الإفراط في استخدام الأطفال للشاشات يؤدي لتغيرات في الدماغ تؤثر على الانتباه

الزمن غير الطبيعي لتعرض الأطفال للشاشات يترك بصمة على نمو التركيز وأعراض شبيهة بفرط الحركة

هل تمثل الساعات الطويلة التي يقضيها الأطفال أمام الهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية ومنصات البث عادة غير ضارة، أم أنها تترافق مع تغيّرات في أدمغتهم النامية؟ تشير دراسة أمريكية واسعة وطويلة الأمد إلى الاحتمال الثاني.

فقد تابعت الدراسة، التي شملت قرابة 10 آلاف طفل تتراوح أعمارهم بين 9 و12 عامًا، العلاقة بين وقت استخدام الشاشات والتغيرات في بنية الدماغ على مدار عامين.

ووجد الباحثون أن الاستخدام المكثف للشاشات ارتبط بفروق قابلة للقياس في بنية الدماغ، خاصة في المناطق المسؤولة عن الانتباه والذاكرة العاملة وضبط الاندفاع.

وقد نُشرت الدراسة في دورية «Translational Psychiatry»، وأظهرت النتائج كذلك زيادة طفيفة لكنها ذات دلالة إحصائية في أعراض شبيهة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى الأطفال الأكثر استخدامًا للشاشات.

واعتمد الباحثون على بيانات دراسة «التطور المعرفي للدماغ لدى المراهقين» (ABCD)، وهي أكبر دراسة مستمرة من نوعها في الولايات المتحدة.

ففي بداية الدراسة خضع 10,116 طفلًا لفحوصات تصوير بالرنين المغناطيسي عالية الدقة وتقييمات تفصيلية لنمط الحياة، بينما عاد 7,880 طفلًا لإجراء فحوصات متابعة بعد عامين.

ارتباط الأطفال بشاشات التلفزيون والموبيل

أعراض فرط الحركة ونقص الانتباه

وقيّم الآباء أعراض فرط الحركة ونقص الانتباه باستخدام «قائمة سلوك الطفل»، فيما شمل قياس وقت الشاشة التلفزيون وألعاب الفيديو والهواتف الذكية، مع احتساب المتوسط بين أيام الأسبوع وعطلات نهاية الأسبوع.

وحرص التحليل الإحصائي على ضبط مجموعة واسعة من العوامل المحتملة المؤثرة، مثل العمر والجنس والعرق ودخل الأسرة وتعليم الوالدين وعدد ساعات النوم ومستوى النشاط البدني. ورغم أن ذلك لا يثبت علاقة سببية مباشرة، فإنه يعزز من قوة الارتباط المرصود.

وبعد عامين، تنبأ ارتفاع وقت الشاشة في بداية الدراسة بترقق القشرة الدماغية في ثلاث مناطق محددة: القطب الصدغي الأيمن المرتبط بالإدراك الاجتماعي واللغة، والتلفيف الجبهي العلوي الأيسر المسؤول عن الذاكرة العاملة والتحكم في الانتباه، والتلفيف الجبهي الأوسط الأمامي الأيسر المرتبط بالمرونة المعرفية واتخاذ القرار. وهي مناطق غالبًا ما تختلف وظيفيًا لدى الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.

ارتباط الأطفال بشاشات التلفزيون والموبيل

انخفاض الحجم الكلي للقشرة الدماغية

كما ارتبط الاستخدام المكثف للشاشات بانخفاض الحجم الكلي للقشرة الدماغية، أي المادة الرمادية في الطبقة الخارجية للدماغ، إضافة إلى صِغر حجم «البوتامين» الأيمن، وهو جزء محوري في دائرة المكافأة الدماغية، ويرتبط بتفضيل الإشباع الفوري والسلوك الاندفاعي.

سلوكيًا، سارت النتائج في الاتجاه نفسه، إذ أظهر الأطفال الأكثر استخدامًا للشاشات في بداية الدراسة أعراضًا أعلى لفرط الحركة ونقص الانتباه بعد عامين، حتى بعد أخذ مستوى الأعراض الأولي في الاعتبار. ورغم أن حجم التأثير كان محدودًا على مستوى الفرد، فإنه يكتسب أهمية على مستوى الصحة العامة.

ويؤكد الباحثون أن الدراسة رصدية ولا تثبت أن الشاشات هي السبب المباشر لهذه التغيرات، إذ قد يكون الأطفال الذين يعانون بالفعل من صعوبات الانتباه أكثر ميلًا لاستخدام الشاشات.

كما أن بيانات وقت الشاشة اعتمدت على تقارير ذاتية، ولم تميز بين أنواع المحتوى المختلفة.

ورغم ذلك، يشير الباحثون إلى أن مرحلة الطفولة المتأخرة والمراهقة تمثل نافذة حاسمة لتشكل الدماغ، حيث تلعب الخبرات اليومية دورًا مهمًا في إعادة تنظيم الدوائر العصبية.

وعليه، فإن الارتباط المستمر بين وقت الشاشة وتغير مسارات نمو مناطق الانتباه قد يحمل دلالات واسعة النطاق.

وتخلص الدراسة إلى أن النتائج لا تعني حتمية التأثير، لكنها تمثل «إشارة تنبيه» تستدعي الانتباه في عالم أصبحت فيه الشاشات جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية.

Exit mobile version