ابتكار هندسي.. جسر ثلاثي الأبعاد يحاكي العظام البشرية ويزيد امتصاص ثاني أكسيد الكربون 142%

مستقبل البناء المستدام.. خرسانة 3D تمتص الكربون وتقوي الجسور بأقل مواد ممكنة

ابتكر فريق من المهندسين جسرًا مطبوعًا ثلاثي الأبعاد يُحاكي بنية العظام البشرية، قادرًا على امتصاص كميات أكبر من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالخرسانة التقليدية.

الجسر الذي يبلغ طوله 10 أمتار تقريبًا، تم تصميمه باستخدام أسطح دقيقة متكررة ثلاثية الاتجاهات (Triply Periodic Minimal Surfaces)، مما يقلل كمية الخرسانة المطلوبة بنسبة تصل إلى 60% مع الحفاظ على القوة الإنشائية المطلوبة.

يتم عرض النموذج الأولي للجسر حاليًا في معرض معماري بمدينة البندقية، فيما يستعد الفريق لتطبيق التصميم على نطاق كامل في فرنسا.

الخرسانة المستوحاة من العظام

قاد هذا المشروع البحثي البروفيسور شو يانج، أستاذ الهندسة وعلوم التطبيقات بجامعة بنسلفانيا، والتي تتمحور أبحاثها حول المواد التفاعلية التي تتكيف مع الضوء أو الحرارة أو الضغط.

الخرسانة هي ثاني أكثر المواد استخدامًا على كوكب الأرض بعد الماء، ويُنتج تصنيع الأسمنت، مكونها الأساسي، نحو 7–8% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية.

تصنيع الأسمنت يتطلب تسخين الحجر الجيري والمعادن الأخرى إلى أكثر من 1400 درجة مئوية، ما يؤدي إلى انبعاث ثاني أكسيد الكربون من التفاعلات الكيميائية واحتراق الوقود الأحفوري اللازم للوصول إلى هذه الحرارة.

وعلى الرغم من خفض المصانع لانبعاثاتها لكل طن من الأسمنت بنسبة 25% منذ عام 1990، إلا أن الطلب المتزايد على المباني والبنية التحتية يحافظ على مستويات الانبعاثات مرتفعة.

جسر ثلاثي الأبعاد يحاكي العظام البشرية

كيف تحاكي الخرسانة العظام البشرية

تتميز العظام البشرية بتركيبها غير الصلب بالكامل، حيث تجمع بين القشرة الخارجية الكثيفة والهيكل الداخلي الإسفنجي الذي يوزع القوى بشكل فعال.

استلهم فريق البحث هذه الفكرة لتصميم الجسر، بحيث تُشكل الأسطح المتكررة قنوات مستمرة تزيد من مساحة التماس مع الهواء والماء، مما يعزز امتصاص ثاني أكسيد الكربون بنسبة تقارب 30% مقارنة بالخرسانة الصلبة التقليدية.

كما يضمن استخدام طريقة الإحصاء البياني (Graphic Statics) تتبع تدفق القوى عبر الجسر، مما يسمح بتجنب نقاط الضعف ويضمن قدرة الأجزاء الرقيقة على حمل الأحمال بأمان حتى مع وجود تجاويف أو أسطح منحنية حادة.

جسر ثلاثي الأبعاد يحاكي العظام البشرية

الخرسانة تتنفس

تم مزج الخرسانة التقليدية مع أرض الدياتومات، وهي مسحوق مستخلص من قشور كائنات مجهرية بحرية متحجرة، حيث تحتوي هذه القشور على مسام دقيقة تتيح وصول الهواء أو الماء الغني بثاني أكسيد الكربون بسرعة إلى الخرسانة، لتفاعل المعادن وامتصاص الكربون بشكل أكثر كفاءة.

أظهرت التجارب امتصاص نحو 489 غرامًا من CO2 لكل كيلوجرام من الأسمنت خلال أسبوع، أي نحو ضعفي المعدل المعتاد.
البروفيسور يانج أوضحت: “عادةً، زيادة المسامية أو مساحة السطح تقلل القوة، لكن هنا حدث العكس، إذ زادت القوة مع مرور الوقت.”

من المختبر إلى الواقع

قبل الشروع في بناء الجسر الكامل، بدأ الفريق بطباعة كتل صغيرة للتأكد من قدرتها على تحمل الضغوط دون فقدان خصائصها الانشائية، بعد نجاح التجارب، تم بناء جسر اختبار طوله حوالي 5 أمتار، ثم نسخة أكبر خضعت لاختبارات الأحمال الكاملة بنجاح.

يتم طباعة الجسر على شكل مقاطع بواسطة ذراع روبوتية، ثم تجميعه باستخدام كابلات فولاذية مشدودة بعد تصلب الخرسانة، مما يسهل النقل وإعادة الاستخدام بدلاً من الهدم التقليدي.

جسر ثلاثي الأبعاد يحاكي العظام البشرية

تطبيقات مستقبلية

نظرًا لتصميم الجسر المكون من وحدات متكررة، يمكن تطبيق نفس التقنية في بناء أرضيات، أسقف، أو واجهات مبانٍ، حيث تُصنع الأجزاء مسبقًا في المصانع وتُركب في الموقع، مما يقلل الهدر ويعجل عمليات البناء.

ومع ذلك، تظل مواد مثل أرض الدياتومات محدودة جغرافيًا، ويجب استخدامها بشكل مسؤول لتقليل التأثير البيئي لنقلها أو استخراجها.

رؤية مستقبلية

المشروع لا يحل المشكلة العالمية للخرسانة بشكل كامل، لكنه يوضح كيف يمكن للهندسة والمواد الذكية مع التصنيع الرقمي أن تساهم في بناء بنية تحتية مستدامة، تقلل الانبعاثات، وتدمج وظيفة امتصاص الكربون مباشرة في المباني والجسور.

في عالم يحتاج لمزيد من البنية التحتية وخفض الانبعاثات بشكل عاجل، يمكن أن تصبح الخرسانة مادة نشطة بيئيًا تشكل مستقبل المدن الخضراء.

جسر ثلاثي الأبعاد يحاكي العظام البشرية
Exit mobile version