزداد هيبة وجمالًا، تمامًا مثل «ويلي» سلحفاة السولكاتا الإفريقية التي يتوقع أن تعيش قرنًا كاملًا. ليست المصادفة وحدها ما جمع بينهما، بل الإيمان بقيمة الزمن والبُطء.

في صالة العرض، تبرز أيضًا كتل كروية ضخمة من نبات Deuterocohnia brevifolia، وهو نوع أرضي من البروميليا يعود موطنه إلى الأرجنتين وبوليفيا.

يبدأ كنبات منخفض، ثم يتراكم على نفسه عبر عقود، ليصنع شكلًا شبه معماري دون أي دعائم.

يعامل موفيت الجذور بوصفها عنصرًا بصريًا أساسيًا، في نباتات مثل التين الصخري، يقوم برفع الجذور وتدريبها على الالتفاف حول الصخور، مستخدمًا تقنيات مستوحاة من فن البونساي، مع إضافات معاصرة مثل المواد اللاصقة المرنة وطحلب السفاغنوم. كل تجربة فريدة، وكل فشل محتمل جزء من عملية التعلّم.

مع كل موسم، تتعمّق العلاقة بين الإنسان والنبات، هنا، لا يعود النبات قطعة صامتة في زاوية الغرفة، بل عنصرًا يعرّف المكان، ويثبّت المزاج، وربما يحكي قصة، «يمكن للنبات أن يكون معماريًا، أو نَحتيًا، أو عاطفيًا»، يقول موفيت.

ويختتم مستعيدًا تجربته في التمريض: «رأيت كيف يأتي الشفاء من الاهتمام الحقيقي، النباتات علّمتني الدرس نفسه، لكن بلغة أهدأ. إنها تدعوك إلى التمهّل، والانتباه، والرعاية، وهذا، في حد ذاته، نوع من الدواء الصامت».

مقالات ذات صلة

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المستقبل الاخضر

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading