هل يؤدي الاقتصاد الأخضر إلى ارتفاع معدل التضخم؟!
التضخم الأخضر الناتج عن التحول للمصادر الطاقة النظيفة واقع ملموس ومستمر وليس مؤقتا وقد يصبح الأمر أسوأ..

كتب مصطفى شعبان
ظلت التنمية المستدامة الهدف الرئيسي للمجتمع الدولي منذ مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في عام 1992، ومن بين التزامات عديدة، دعا المؤتمر الحكومات إلى وضع استراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة، تتضمن تدابير السياسات العامة المبينة في إعلان “ريو” وجدول أعمال القرن الـ 21، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها حكومات عديدة في جميع أنحاء العالم لتنفيذ هذه الاستراتيجيات، والتعاون الدولي لدعم الحكومات الوطنية، لا تزال هناك مخاوف بشأن التطورات الاقتصادية والبيئية العالمية في العديد من البلدان.
وقد زادت من حدة هذه المخاوف الأزمات العالمية الأخيرة الطويلة الأمد في مجالات الطاقة والغذاء والمالية، وأبرزتها التحذيرات المستمرة من العلماء على الصعيد العالمي بأن المجتمع يتجاوز عدداً من حدود تحمل الكوكب أو الحدود الإيكولوجية.
ومع سعي الحكومات إلى إيجاد سبل فعالة لإخراج بلدانها من هذه الأزمات ذات الصلة مع مراعاة هذه الحدود الكوكبية أيضاً، فقد اقتُرح الاقتصاد الأخضر (بأشكاله المختلفة) كوسيلة لتحفيز تجديد تطوير السياسات الوطنية والتعاون الدولي ودعم التنمية المستدامة.
وقد حظي هذا المفهوم باهتمام دولي كبير على مدى السنوات القليلة الماضية كأداة لمعالجة الأزمة المالية في عام 2008، فضلا عن كونه أحد موضوعي مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2012 (ريو+20).
ما هو الاقتصاد الأخضر؟
يصف برنامج الأمم المتحدة للبيئة “الاقتصاد الأخضر” على أنه: “هو نوع من الاقتصاد يؤدي من خلال استدامة معايشته إلى الحد من المخاطر البيئية الموجودة بالفعل والمتوقع وقوعها، وعلى مستوى التنمية الدولية يمكن تعريفه بأنه اقتصاد موجه نحو زيادة نمو الفرد وزيادة رفاهيته من خلال التزام الجميع سواء القطاع العام أو الخاص بالعمل على استثمار الموارد بالطريقة التي من شأنها تقليل الانبعاثات الكربونية والتلوث، ومنع تدهور النظام الإيكولوجي وفقدان التنوع الأحيائي.
كما يعرف الاقتصاد الأخضر، بأنه هو أحد الأدوات التي يمكن استغلالها لتحقيق التنمية المستدامة التي تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة، وفي الوقت نفسه إذا تم العمل عليه بالصورة الصحيحة فسوف تتزايد نسبة الطلب على الخدمات والسلع الخضراء والابتكارات والاختراعات المختلفة في مجال التكنولوجيا، ما يضمن أن تكون الأسعار ملائمة مع تصحيح سياسات الضرائب على المنتجات.
هل يؤدي الاقتصاد الأخضر إلى ارتفاع التضخم؟
في الوقت الذي يقول فيه أنصار التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة، إن التحول إلى “الطاقة الخضراء” مطلوب لمواجهة ظاهرة التغير المناخي وسيفيد الأسر والشركات من خلال انخفاض أسعار الطاقة طرحت إيزابيل شنابل العضو المؤثر في المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي في يناير 2022، منظورا مختلفا للتحول إلى الاقتصاد الأخضر باعتباره أمرا مطلوبا لكن من المحتمل أن يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم، وبحسب “إيزابيل شنابل” خبيرة الاقتصاد الألمانية فإن التضخم الأخضر الناتج عن التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة واقع ملموس ومستمر وليس مؤقتا وقد يصبح الأمر أسوأ.
وقالت خلال مشاركتها في اجتماع عبر الإنترنت للمركزي الأوروبي، إن البنك سيكون مطالبا بالتعامل مع هذا التضخم، وإنه في حين كانت أسعار الطاقة تتراجع بنفس سرعة ارتفاعها فإن تكثيف جهود مكافحة التغير المناخي قد يعني ليس فقط بقاء أسعار الوقود الأحفوري مرتفعة وإنما أيضا العمل إلى ارتفاعها بصورة أكبر إذا ما أردنا تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ.
من جهة أخرى، قال “خافيير بلاس” المحلل الاقتصادي المتخصص في متابعة أسواق الطاقة والمواد الخام في تحليل نشرته “بلومبيرج” إن تصريحات إيزابيل شنابل تشير إلى إعادة تفكير صناع السياسات النقدية في العالم بشأن الانتقال إلى الطاقة النظيفة، وهذا التحول في التغيير بدأ يظهر في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لكنه لم يصل حتى الآن إلى أوروبا.
وأضاف “خافيير بلاس”:” موجة التضخم المرتبطة بالتحول إلى الاقتصاد الأخضر ستفتح الباب أمام نوع من الشماتة من جانب الكثيرين من العاملين في قطاع الطاقة والذين سيقولون “لقد قلنا لكم” في إشارة إلى تحذيرات أنصار الوقود الأحفوري من ارتفاع أسعار الطاقة إذا تراجعت الاستثمارات في مجال التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي واستخراجهما بسبب الدعاوى البيئية. فتراجع إمدادات الوقود الأحفوري دون العمل على تقليل الطلب لن يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة وهي ارتفاع الأسعار.”
وتقول إيزابيل شنابل، إن المصادر المتجددة لم تثبت حتى الآن قدرتها على تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، ويعني الجمع بين عدم كفاية الطاقات الإنتاجية في مجال الطاقة المتجددة وتراجع الاستثمارات في إنتاج الوقود الأحفوري وارتفاع أسعار الانبعاثات الكربونية أننا نخاطر بفترة انتقالية طويلة سترتفع خلالها أسعار الطاقة. وتعتبر أسعار الغاز الطبيعي المرتفعة حاليا دليلا على صحة هذا الرأي.
ولا تقترح إيزابيل شنابل تراجع الحكومات عن مكافحة التغير المناخي لكنها تحذر في الوقت نفسه، من أن التحول إلى الطاقة النظيفة سيكون له عواقب غير مقصودة. وحتى الآن ركز البنك المركزي الأوروبي أغلب اهتمامه على تأثيرات التغير المناخي على الاستقرار المالي بما في ذلك تأثيرات تراجع الاستثمار في أصول قطاعي النفط والغاز وليس على عواقب التحول نفسه في مجال الطاقة.
ويضف “خافيير بلاس” المؤلف المشارك لكتاب “العالم للبيع: المال والطاقة والتجار الذين يتداولون موارد الأرض” إن الارتفاع الحالي لأسعار النفط والغاز الطبيعي والكهرباء يشير إلى أن شنابل صائبة في دعوتها إلى توسيع نطاق التركيز في ملف الطاقة.