وجهات نظر

د.أحمد يحيى راشد: ناسا لمستقبل مصر والتنمية المستدامة

أستاذ العمارة بكلية الهندسة - مدير مركز فاروق الباز للاستدامة ودراسات المستقبل بالجامعة البريطانية

دائما ما أنادي أن يكون لنا وكالة ناسا المصرية، وهي تختلف عن وكالة الفضاء المصرية، والتي أنشئت بالقانون رقم 3 لسنة 2018.

وكالة الفضاء المصرية، تهدف إلى استحداث ونقل علوم تكنولوجيا الفضاء، وتوطينها وتطويرها، وامتلاك القدرات الذاتية لبناء الأقمار الصناعية، وإطلاقها من الأراضي المصرية، وتتكامل مع كافة المشروعات التي تقوم بها الدولة علي كافة المستويات، ولكن وكالة ناسا المصرية، تبحث عن استدامة ودراسات المستقبل، وتتفهم وتدرس وكالة ناسا الأمريكية ومشروعات أيلون ماسك للخروج إلي الفضاء لتصبح منهجا ومرجعا في الهدف والمقصد.

وكالة ناسا الأمريكية

ناسا الأمريكية – منظومة من علم ودراسات، ومؤسسات، وجيل يسعي لأجيال قادمة عن عقيدة، وفهم أن البشرية لابد أن تفتح فرص في الكون، والفضاء لمحدودية فرص الأرض، وكل مشروعات ناسا الأمريكية الممتدة لمئات الأعوام، تحدي للمعقول، وفتح فرص للبشرية، وتوظيف العلم وتحديات البحث العلمي وعلماء يجتهدون ويتبارون لقهر المستحيل.

وفي كل الدراسات والتجارب، وجد أن الفضاء الخارجي من قمر ومريخ، يشبه الصحراء القاحلة، ولكن دون هواء أو ماء، أو جاذبية، وأن أقصى ما يتمناه الإنسان في مشروع إعمار الفضاء من قمر ومريخ وغيره أن يصل لحياة يتوفر فيها الحد الأدنى من أسباب الحياة (اقل مساحة وحركة)، وهذا هو التحدي، ومعادلة العالم مع ناسا الامريكية للخروج للفضاء.

ناسا لمستقبل مصر

والهدف من المسمى “ناسا لمستقبل مصر”، والتي تعني التحالف الوطني لداعمي الاستدامة، National Alliance for Sustainable Advocates for EGYPT FUTURE (NASA 4 EF) ، ليس الاسم، ولكن المضمون، والمدلول لجديه الأمر.
فنحن نحتاج وكالة أو وزارة لإعمار الصحراء، ولا يمكن أن تقوم وزارة قائمة حاليا، وهيئة بازدواجية التعامل مع قضية استدامة مستقبل مصر، والتي لها مستويين:

– مستوي العلاج ورد الفعل للقضايا العاجلة، والمرتكزة في الوادي والـ 5% من مساحة مصر المكتظة.
– مستوي التخطيط والرؤية المستقبلية لمصر في فتح الصحراء، والـ 95% من مساحة مصر المعطلة.

تحالف وطني

الدعوة لوكالة وطنية في مصر تجعل من تطبيقات الاستدامة فكرا، وعملا وتخطيطا مساحة من التطبيق في كل مناحي الحياة، والبحث عن مفاهيم لجودة نوعية الحياة من خلال الضمير الجمعي، يتشارك في المسئولية الدولة بأجهزتها، الجامعات والمعاهد العلمية، القطاع الخاص، رجال الأعمال، والجمعيات غير الحكومية، والمجتمع من علماء وخبرة، وشباب، وطاقة، ومواطن يعيش على أرضها أو يعيش خارجها ويتنفسها (أجيال تسلم أجيال).

تحالف وطني لا يهدف إلي الربح، ويجمع بين المهتمين من أفراد ومؤسسات، ومراكز بحثية، وعلمية بقضايا الاستدامة، والتنمية في مصر (تشبيكة)، وتكون بمثابة دعم، وأفكارThink Tank ، توجد مثلها في كثير من الدول المحترمة التي اتخذت من العلم والبحث العلمي سبيل للبناء والتنمية، والتغيير والتعمير، وقتها نستحق أن نحترم أنفسنا لأجيال قادمة، كما تحترم البشرية ناسا.

ويمكن تلخيص هدف الوكالة في:

– تنمية مستدامة وكتابة تاريخ المستقبل من خلال بناء الإنسان والانتماء، والمسئولية قبل بناء البنيان، والعمران مع تمكين الشباب والبحث العلمي، وخبرة العلماء، ومحو أمية مصر للمصريين، بما لديها من كنوز، وإمكانات وفرص مستقبلية.
– أفكار جديدة، وإبداعية بعلم يتوافق مع فهمنا لذاتنا، واحتياجاتنا، وليس علم مطلق، نستورده من الخارج أو نرثه من اجيال اجتهدت فيه علم يبدأ بالضرورات ثم تتبعها انطلاقات.

وتكون الوكالة مجال للتعاون بين علماء مصر في الخارج، وعلماء مصر في الداخل، وهيئاتها، ومؤسساتها المتعددة في كل قضايا إعمار الصحراء، ولكنها في الواقع مستقبل مصر لمن يتفهم.

وهنا لابد مع فكر ناسا، والتنمية المستدامة، وعلى المستوي البيئي، أن نفرق بين مفهومي غزو الصحراء، وفتح الصحراء، فغزو الصحراء تعني عدم الاستقرار، وأنها مرحلة مؤقته، بينما مدلول كلمة فتحها، تعني استدامة التنمية بها، وهنا يثار التساؤل: كيف يمكن استثمار الفرصة للتنمية المستدامة.

وماهي فرص الاستثمار؟، وهل التوجه للصحراء سيحقق تنمية مستدامة ومستقبل أفضل لمصر؟، أم تلك الرؤى، والخطوات تستنزف المقدرات الحالية والمستقبلية؟، وهل تم أو يتم الاستناد إلى دراسات واقعية، علمية وعملية في صناعة القرار، وهل تتواكب القرارات والخطوات مع معدلات التغيير والسرعة في التغيير وما نعيشه في مرحلة العولمة، وما يستتبع ذلك من تغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية؟

وما هو الدور الذي ستقدمه ناسا في التعامل مع الصحراء؟، فالتعامل مع الصحراء لابد أن يأخذ مدخلا مختلفا عن المعتاد.

وتعتبر من المفارقات الملحوظة، أن نسبة عدد سكان الصحراء المصرية إلى مجموع عدد سكان مصر تكاد تكون نفس نسبة مساحة وادي النيل إلى مساحة مصر، مما حدا إلى التفكير الدائم نحو غزو الصحراء أو اختراقها.

وقد عبر جمال حمدان في كتاب شخصية مصر “دراسة عبقرية المكان” عن غزو الصحراء بأن قال:

“ليس سهلا، مع ذلك غزو الصحراء، لأنه ليس نزهة جغرافية أو حضارية، وإنما هو صراع كفاحي ضد الطبيعة ومعركة حقيقية ضد العنصر. والعملية مخاطرة ريادية قد تحتمل الفشل والنكسات قدر ما تحمل من النجاحات. ومن الأسف أن المحاولات الثلاث الأولى لاستصلاح أرض الصحراء وتعميرها في العقدين أو الثلاثة الأخيرة (كان يعني خمسينيات وسيتينات وسبعينات القرن الماضي)، سواء على تخوم الوادي نفسه أو في واحات قلبها، وهى مشروع مديرية التحرير ووادي النطرون والوادي الجديد، تعثرت بدرجات متفاوتة وانتظمت كثيرا من الخسائر ولم تحقق تقدير الأغلبية النجاح المرجو أو المرموق “.

غزو الصحراء

ويهمنا في هذا الصدد الإشارة إلى أنه لابد من تغيير المفاهيم الخاصة بإنماء الصحراء وكذلك بالمتطلبات اللازمة لهذا الإنماء.

ولذلك وجدنا انه لزاما علينا، أن نغير من منطوق الكلمة إذا كان الهدف تغيير متطلبات مدلولها.

حيث تعنى كلمة غزو الصحراء والأصل (غ ز ا – والاسم الغزاة) أن ما سيتم فيها هو استيطان غير شرعي بالجبر والقوة والإرغام، وأن الهدف من غزو المكان هو استنزاف الموارد والثروات الكامنة في الصحراء سواء كانت ثروات تعدينية أو زراعية على مصدر مائي محدود أو غيرها وتركها بمجرد انتهاء المخزون والمصدر.

وفى الماضي أطلقت كلمة الفتوحات الإسلامية بدلا من غزوات لأن الهدف كان الإعمار في الأرض، واستدامة هذا الإعمار، ولذلك دامت واستمرت هذه الفتوحات، والتي كان هدفها الأساسي هي نشر الدعوة.

فتح الصحراء

وعليه فأن المقصود والمدلول الفعلي للاتجاه نحو الصحراء، هو إنماءها أو فتح الصحراء، والكلمة تعزز من مفهوم التنمية المستدامة والاستيطان المستهدف من التوجه للصحراء، وأسلوب التعامل مع البيئة الصحراوية من منظور التعايش، وليس الغزو هو الذي سيضمن هذه الاستدامة، وامكانية أعمار مصر المستقبل.

وحتى يكون مفهوم فتح الصحراء منطقيا مع التفكير في التخطيط الإقليمي، فإنه لابد من طرح قضايا البيئة بمستوياتها المتدرجة، والتي تعتبر المدخل المنطقي للتنمية المستدامة، وعليه لابد من دراسة تقويم الاستراتيجية البيئية، ودراسات تقييم الاثر البيئي للمشروعات المقترحة.

تقويم الاستراتيجية البيئية

ويمكن تعريف “تقويم الاستراتيجية البيئية” (SEA) على أنه عملية للتقييم والـتقويم البيئي الأولى للأهداف العامة للتنـمية الخاصة بالمشروعات الكبرى في مراحل وضع السياسات والمخططات، والبرامج الخاصة Policies, Plans and Programs (PPPs) بهذه المشروعات، وذلك لضمان الجدوى البيئية لهذه السياسات والمخططات والبرامج.

ونجد أنه حتي يتم نوع من التنمية المستدامة، والتكامل التنموي على المستوى القومي والإقليمي، والمحلى لفتح الصحراء من المنظور البيئي، لابد أن تتم مرحلة “تقويم للاستراتيجية البيئية Strategic Environmental Assessment “، لتكون أولى خطوات تغيير المفهوم من غزو الصحراء للمدلول بفتح وإنماء الصحراء.

ومن ثم وضع الأسس والمبادئ الأساسية للقيام بأعمار الصحراء والتنمية المستدامة، وتعتبر مرحلة مبدئية لاتخاذ القرار، تكتمل بعمليات تقييم الأثر البيئي للمشروعات (Environmental ،Impact Assessment EIA) والتي تأتى في مراحل لاحقة وذلك لضمان تكامل المشروعات على مختلف مستوياتها واستدامة وتواصل التنمية المستهدفة.

ويجب أن نشير إلى العناصر الأربعة المعنية بالإشكالية البيئية المطروحة لفتح الصحراء، وهي :

أولا: السـكان، وما سيرتبط بهذا العنصر من قضايا مكانية ومياه وطاقة وغذاء وغيرها من المتطلبات.

ثانيا: التقنية، وما سيتضمنه من أسلوب إنتاج الغذاء والتخلص من المخلفات، والصناعة، والطاقة، وغيرها من أساليب التعايش مع البيئة والتأثير فيها.

ثالثا: الاستهلاك، وهي قدرة كل الأطراف في المشاركة في المنفعة من المصادر البيئية المتاحة وما يتضمن ذلك من موارد مائية وأراضي زراعية وثروات تعدينية، وحتى الهواء نفسه.

رابعا : الاستدامة والتواصل، وهى القدرة على بناء أنظمة من استعمالات الأراضي واستغلال الثروات بما يسمح بالتوازن البيئي ودون استنزافها.

وعليه فإن الهدف من تقييم الاستراتيجية البيئية، هو محاولة لضمان استدامة التنمية المستهدفة، وتواصلها وشمولية الدراسات لكافة جوانب إنماء الصحراء.

ومما لا شك فيه، أن توافر المعلومات والدراسات المختلفة، واستخدام صور الأقمار الصناعية، ونظم المعلومات الجغرافية GIS هو المحور الرئيسي للتنمية المستدامة، وحجر الزاوية لنجاح الهدف المفترض من “تقويم الاستراتيجية البيئية”، وذلك لمساندة صانعي القرار في اتـخاذ القرارات الصائبة، وقد يتطلب ذلك أعاده ترتيب وتنظيم شامل لكافة المؤسسات والهيئات المعنية بهذه الدراسات، وكذلك استحداث وتوفيق كافة القوانين والتشريعات المنظمة لهذه المجالات.

وبين ناسا مصر وكخطوة تمهيدية، كان مركز فاروق الباز للاستدامة ودراسات المستقبل بالجامعة البريطانية في مصر، وسيتم في المقالات القادمة تغطية لبعض تلك الخطوات التي تتكامل، وتتوافق لما تقوم به الدولة من مشروعات عملاقة متعددة على كافة المستويات والهدف استدامة ودراسات مستقبل.

تابعنا على تطبيق نبض

Comments

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: