د.معتز محمد أبوزيد: العدالة المناخية وتحديات التمويل العادل
قاض- محاضر مواد القانون العام- خبير تشريعات حقوق الإنسان

تتناول مفاهيم العدالة المناخية العديد من الموضوعات المرتبطة بقضايا تغير المناخ من حيث الأسباب والتأثير ونطاق المسئولية والتشاركية الدولية في مواجهة الأخطار، والتحديات، وضرورة العمل الدولي المشترك للخروج بالنتائج المؤثرة في ضبط درجة احترار الأرض، والحفاظ على التنوع البيولوجي، وتنوع مصادر الطاقة، بل وكذلك تطبيق نظم الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الدائري في صورة متكاملة ومتناغمة لتحقيق هذه العدالة المنشودة.
ولما كان التحرك نحو هذه الأهداف بشكل مباشر أو غير مباشر يتطلب العمل على توزيع المسئولية، ودعم وتمويل هذه المشروعات والتحركات، وهو ما يتطلب توفير الغطاء المالي اللازم دون تحميل أي من الأطراف ما هو أكثر من اللازم، حيث أن هناك دور ينتظر الجميع ولا يمكن التخلف عنه أو عدم اللحاق بالركب الدولي لمواجهة أزمات التغير المناخي.
التمويل العادل
ولعل الدعم المادي لتحقيق سياسات مواجهة قضايا التغير المناخي، هو الموضوع السائد على نقاشات المنتديات الدولية المرتبطة بتغير المناخ، مثل مؤتمرات الأمم المتحدة السنوية بشان الدول الأطراف المعنية بتغير المناخ خاصة في النسخ الثلاثة الأخيرة من هذا المؤتمر، و هو ما لفت الانتباه إلى أن الابتكار و السير في طريق المواجهة لا يمكن العمل عليه أو إتمامه دون توفير نطاق الدعم المادي اللازم لتحقيق ذلك، و كانت هذه الاستنتاجات الهامة طريقا مؤديا إلى ما يجب التعامل معه تحت عنوان التمويل العادل أو (Just Financing) .
دليل شرم الشيخ للتمويل العادل
وقد اجتهدت مصر في إصدار دليل شرم الشيخ للتمويل العادل، وكيف سيساعد مصر والدول النامية في التحول الأخضر.
أطلقت وزارة التعاون الدولي خلال مؤتمر COP27 دليل شرم الشيخ للتمويل العادل بهدف تقديم خارطة طريق شاملة لمساعدة الدول النامية على جذب التمويلات التي تحتاجها لتنفيذ التحول الأخضر، جرى تطوير الدليل من خلال مشاورات استمرت لمدة عام مع أكثر من 100 من شركاء التنمية، بما في ذلك ممثلو الحكومات، ومؤسسات التمويل التنموي والقطاع الخاص، والبنوك، وصناديق تمويل المناخ، وأصحاب المصلحة الأخرى.
وجرت كتابة الدليل بالشراكة مع شركاء التنمية الدوليين بما في ذلك بنك التنمية الأفريقي، وسيتي جروب، والشبكة الدولية للتمويل المختلط، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والأمم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وآخرين.
و”التمويل العادل” مصطلح آخر لتمويل المناخ يضاف إلى القاموس، ويجلب الدليل فكرة “العدالة” إلى التمويل المعني بالمناخ، مع الحفاظ على هدف ترجمة الالتزامات إلى مشاريع قابلة للتنفيذ. ومن بين مبادئ العدالة المناخية أن تتحمل دول العالم المتقدم المزيد من تكاليف معالجة آثار التغيرات المناخية،
العدالة المناخية
وإن الدول النامية لها الحق في مواصلة حركتها الصناعية حتى لو كان العالم بأكمله يتجه نحو تخفيض الانبعاثات. يمتد مفهوم التمويل العادل إلى مسألة الخسائر والأضرار (تعويض الدول النامية التي تواجه كوارث مناخية)، والتكيف (تدابير وقائية للتكيف مع تغير المناخ)، والتخفيف (مشاريع للحد من الانبعاثات الكلية).
وقد يظهر مصطلح التمويل العادل في بادئ الأمر على أنه تعبير اقتصادي في المقام الأول خاص بتدبير موارد للإنفاق على مواجهة مشكلات وأزمات التغير المناخي اعتمادا على نظم اقتصادية، وخطط و استراتيجيات أكثر صداقة مع البيئة خاصة بالنظر الى أطرافه و نطاق مناقشاته وتطويره ،إلا أن الأمر في حقيقته لا يمكن النظر إليه بعيدا عن مجال العدالة المناخية والتي تأسست على حجم المسئولية المشتركة الملقاة على عاتق دول العالم أجمع للتحرك و المواجهة.
الحق في التنمية المطلوبة للدول الفقيرة
وترتبط فكرة التمويل العادل بالحق في التنمية المطلوبة للدول الفقيرة أو النامية، حيث أن الدول النامية تمثل 84 بالمائة من عدد سكان العالم وتستحوذ على 58 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، إلا أنها تمتلك أقل من 20 بالمائة من الأصول المالية العالمية، ويؤكد هذا التفاوت الحاجة الملحة للتغلب على فجوة التمويل من أجل التنمية، وأن فجوات تمويل أهداف التنمية المستدامة، ومنها ما هو مخصص إلى مواجهة تغيرات المناخ عالميا متوقع أن ترتفع لتصل إلى 4.3 تريليون دولار سنوياً في الفترة من 2020 إلى 2025.
كما أن الصدمات العالمية المتتالية ساهمت في تفاقم احتياجات التمويل، خاصة وأن كل دولة لها الحق في أن تدبر مواردها بما يخدم أهداف تنميتها المستدامة، وأن كانت الدول المتقدمة تتحمل التزاما كبيرا للمشاركة في هذا التمويل، إلا أنها لا يمكن أن تغض الطرف عما قد تتطلبه تحركات التنمية في داخلها إعلاء لشعار المسئولية المشتركة لمواجهة التغير المناخي و دعم الدول الفقيرة بالتمويل العادل في تحقيق ذلك .
غير كافية لتحقيق الأهداف التنموية الطموحة
إن التحرك الدولي لتوفير الدعم المادي لمواجهة مشكلات التغير المناخي يحقق تأثيرا إيجابيا في توفير هذا التمويل العادل، إلا أنه رغم ارتفاع المساعدات الإنمائية الرسمية ODA لأعلى مستوى لها على الإطلاق في عام 2020 لتسجل 162 مليار دولار، إلا أنها ما تزال غير كافية لتحقيق الأهداف التنموية الطموحة بشأن التغير المناخ؛ وذلك وفقاً لتقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهو ما يتعين النظر من خلاله الى تطبيق فكرة التشاركية ليس فقط بين دول العالم، ولكن بين الحكومات و القطاع الخاص و المشروعات الاستثمارية الكبرى حيث أن إعادة توجيه 1 بالمائة فقط من الأصول المالية العالمية التي يمتلكها القطاع الخاص يمكن أن يتيح موارد كافية لسد هذه الفجوة التمويلية .
إن العمل على تحقيق هذا الدعم المالي يقتضي النظر الى سياسات التمويل العادل من منظور آخر و هو على مراعاة مواجهة المشكلات الحالية و توفير التمويل العادل للعديد من البلدان لمواجهة أزمات التغيير المناخي بها لحسن التعامل مع هذه المستجدات التي تهدد كوكب الأرض أو أن ذلك يجب أن يتسم بالاستمرارية أينما حدث، ووقتما حدث، وهو ما يأتي في متطلبات حقوق الأجيال القادمة والعمل الإنساني الذي يجب أو يكون على قدر كبير من الوعي و الاستدامة واستشراف المستقبل.
المسئولية التاريخية والمشتركة
ان النظر في قضايا التمويل العادل لا يمكن أن يكون بعيدا كذلك عن فكرة المسئولية التاريخية والمشتركة لبلاد العالم لمواجهة أزمات التغير المناخي، إذ أن فكرة التمويل العادل قد ينظر إليها أنها جانب المشاركة الأهم من الدول المتقدمة والتي تتحمل مسئولية الدعم والمساعدة المادية بشكل أساسي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وكذلك قد ينظر الى مبدأ التمويل العادل على أنه شق تعويضي من جانب الدول المتقدمة مقابل ما جنته من أرباح اقتصادية على مر السنوات و العقود المنصرمة والتي شاركت من خلالها في زيادة مشكلات التغير المناخي و من ناحية أخرى.
لا بد وأن نتعرض لفكرة القيمة وإلى أي مدى يمكن أن تسفر هذه التمويلات في تحقيق الأهداف المرجوة منها، فضلا عن أن التعامل وفقا لهذه المبادئ المالية قد تجعل للدول المانحة يدا طولى فيما بعد للتسلط والتدخل في شئون الدول المستقبلة لهذه التمويلات وبالتالي يفقد التمويل العادل اعتباراته بل ويصبح مسارا للتدخل في شئون الدول، بل والتحكم فيها إذا لزم الأمر تحت غطاء التمويل العادل و متابعة استخدام هذا التمويل.
تعتبر سياسات التمويل العادل من الأفكار النبيلة التي تصاحب جهود مواجهة تحديات التغير المناخي إلا أنه يتم حاليا من خلال علاقات دولية أشد تعقيدا و في ظروف عالمية ألقت بظلالها على جميع الدول المتقدمة منها والنامية، وهو ما يتطلب بالفعل تناولها على نحو مختلف وفعال فلا ينظر إليها على أنها الحل السحري مع كل ما يقابلها من تحديات ولا يمكن إهمال ما تأتي به من فرص في ظل السلبيات التي قد تعترضها، وانطلاقا من مبدأ تعدد الفرص بتعدد التحديات فإن إعلاء فكرة المسئولية المشتركة و تكامل الجهود الدولية متعددة الأطراف قد يكون حلا فاعلا في صحة فهم و تطبيق مبادئ التمويل العادل.