أخبارالتنمية المستدامة

ميكروبات خارقة تقدم طرقا جديدة لهندسة الحياة والتخلص من انبعاثات الميثان

حمض نووي غريب قد يكون استوعب الميكروبات لمليارات السنين!

كتب : د. طارق قابيل

يدرس الباحثون الآن عن كثب تسلسل الميكروبات التي تتغذى على الميثان ، وكيف يمكن أن تؤثر جيناتها الفريدة على العمليات البيولوجية والجيولوجية التي يتم بها التقاط غاز الميثان من البيئة لإحداث انخفاض كبير في انبعاثات غاز الميثان، والتي تقدر حاليًا بحوالي 30% من الاحتباس الحراري.

ويبدو أن نوعًا مكتشفًا حديثًا من بنية الحمض النووي القابل للنقل، ويحمل اسم خيال علمي يلعب دورًا كبيرا في موازنة غاز الميثان في الغلاف الجوي.

وبحسب بحث منشور في دورية “نيتشر” (Nature) العلمية الشهيرة، يبدو أن هناك مجموعات غريبة من الجينات التكميلية الملقبة بالحمض النووي “بورجس” (Borgs) تشحن الميكروبات التي تمتلكها، ما يمنحها قدرة خارقة على استقلاب المواد في بيئتها بشكل أسرع من منافسيها.

وفي أعقاب دراسة نشرت العام الماضي، واصل الباحثون تحليل تنوع تسلسل الميكروبات التي تتغذى على الميثان في هذه المستودعات الجينية غير العادية في محاولة لمعرفة المزيد عن تطور الحياة.

وسميت على اسم مخلوقاتستار تريكالفضائية التي تستوعب كائنات أخرى في عقل خلية جماعي.

وتؤدي عناصر الحمض النووي الغامضة هذه خدعة مماثلة من خلال امتصاص الجينات المفيدة من العديد من الكائنات الحية المختلفة على مدى فترات زمنية طويلة.

ومن خلال معرفة المزيد عن الطريقة التي تستخدم بها الكائنات الحية، هذه الحزم غير العادية من المعلومات خارج المجموعة الصبغية، يأمل الباحثون في إيجاد طرق جديدة لهندسة الحياة للتخلص من انبعاثات الميثان بشكل كبير.

تم اكتشاف هذه الجينات الوراثية في ميكروب يستهلك الميثان يسمى ” الميثانوبريدينز ” (Methanoperedens)، وهو نوع من العتائق (كائنات وحيدة الخلية تشبه البكتيريا ولكنها تمثل فرعًا متميزًا من الحياة) التي تكسر الميثان (CH4) في التربة والمياه الجوفية والغلاف الجوي لدعم التمثيل الغذائي الخلوي.

ميكروبات خارقة

تعيش الميثانوبريدينز والميكروبات الأخرى المستهلكة للميثان في أنظمة بيئية متنوعة حول العالم، ولكن يُعتقد أنها أقل شيوعًا من الميكروبات التي تستخدم التمثيل الضوئي، أو الأكسجين، أو التخمير للحصول على الطاقة.

ومع ذلك، فإنها تلعب دورًا كبيرًا في عمليات نظام الأرض عن طريق إزالة الميثان – أقوى غازات الدفيئة – من الغلاف الجوي، حيث يحبس الميثان حرارة تزيد بمقدار 30 مرة عن ثاني أكسيد الكربون، ويُقدر أنه مسؤول عن حوالي 30 في المائة من الاحترار العالمي الذي يحركه الإنسان.

وينبعث الغاز بشكل طبيعي من خلال العمليات الجيولوجية وعن طريق العتائق المولدة للميثان؛ ومع ذلك، فإن العمليات الصناعية تطلق غاز الميثان المخزن مرة أخرى في الغلاف الجوي بكميات مقلقة.

ويعتقد العلماء أن “بورجس” هي شكل من أشكال الحمض النووي المعروف باسم عناصر خارج الصبغيات(ECE) وتوجد هذه الحزم من المواد الجينية خارج كروموسومات الكائن الحي، وهي مزودة بأدوات تسمح بالتمثيل الجيني.

ويبدو أنها تمكنت من تحسين نفسها على مدى آلاف السنين لتضخيم قدرة الكائن الحي على امتصاص الميثان.

وعلى عكس عناصر خارج الصبغيات الأخرى، فإن “بورجس” لها هيكل خطي وليس دائري. كما أنها أطول بكثير من المعتاد.

وفي العينات المأخوذة من التربة الجوفية وطبقات المياه الجوفية ومجاري الأنهار، اكتشف الفريق 19 منطقة مميزة منها، بما في ذلك أربعة تسلسلات كاملة.

ويقول عالم البيئة كينيث ويليامز، من مختبر لورانس بيركلي الوطني في كاليفورنيا: “تخيل خلية واحدة لديها القدرة على استهلاك الميثان. الآن تضيف عناصر وراثية داخل تلك الخلية يمكنها أن تستهلك الميثان بالتوازي وتضيف أيضا عناصر وراثية تمنح الخلية سعة أكبر”.

ومن خلال تحليل الجينوم المتقدم، تم الكشف عن أن “بورجس” تتطابق مع الكثير من جينات استقلاب الميثان في ميكروب (Methanoperedens)، وهو نوع من العتائق (البكتريا القديمة) التي تؤكسد الميثان عن طريق اختزال النترات.

وفي الواقع، تمتلك بعض “بورجس”جميع الآليات المطلوبة لهضم الميثان بمفردها، بشرط أن تكون داخل خلية قادرة على التعبير عن جيناتها.

ويفترض العلماء أن “بورجس” قد تكون شظايا متبقية من مجموعة واسعة من الميكروبات التي تمتصها البكتريا، وأحد التفسيرات لذلك هو أن “بورجس” تعمل كمخازن للجينات الأيضية التي تكون مطلوبة فقط في أوقات محددة – مثل عندما يكون هناك الكثير من الميثان حولها.

وهذا يعني أن بعض الميكروبات يمكنها تجاوز قدرتها الطبيعية على استهلاك الميثان، وذلك بفضل وجود “بورجس”، ولكن ولا يزال هناك الكثير لتفكيكه حول هذه الأجزاء الرائعة من الحمض النووي.

وتقول عالمة البيئة جيليان بانفيلد، من جامعة كاليفورنيا، بيركلي: “هناك دليل على أن أنواعا مختلفة من “بورجس” تتعايش أحيانا في نفس الخلية المضيفة، وهذا يفتح إمكانية أن بورجس يمكن أن تنشر الجينات عبر الأنساب”.

ويدرس الباحثون الآن عن كثب كيف يمكن أن تؤثر “بورجس” على العمليات البيولوجية (في طريقة تطور الخلايا) والجيولوجية (في الطريقة التي يتم بها التقاط غاز الميثان الإضافي من البيئة المحيطة).

ويتم إجراء العمل الميداني بالتوازي مع التحليل المختبري للكشف عن المزيد حول كيفية عمل “بورجس” غير العادية هذه، ولتتبع تاريخ يمكن أن يمتد إلى مليارات السنين.

تابعنا على تطبيق نبض

Comments

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d