كشفت أبحاث علمية حديثة أن حشرات صغيرة تبدو غير ضارة، وتنتشر بكثافة في التحوطات والمروج الأوروبية، تلعب دورًا خطيرًا في نقل بكتيريا قاتلة قادرة على إصابة أكثر من 600 نوع من النباتات.
وأظهرت الدراسة، التي أُجريت في منطقة ساحلية بإقليم توسكانا الإيطالي، أن نوعين شائعين من حشرات “نطاطات الرغوة” قادران على نقل العدوى البكتيرية من الشجيرات المصابة إلى نباتات سليمة، ما يهدد النظم البيئية الطبيعية والمناطق الزراعية المجاورة.
لطالما اعتُبرت هذه الحشرات، التي تتغذى على عصارة النباتات، مجرد مصدر إزعاج بسيط في الحدائق، إذ تترك كتلًا رغوية لزجة على سيقان النباتات خلال فصل الربيع، غير أن نتائج البحث الجديد قلبت هذه الصورة رأسًا على عقب، بعد أن ثبت تورطها في نشر بكتيريا خطيرة عبر الغطاء النباتي المتوسطي المحيط بالبساتين وكروم العنب.
قاد الدراسة عالمة الحشرات أنيتا نينتشوني من مجلس البحوث الزراعية والاقتصادية الإيطالي (CREA) في فلورنسا، حيث ركز فريقها على ما يُعرف بـ«النواقل الحشرية»، وهي حشرات تنقل مسببات الأمراض بين النباتات أثناء تغذيتها، ما قد يؤدي إلى تغييرات واسعة النطاق في المشهد البيئي والزراعي.
وركز الباحثون على نوعين رئيسيين هما: نطاط الرغوة الشائع (Philaenus spumarius) ونوع قريب له يُعرف باسم (Neophilaenus campestris)، وهما حشرتان تنتشران على نطاق واسع في المروج والشجيرات الأوروبية، خصوصًا في المناطق المحيطة بالطرق والحقول الزراعية، ما يزيد فرص احتكاكهما بأنواع نباتية متعددة.
بكتيريا تعيش داخل الأوعية الناقلة للماء
وأثبتت الدراسة أن هذين النوعين قادران على نقل بكتيريا Xylella fastidiosa، وهي بكتيريا تعيش داخل الأوعية الناقلة للماء في النباتات، وتسبب انسدادها تدريجيًا، ما يؤدي إلى احتراق أطراف الأوراق، وموت الأفرع، وذبول النباتات بالكامل بمرور الوقت.
تمر الحشرات خلال طورها اليرقي بمرحلة حماية داخل كتل رغوية تحافظ على رطوبتها أثناء التغذية. لكن مع بلوغها، تترك هذه الكتل وتبدأ في التنقل بين النباتات الأطول، لتتحول من كائنات هامشية في البيئة إلى ناقلات محتملة للأمراض النباتية.
أجرى الفريق تجارب ميدانية في منطقة قريبة من مونتي أرجنتاريو بتوسكانا، حيث تنتشر شجيرات “النبق الإيطالي” المصابة طبيعيًا بالبكتيريا. وتم جمع حشرات بالغة من مناطق زراعية ثبت خلوها من العدوى، ثم التأكد من أنواعها وفحصها معمليًا باستخدام تقنية qPCR للكشف الجيني الدقيق عن وجود البكتيريا.
بعد ذلك، وُضعت الحشرات السليمة في أقفاص على نباتات مصابة لمدة خمسة أيام لاكتساب البكتيريا، ثم نُقلت إلى نباتات سليمة لمدة أربعة أيام إضافية. وعلى مدار الأشهر التالية، فُحصت جميع أجزاء النباتات، بما في ذلك الأوراق والأغصان والجذور.
اختلافًا في معدلات بقاء الحشرات
وأظهرت النتائج اختلافًا في معدلات بقاء الحشرات، حيث نجا نحو 91% من حشرات Philaenus spumarius مقارنة بـ57% فقط من النوع الآخر. كما اكتسب كلا النوعين البكتيريا، وإن بنسبة محدودة، بلغت 4.24% للأول و1.16% للثاني.
وقدر الباحثون أن احتمال نقل العدوى من حشرة واحدة إلى نبات سليم يبلغ 2.4% في النوع الأول، و1.4% في النوع الثاني، وهي نسب كافية لإحداث تفشيات واسعة عند وجود أعداد كبيرة من الحشرات.
وأكدت نينتشوني أن حتى معدلات الانتقال المنخفضة يمكن أن تقود إلى أوبئة خطيرة، خاصة أن البكتيريا قادرة على البقاء لسنوات داخل النباتات البرية.
وتُعد Xylella fastidiosa من أخطر مسببات الأمراض النباتية عالميًا، إذ تسببت في مرض “بيرس” الذي يهدد كروم العنب في كاليفورنيا، كما تقف وراء الانهيار الواسع لأشجار الزيتون في جنوب إيطاليا. ولهذا تُصنف كبكتيريا حجر زراعي تخضع لإجراءات صارمة في أوروبا، تشمل إزالة النباتات المصابة ومراقبة الغطاء النباتي المحيط بالمزارع والطرق.
وتبرز نتائج الدراسة أهمية الانتباه إلى الشجيرات البرية والتحوطات الطبيعية، التي قد تعمل كمخازن خفية للعدوى وتهدد الزراعة والأشجار الحضرية على حد سواء.
