وجهات نظر

هبة محمد إمام : النينيو والنينيا والانفجار الشمسي وعلاقتهم بالتغير المناخي

خبير واستشاري بيئي، سفير بيئي   

يعتبر التغير المناخي من أكبر التحديات التي تواجه العالم حالياً، ويتمثل ذلك في تغيرات كبيرة ومستمرة في النظام البيئي على مستوى العالم، وهذا يعتبر تهديد للعديد من الأنظمة الإيكولوجية والبيئية، وبالتالي يؤثر بصورة مباشرة على صحة الإنسان ورفاهيته.

يشهد العالم ارتفاعا متزايدا فى معدل درجة الحرارة العالمية يؤثر ذلك بشكل مباشر على ارتفاع مستوى سطح البحر، وزيادة العواصف والفيضانات والجفاف وحرائق الغابات، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى زيادة المعاناة الإنسانية واللجوء والهجرة الجماعية.

يتركز الأثر الأكبر على الفئات الأشد فقراً في جميع أنحاء العالم، وسوف يتفاقم هذا التأثير على الفئات الفقيرة الأكثر في المستقبل، ولكن من المتوقع أن يؤثر التغير المناخي بصورة متساوية على كافة فئات المجتمع، مثل الدول ذات المناخ المداري والدول ذات المناخ القطبي، وذلك بسبب ارتفاع درجة الحرارة العالمية التي تعمل على توسيع التغيرات وزيادة صلابة الطقس والفيضانات والجفاف وغيرها من التحديات التي تواجه العالم.

برغم ذلك، فإن التغيرات المناخية متغيرة تحتاج إلى المزيد من الدراسة والفهم، وعلى الرغم من أن هناك بعض الخطوات الإيجابية لمواجهة التغير المناخي، مثل توقيع بعض الاتفاقيات الدولية والتحفيز للتكنولوجيا النظيفة والانتقال إلي الطاقة المتجددة، فإن تحديات متلاحقة تواجه تلك الخطوات، مما يتطلب جهوداً أكبر لتحسين مستقبل الكوكب والحفاظ على صحة ورفاهية الإنسان.

هناك العديد من الظواهر الطبيعية التي تساهم في زيادة حدة التغير المناخي، ومنها:

ظاهرة النينيو والنينيا، الانفجار الشمسي، البراكين، زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، التغيرات الطبيعية في العوامل البيولوجية، مثل زيادة عدد الحيوانات المختلفة والسكان في المناطق الحضرية والتغيرات في النظام البيئي.

فترة النينيو والنينيا هي ظاهرة مناخية تتكرر بشكل منتظم كل عدة سنوات في المحيط الهادئ، وهي تتمثل في حدوث زيادة أو انخفاض في درجة حرارة سطح المياه وتغير في تيارات المحيط الهادئ، وذلك يؤثر على حركة التيارات الهوائية في المنطقة المحيطة بالمحيط الهادئ والتي تؤثر بدورها على المناخ في مختلف أنحاء العالم.

نتيجة لعوامل مختلفة مثل الحرارة الزائدة والتغيرات في الرياح العالمية، تحدث فترة النينيو والنينيا كل 2-7 سنوات، وتشكل تحديًا لعلماء المناخ والناس في كافة أنحاء العالم، حيث إن تأثير تلك الظاهرة يمتد لمختلف العوامل الأخرى .

تؤثر فترة النينيو على الحالة الجوية العالمية والمناخ بشكل عام، حيث يتوقع أن ترتفع درجات الحرارة، وخاصة في المناطق المطلة على المحيط الهادئ، وتتسبب في مناطق شديدة الجفاف والعواصف الاستوائية في بعض المناطق. ويؤدي ذلك بدوره إلى تغيير في المناخ العالمي ومعدلات الأمطار والأحوال الجوية، مما يمكن أن يؤثر على الزراعة والأمن الغذائي والتغير المناخي العام.

وفي فترة النينيو يشهد العالم ارتفاعًا في درجات الحرارة، وتجف المزروعات في العديد من المناطق الرئيسية في العالم وتتدهور حالات الأمن الغذائي. كما تؤثر فترة النينيو على حركة المياه في المحيطات وتجعل بعض مناطق المحيط الهادئ أكثر دفئًا، وتؤثر بدورها على كثير من الأنواع البحرية، فتتغير مكونات الأحياء البحرية، وهي مفتاح لقوتنا الغذائية.

تساعد الحكومات والمؤسسات والباحثون على دراسة فترة النينيو باستخدام الأقمار الصناعية وغيرها من الأدوات التكنولوجية والعلمية، وذلك لتحديد أسبابها وتأثيراتها وتطوير استراتيجيات التعامل معها.

من المهم السعي لفهم فترة النينيو والنينيا بمزيد من التفصيل ودراسة متواصلة لها، حتى يتسنى للباحثين والعلماء وأصحاب القرارات اتخاذ الإجراءات المناسبة للتخفيف من تأثيراتها على المجتمعات والنظم البيئية والاقتصادية في المناطق المختلفة، والحد من مخاطر التغير المناخي على المدى البعيد.

ما الفرق بين النينيو والنينيا

النينيو والنينيا هما تغيران دورية تحدث في المحيط الهادئ وتؤثر على ظاهرة تسمى بتذبذب جنوب الأطلسي الجنوبي ، تختلف النينيو والنينيا فيما يلي:

– النينيو هي ظاهرة تتميز بتسخين غير عادي لمياه المحيط الهادئ في المنطقة المدارية الغربية والوسطى. يؤدي التسخين إلى تغيرات في الطقس في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الفيضانات والجفاف وانخفاض معدلات تساقط الأمطار.

– النينيا هي ظاهرة تتميز بتبريد غير عادي لمياه المحيط الهادئ في المنطقة المدارية الغربية والوسطى. يؤدي التبريد إلى تغيرات في الطقس في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الجفاف والفيضانات وارتفاع معدلات تساقط الأمطار.

بصفة عامة، يمكن القول إن النينيو تميل إلى أن تسبب ظروفًا جافة وجوًا دافئًا في الأماكن التي تعاني من الجفاف، في حين يميل النينيا إلى أن تسبب ظروفًا رطبة وجوًا باردًا في الأماكن التي تعاني من الجفاف.

ظاهرة النينيو

أثر ظاهرة النينيو والنينيا على تسريع التغير المناخي

تؤثر ظاهرتي النينيو والنينيا على التغيرات المناخية بشكل كبير، حيث تساعدان على تسريع بعض العوامل التي تؤدي إلى تغير المناخ.

على سبيل المثال، خلال ظاهرة النينيو، يزيد الانحراف القوي لتيارات المحيطات الاستوائية كميات الحرارة التي تنتقل من المحيط إلى الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي هذه الظاهرة أيضًا إلى تغيرات في نمط الأمطار، حيث يمكن أن يزداد الجفاف في بعض المناطق ويزداد غزارة الأمطار في مناطق أخرى.

على النقيض من ذلك، خلال ظاهرة النينيا، ينخفض الانحراف الحراري لتيارات المحيطات الاستوائية، مما يؤدي إلى تراجع درجات الحرارة وانخفاض درجات الحرارة السطحية في المناطق الاستوائية، كما تتغير نمط الأمطار أيضا.

وبهذه الطريقة، فإن ظاهرتي النينيو والنينيا تساهمان بشكل كبير في زيادة التغيرات المناخية في جميع أنحاء العالم، وتساعدان على تسريع هذه التغيرات.

ظاهرة النينيو
ظاهرة النينيو
ظاهرة النينيو

المصدر: WMO

كيفية الحد من ظاهرة النينيو والنينيا

لا يمكن إيقاف ظاهرتي النينيو والنينيا بشكل كامل، حيث تمثل جزءًا من النظام الطبيعي. ومع ذلك، يمكن اتخاذ بعض الإجراءات العامة التي تساهم في الحد من تأثيراتها.

1- الحد من انبعاث الغازات الدفيئة

يتمثل أحدى السبل الأبسط للحد من تأثيرات النينيو والنينيا في تقليل انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، عن طريق تقليل استهلاك الطاقة واستخدام مصادر طاقة متجددة وتشجيع التنقل المستدام، مما يقلل من الحمل على الكوكب ويقلل من ارتفاع درجات الحرارة.

2- الاستثمار في الزراعة المستدامة والممارسات الزراعية المحسنة

يمكن اتخاذ بعض الإجراءات البسيطة لتحسين إدارة المياه، مثل إحداث تحسينات في التربة والاستفادة من أنظمة الري الحديثة، بما في ذلك تقانة الري بالتنقيط والري بالرش.

3- الوقاية من التقلبات الجوية

يجب توخي الحذر في الشهور التي تسبق توقعات النينيو والنينيا وأخذ الحيطة والحذر من التقلبات الجوية الشديدة والأحوال الجوية السيئة كالفيضانات.

بصفة عامة، لا يمكن إيقاف النينيو والنينيا تمامًا، ولكن باستخدام مزيج من التدابير الوقائية والتخفيفية، يمكن للأفراد والمؤسسات والحكومات المساعدة في الحد من تأثيرات هذه الظاهرتين وتقليل تداعياتها على البيئة والاقتصاد والمجتمع.

الانفجار الشمسي

حيث يتم إطلاق أشعة من الشمس وتصطدم بالغلاف الجوي، مما يؤدي إلى زيادة التأثير الإشعاعي في الغلاف الجوي و تحدث عندما تقوم الشمس بإرسال تفجيرات هائلة من الإشعاع النووي والجسيمات المشحونة في جميع الاتجاهات باتجاه الأرض والكواكب الاخرى في المجموعة الشمسية. وهذه التفجيرات ذات الشدة العالية يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على الطقس والبيئة على سطح الأرض .

يبدأ حدوث الانفجار الشمسي عندما تنشط بعض البقع الشمسية على سطح الشمس، وهي عبارة عن مناطق معزولة ومظلمة على السطح الشمسي حيث تكون المغناطيسية هي الأقوى. عندما تنشط هذه البقع الشمسية، فإنها تحتوي على مجالات مغناطيسية قوية تؤدي إلى إطلاق تفجيرات بشكل متزايد، وتتزامن هذه الفترات مع زيادة نشاط الشمس الفعلي.

عندما يحدث الانفجار الشمسي، يتم إطلاق الإشعاع والجزيئات المشحونة نحو الأرض، حيث يتفاعل مع مجال المغناطيسي للأرض ويتسبب في زيادة الإشعاع الكوني الذي يصل إلى الأرض. ولا يؤثر هذا الإشعاع المشحون على الناس مباشرةً، إلا أنه قد يتسبب في تشويش على الإشارات الإلكترونية وخلل التواصل الإذاعي والاتصالات الأخرى، بما في ذلك انقطاع التيار الكهربائي والأجهزة الإلكترونية.

علاوة على ذلك، يمكن للانفجار الشمسي أن يؤثر على طبقة الأوزون، التي تحمي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الضارة. ويمكن للانفجار الشمسي أن يزيد درجة الحرارة في الأجواء العليا والمتوسطة، وقسم من الأشعة الكونية الزائدة القادمة من الشمس قد تضر الأجهزة الحساسة في الفضاء مثل الأقمار الصناعية ومحطات الفضاء.

لحماية أنظمة الاتصالات والكمبيوتر المعقدة، يمكن أن تشمل خطط الطوارئ الاستعداد للانفجار الشمسي لتحقيق الحماية من التداعيات السلبية التي يمكن أن يحدثها. وأيضاً، تتم مراقبة الأنشطة على سطح الشمس بعناية كبيرة من قبل مختبرات الفيزياء الفلكية في العالم بهدف تحديد أي تطور التفجيرات الشمسية.

يتطلب التغير المناخي التصدي لجميع هذه الظواهر الطبيعية المؤثر واتخاذ إجراءات مختلفة لتحقيق التغيير المناخي المستدام.

لا يمكن تحديد ظاهرة واحدة محددة هي أكثر تسرعاً في التغير المناخي، لأن التغير المناخي نتيجة لتأثير العوامل المختلفة والمتعددة. ومن المؤكد أن زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة نتيجة للأنشطة البشرية، هي واحدة من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى التغيرات المناخية السريعة.

للحد من التغير المناخي، يمكن اتخاذ العديد من الإجراءات الفعالة، ومن أهمها:

– زيادة استخدام الطاقات النظيفة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والماء.

– الحد من الانبعاثات الكربونية والغازات الدفيئة في الصناعة والنقل والزراعة.

– تحسين استخدام الموارد الطبيعية وتحفيز على الممارسات المستدامة والاستدامة في جميع الأنشطة.

– تحفيز الأفراد والمجتمعات لتبني الممارسات المستدامة والحفاظ على البيئة.

– زيادة الوعي البيئي والتحفيز على إجراءات مختلفة للتغير المناخي على جميع المستويات، بدءًا من المستوى الفردي وصولاً إلى المستوى الدولي.

إن مواجهة تحديات التغير المناخي يتطلب التعاون والتحرك السريع والفعال من جميع الحكومات والشركات والأفراد.

يجب علينا اتخاذ إجراءات فورية وجذرية لتقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، والتحول إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز التحول إلى اقتصاد مستدام والدائري والأخضر.

بالإضافة إلى ذلك، يجب توفير الدعم والتمويل الكافي للتكنولوجيا النظيفة وزيادة التحفيز للاستثمارات المستدامة، وتعزيز أساليب الإدارة والتخطيط اللازمة لحماية البيئة، وتعزيز الوعي والتثقيف العام بشأن التحديات المتعلقة بالتغير المناخي وأهميتها.

إذا لم نتحرك الآن، فإن التحديات المستقبلية قد تتزايد بصورة كبيرة وتزيد من مدى تداعياتها السلبية على البيئة والصحة العامة والاقتصاد.

لذلك، يجب علينا العمل بجد وتعاون جميع الأطراف لحماية بيئتنا والعالم، ونحن ملزمون من خلال مسؤوليتنا للأجيال القادمة لضمان بيئة صحية ومستدامة لهم.

تابعنا على تطبيق نبض

Comments

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: