كشفت دراسة علمية حديثة أجرتها جامعة ديوك الأمريكية عن وجود مواد كيميائية مثبطة للاشتعال قد تكون خطرة على الصحة داخل بعض بدلات الحماية التي يرتديها رجال الإطفاء أثناء أداء عملهم، ما يفتح بابًا جديدًا للقلق بشأن سلامة معدات يفترض أنها صُممت بالأساس لحماية الأرواح.
الدراسة، التي نُشرت في دورية Environmental Science & Technology Letters، تُعد الأولى من نوعها في الولايات المتحدة التي توثق بشكل مباشر استخدام مركبات تُعرف باسم «مثبطات اللهب البرومية» داخل ملابس الإطفاء الواقية، المعروفة باسم “turnout gear”.
وتشير النتائج إلى أن هذه المواد قد تشكل مصدر تعرض كيميائي إضافي لرجال الإطفاء، إلى جانب الأخطار المعروفة المرتبطة بالدخان والحرائق.
كيف تُصنّع بدلات الإطفاء؟
يرتدي رجال الإطفاء العاملون في البيئات العمرانية بدلات حماية مكوّنة من ثلاث طبقات رئيسية:
– طبقة خارجية مقاومة للهب.
– طبقة وسطى تُعرف بـ«حاجز الرطوبة»، تمنع تسرب السوائل والجراثيم مع السماح بتهوية الجسم.
– طبقة داخلية تهدف إلى تقليل الإجهاد الحراري ومنع ارتفاع حرارة الجسم.
وتعتمد هذه الخصائص الوقائية، جزئيًا، على معالجات كيميائية تضاف إلى الأقمشة أثناء التصنيع، بما يتوافق مع المعايير الصارمة التي تضعها الرابطة الوطنية للحماية من الحرائق في الولايات المتحدة.
من PFAS إلى بدائل مثيرة للقلق
خلال السنوات الأخيرة، تصاعدت مخاوف رجال الإطفاء والعلماء على حد سواء من استخدام مواد «PFAS» في بدلات الحماية، وهي مركبات تمنح الأقمشة مقاومة للماء والزيوت وأحيانًا للهب.
وقد ربطت دراسات بشرية وحيوانية عديدة هذه المواد باضطرابات صحية خطيرة، من بينها بعض أنواع السرطان.
ورغم عدم وجود دليل مباشر حتى الآن يربط بين استخدام بدلات الإطفاء المعالجة بـPFAS ، وظهور أمراض لدى رجال الإطفاء، بدأت الشركات المصنّعة في تقليص استخدامها، كما أقرت عدة ولايات أمريكية تشريعات تحظر شراء بدلات معالجة بهذه المواد اعتبارًا من عام 2027.
لكن هذا التحول فتح تساؤلًا أكثر تعقيدًا: ما البدائل التي لجأ إليها المصنعون؟
الاشتباه في مثبطات اللهب البرومية
تقول الباحثة الرئيسية في الدراسة، البروفيسورة هيذر ستابلتون، إن شائعات ترددت داخل أوساط رجال الإطفاء عن استخدام مثبطات لهب برومية في البدلات التي يُعلن عنها باعتبارها “خالية من PFAS”.
وبسبب السمية المعروفة لبعض هذه المركبات، قررت ستابلتون اختبار عينة من هذه المعدات.
وأظهرت النتائج الأولية وجود هذه المواد بالفعل، ما دفع الفريق البحثي، بالتعاون مع جامعة ولاية كارولاينا الشمالية والاتحاد الدولي لرجال الإطفاء، إلى تنفيذ دراسة موسعة لتحليل معدات مصنّعة بين عامي 2013 و2024.
نتائج مقلقة
قام الباحثون بفحص 12 مجموعة من بدلات الإطفاء، مستخدمين تقنيات تحليل متقدمة لتحديد كل من الكميات الكلية للمواد الكيميائية، وكذلك الكميات «القابلة للاستخلاص» التي يمكن أن تنتقل إلى جسم الإنسان عبر الجلد أو الاستنشاق.
وأظهرت النتائج أن:
– جميع البدلات المصنعة بين 2013 و2020 احتوت على مواد PFAS.
– البدلات المصنعة في 2024 احتوت على مستويات ضئيلة جدًا أو غير قابلة للكشف من PFAS، ما يؤكد صحة ادعاءات الشركات.
– في المقابل، احتوت جميع البدلات – بما فيها الحديثة – على مثبطات لهب برومية، وبمستويات قابلة للاستخلاص أعلى عمومًا من PFAS.
وكانت أعلى تركيزات هذه المواد موجودة في الطبقة الوسطى (حاجز الرطوبة) في البدلات التي سُوّقت باعتبارها خالية من PFAS، ما يشير إلى إضافتها عمدًا لتعويض غياب مركبات سابقة كانت تساعد على اجتياز اختبارات مقاومة الاشتعال.
مادة مثيرة للقلق
أكثر المواد التي تم رصدها كانت مركبًا يُعرف باسم decabromodiphenyl ethane (DBDPE)، وهو مركب يتمتع بخصائص قريبة من مادة سامة أخرى جرى التخلص منها عالميًا بسبب مخاطرها الصحية.
ورغم محدودية الدراسات حول تأثير هذه المادة داخل الولايات المتحدة، تشير أبحاث أُجريت في الصين إلى ارتباطها باضطرابات في هرمونات الغدة الدرقية وعلامات مرضية محتملة.
بين الحماية والكلفة الصحية
يشدد الباحثون على أن مستويات التعرض الفعلية وتأثيراتها الصحية طويلة الأمد ما تزال غير محسومة، إلا أن النتائج تمنح إدارات الإطفاء معلومات حاسمة عند اتخاذ قرارات تتعلق بالاحتفاظ بالمعدات أو استبدالها، خاصة أن تكلفة البدلة الواحدة قد تصل إلى آلاف الدولارات، وتُستخدم لسنوات طويلة.
وفي هذا السياق، يدعو الباحثون إلى مزيد من الشفافية من جانب الشركات المصنّعة بشأن المعالجات الكيميائية المستخدمة، مؤكدين أن رجال الإطفاء، الذين يتعرضون بالفعل لمزيج معقد من الملوثات أثناء أداء واجبهم، لا ينبغي أن يتحملوا مخاطر إضافية مصدرها معدات الحماية نفسها.
