تعد حشرات نمل الفرعون الغازية (Monomorium pharaonis) من أصغر أنواع النمل، حيث لا يتجاوز طول العامل منها سدس عشر البوصة (1.6 ملم)، إلا أن حجمها الصغير يخفي قدرات هائلة على الانتشار والتأثير.
يمكن لهذه الحشرات التسلل عبر أصغر الشقوق والفجوات في المباني، لتغزو خزائن الطعام، مفاتيح الإضاءة، وحتى المعدات الطبية الحساسة في المستشفيات، محولةً المباني إلى شبكات معقدة من الأعشاش المترابطة.
أشرف على دراسة هذا النوع ج. سي. نيكيرسون، عالم الحشرات في قسم الزراعة والخدمات الاستهلاكية بفلوريدا، حيث ركز بحثه على الأنماط الغريبة لانتشار هذه الحشرات في البيئات الحضرية.
كشف نيكيرسون وفريقه من خلال جمع وتحليل أكثر من 1,200 سجل لمواقع انتشار نمل الفرعون حول العالم، أن هذه المستعمرات يمكن أن تمتد من الطوابق السفلية إلى الأعلى باستخدام أنابيب المياه، الأسلاك الكهربائية، والجدران المشتركة، وهو ما يجعل السيطرة عليها معقدة للغاية.
تعدد الملكات
تتميز مستعمرات نمل الفرعون بتعدد الملكات، ما يعني وجود عدة ملكات تضع البيض داخل نفس المستعمرة، ويتيح ذلك استمرار إنتاج البيض حتى بعد فقدان بعض الملكات بسبب محاولات المكافحة.
كما تعتمد المستعمرات على عملية “التبرعم”، حيث ينقسم جزء من المستعمرة ليؤسس عشًا جديدًا، مصحوبًا ببعض العمال واليرقات وأحيانًا ملكة، ما يساهم في توسع شبكة الأعشاش داخل المبنى بشكل سريع ومنظم.
يتبع العمال مسارات عطرية غير مرئية، تُعرف بالفيرمونات، تسمح لهم بالتواصل بين الأعشاش المنفصلة، ما يحول المبنى كله إلى مستعمرة مترابطة تعمل ككيان واحد، هذا السلوك يجعل نمل الفرعون أحد أكثر الآفات المنزلية والمستشفوية تعقيدًا في السيطرة عليها، خاصة في المستشفيات حيث يمكن لهذه الحشرات الوصول إلى المعدات الطبية المعقمة، مثل الضمادات، خطوط الـIV، وحتى أدوات الجراحة الدقيقة.
قادر على حمل ونقل مسببات الأمراض
تشير الدراسات المخبرية إلى أن نمل الفرعون قادر على حمل ونقل مسببات الأمراض مثل Salmonella وStaphylococcus وStreptococcus على سطح أجسامهم، مما يزيد المخاطر الصحية على المرضى، خصوصًا أولئك الذين يعانون من ضعف المناعة.
وقد وثقت دراسة نشرتها Lancet حالات نقل البكتيريا بين المرضى بواسطة هذه الحشرات الصغيرة، مؤكدين خطورة انتشارها في البيئات الحساسة.
استخدام الطعوم غير الطاردة بعناية
مواجهة نمل الفرعون تتطلب صبرًا وخبرة، إذ أن المبيدات التقليدية قد تزيد المشكلة سوءًا. التعرض للمستعمرة يؤدي إلى تفتت المستعمرات وتكوين أعشاش جديدة بعيدة، بينما أثبتت الدراسات فعالية الطعوم الغذائية المحتوية على منظمات نمو الحشرات مثل pyriproxyfen، حيث تُستخدم الطعوم لتسميم المستعمرة تدريجيًا، ما يضمن القضاء على جميع الأفراد واليرقات دون تشتيت المستعمرة.
اليوم، تركز استراتيجيات المكافحة الحديثة على استخدام الطعوم غير الطاردة بعناية، وتحديد مسارات التحرك داخل المبنى بالكامل، مع ضرورة التعاون بين جميع الطوابق والأجنحة المتصلة لضمان القضاء على المستعمرات بالكامل.
على الرغم من صعوبة المعركة، إلا أن التوجه العلمي المدروس يقدم حلولًا فعالة، ويؤكد أن النجاح يعتمد على استهداف المستعمرات بشكل كامل وببطء ممنهج، بعيدًا عن الحلول السريعة التي غالبًا ما تكون مضرة.
