د.محمد الصوفي :الضبعة النووية.. حجر الزاوية في أمن الطاقة والتنمية المستدامة في مصر
خبير دولي في البصمة الكربونية والتنمية المستدامة
وقّعت مصر مؤخرًا أمر شراء الوقود النووي لمحطة الضبعة النووية، إلى جانب توقيع اتفاقية البرنامج الشامل للتعاون مع المؤسسة الحكومية الروسية للطاقة الذرية «روساتوم». وتأتي هذه الخطوة الاستراتيجية ضمن مسار استكمال مشروع محطة الضبعة النووية، بما يعزز مكانة مصر في مجال الطاقة النووية السلمية، ويدعم خطط الدولة للتحول في قطاع الطاقة وتحقيق التنمية المستدامة.
يتزامن التوقيع، الذي جرى في مقر محطة الضبعة النووية، مع فعالية تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى، فضلًا عن احتفال الدولة المصرية بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي تنظمه مصر في 19 نوفمبر من كل عام إحياءً لذكرى توقيع الاتفاقية الحكومية بين مصر وروسيا لبناء وتشغيل محطة الضبعة النووية، وهو يوم رمزي لانطلاق البرنامج النووي السلمي المصري.
وشهدت الفعالية التوقيع الرسمي على أمر توريد الوقود النووي للقلب الأول للمفاعل بالوحدة الأولى، وهو إجراء رئيسي يؤكد جاهزية المشروع للانتقال إلى المراحل التالية من التنفيذ. وتمثل هذه الخطوات مجتمعة إحدى العلامات الفنية البارزة في مسار تنفيذ مفاعلات الجيل «3+»، بما يعكس تقدّم العمل وفق أعلى معايير الجودة والأمان النووي.
ولا يُنظر إلى البرنامج الشامل كاتفاق تقني ثنائي فحسب، بل كخطة تحول كبرى تدعم ملف التنمية المستدامة بأبعاده الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والمؤسسية.
شراكة تتجاوز حدود بناء المفاعلات
يعتقد البعض أن دور «روساتوم» يقتصر على تصميم المفاعلات وتنفيذ الأعمال الهندسية، إلا أن التعاون يشمل مسارات أوسع، من بينها: تدريب وتأهيل الكوادر المصرية في التكنولوجيا النووية، تطوير بنى علمية وبحثية متقدمة، إدماج الشركات المحلية في سلاسل الإمداد النووية، ونقل الخبرات في التشغيل والصيانة وإدارة النفايات النووية. وهذا يجعل البرنامج منظومة نووية متكاملة تُرسّخ قاعدة علمية وصناعية وطنية طويلة المدى.
دعم مباشر لأمن الطاقة وتنويع المصادر
لا تنمية من دون طاقة، ولا مستقبل مستدام من دون مصادر موثوقة منخفضة الانبعاثات. ومن خلال التعاون مع «روساتوم»، تحصل مصر على تكنولوجيا نووية من الجيل الثالث تعدّ من الأكثر أمانًا عالميًا، وتوفر مصدرًا مستقرًا للطاقة قادرًا على العمل لعقود دون انقطاع، مع تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتقلبات أسعاره. وهكذا يتحول البرنامج إلى ركيزة أساسية لتحقيق أمن الطاقة ودعم خطط التوسع الصناعي والعمراني.
أثر بيئي إيجابي… وحلول لمواجهة التغير المناخي
يسهم التعاون النووي في تعزيز قدرة مصر على خفض الانبعاثات عبر إنتاج كهرباء منخفضة الكربون، ودمج الطاقة النووية مع الطاقة المتجددة لضمان مزيج طاقة نظيف، وتقليل الضغط على الغاز الطبيعي لتوجيهه نحو صناعات استراتيجية أو التصدير. وهو ما يدعم انتقال مصر نحو اقتصاد أخضر، خصوصًا بعد دورها البارز خلال قمة المناخ COP27.
استثمار في العنصر البشري
يُعد تأهيل الكفاءات المصرية أحد أهم محاور التعاون، من خلال برامج تدريب طويلة الأمد في التشغيل والصيانة والرقابة النووية، ومنح تعليمية للمهندسين والباحثين، وبرامج مشتركة للبحث العلمي. وتمثل هذه الاستثمارات في البشر ضمانًا لاستدامة المشروع وتحويل مصر إلى دولة منتجة للمعرفة النووية.
تمكين الصناعة وزيادة المحتوى المحلي
تشترط الاتفاقات مع «روساتوم» مشاركة الشركات المصرية بنسب متزايدة في مراحل التنفيذ، مما يسهم في رفع كفاءة الصناعات المحلية، وفتح أسواق جديدة في سلاسل التوريد النووية، وخلق وظائف ذات مهارات عالية، الأمر الذي يعزز قدرة الاقتصاد على خلق قيمة مضافة حقيقية.
ولا يتوقف أثر التعاون النووي عند قطاع الطاقة، بل يمتد ليشمل تنمية الساحل الشمالي الغربي، وتحسين البنية التحتية والطرق والخدمات، وخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة.
إن البرنامج الشامل للتعاون مع «روساتوم» ليس مشروع بنية تحتية تقليديًا، بل صفقة استراتيجية تضع مصر بين الدول التي تمتلك منظومة نووية حديثة، وتدعم رؤيتها للتنمية المستدامة على مدى نصف القرن المقبل. إنه استثمار في المستقبل… في الإنسان، وفي التكنولوجيا، وفي البيئة، وفي أمن الطاقة، وفي قوة الدولة.





