د.محمد طه زلمه: جودة البذور وتحقيق التنمية المستدامة
أستاذ مساعد بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية- مركز البحوث الزراعية

من كتاب الاتجاهات الحديثة لدعم وتنمية نظام الحبوب العالمي (انتاج – استدامة – صون البيئة)
يشير مفهوم جودة البذور Seed Quality وصلاحيتها إلى كمية البذور المنتجة والتي يمكن وضعها في السوق للتداول في عمليات الإنتاج الزراعي، ولهذا السبب من المهم جدًا أن يكون هناك طرق واختبارات موثوقة لاستخدامها في تقدير جودة البذور واختبار مدي حيويتها وقوتها.
تعد اختبارات جودة البذور أهم مؤشر فسيولوجي لعمليات إنبات وتنظيم إنتاج البذور الناجح، والشرط الأساسي لتحقيق تأثيرات اقتصادية إيجابية.
لهذا السبب، من الضروري بذل جهد كبير لتحسين تكنولوجيا إنتاج البذور، وفي الوقت نفسه تحديد أفضل الطرق لاختبار جودة البذور بنجاح.
يعتبر الفهم الجيد لخصائص النبات، اجراء تحسينات على مراحل الانتاج، استخدام التدابير الوقائية والعلاجية وتوفير الظروف المواتية لإنتاج البذور من أهم العوامل للحصول على محصول جيد من البذور.
كائن حي معقد
أيضًا، الفهم الجيد لعلم بيولوجيا النبات، تركيب ووظائف الأعضاء، الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية، من أهم العوامل التي تساعد على فهم العمليات التي تحدث في البذور، ككائن حي معقد.
يعتبر توصيف السمات الزراعية المهمة للأصناف الزراعية أيضًا من الاتجاهات الحديثة في مجال التكنولوجيا الحيوية التي تساعد في الحصول على اصناف تتميز بالثبات والتميز والمحصول العالي من البذور. كما تستخدم اليوم طرق عديدة للتكنولوجيا الحيوية الجزيئية في فحص جودة البذور.
وفقًا للعالم دورنبوس (1995) هناك أربعة عوامل مهمة تؤثر على العائد من المحصول ودرجة جودة البذور المنتجة.
1- الاستخدام السليم للتدابير الفنية الزراعية المستخدمة في إنتاج البذور التي يمكن أن تقلل من آثار الإجهاد الناجم عن الظروف البيئية الغير ملائمة.
2- يجب أن يكون إنتاج البذور في المناطق التي لديها ظروف بيئية مناسبة شريطة لتطوير أنواع نباتية معينة.
3- يجب اختيار قطع الأراضي التي يمكن ريها لإنتاج البذور.
4- المناطق المستخدمة لإنتاج الأصناف يجب أن تكون مستقرة وموحدة مناخيًا، كما يجب أن تكون قادرة على إعطاء عوائد مستقرة في الظروف المناخية المختلفة.
قوة وحيوية البذور
تعتبر آليات تقدير جودة البذور من العمليات المعقدة، والتي لها تأثير مباشر على التحديد العملي لقوة وحيوية البذور، في حين أنه لا يمكن تقييم جودة البذور بشكل مباشر كاختبار الإنبات مع التعبير عن النتائج بالقيمة المطلقة. ولهذا فقد طور علماء البذور فحوصات مخبرية بسيطة نسبيًا، بطريقة ما تكون قادرة على تقديم إشارة إلى جودة البذور.
استخدمت جهات صناعة البذور بشكل مبكر اختبارات جودة البذور للعديد من المحاصيل الزراعية والبستانية أثناء عمليات الإنتاج، التسويق والتخزين، من خلال قياس درجات الاختلاف والدقة مقارنةً بالأداء الحقلي لتقييم حيوية وقوة البذور ومدي صلاحيتها لإعادة الاستخدام الزراعي.
من أهم المحاصيل التي اعتمدت اختبارات جودة البذور مبكرًا: الذرة، القطن، فول الصويا، البازلاء والذرة الحلوة.
وفقًا للعالم فيرجسون (1990، 1995)، فقد اعتمدت 85٪ من مختبرات البذور الخاصة والعامة مبكرًا اختبارات جودة البذور، وأن 100٪ من جميع بذور الذرة، القطن، الذرة الحلوة والبسلة قد تم اختبارها من قبل شركات البذور الكبرى قبل التسويق.
على الرغم من استخدام اختبارات قوة وحيوية البذور على نطاق واسع من قبل مؤسسات صناعة البذور لسنوات عديدة، فقد كان من الصعب توحيدها، حيث كانت الاستراتيجية الأساسية هي قياس بعض جوانب أداء البذور أو حالتها التي تعكس مرحلة تدهور البذور.
اختبارات جودة البذور شائعة الاستخدام
تم نشر وصف تفصيلي لاختبارات جودة البذور شائعة الاستخدام في كتيبات طورتها عدة منظمات دولية، من أهمها المنظمة الدولية لاختبارات البذور International Seed Testing Association (ISTA) والمنظمة الرسمية لتحليل البذور Association of Official Seed Analysts (AOSA).
غالبًا ما تكون البذور والأجزاء النباتية المستخدمة في عملية الإنتاج في كثير من البلدان غير متاحة للمزارعين ولا تكون ذات جودة كافية، مما يقوض العائد المحتمل وأداء إنتاج المحاصيل. تدعم منظمة الأغذية والزراعة البلدان في رفع جودة البذور المنتجة محليًا والتي يستخدمها صغار المزارعين وفي تعزيز قدرتهم على تطوير وتنفيذ أنظمة ضمان الجودة لإنتاج البذور ومواد الزراعة.
لتحسين جودة البذور المعروضة للبيع في البلدان التي تكون فيها الموارد البشرية والمادية لمراقبة الجودة محدودة، أدخلت منظمة الأغذية والزراعة نظام “البذور المعلنة الجودة QDS”، والذي يستخدم الموارد المتاحة بالفعل في منظمات إنتاج البذور.
تم تصميم النظام لتوفير مراقبة الجودة أثناء إنتاج البذور، وهو أقل طلبًا على الموارد الحكومية من أنظمة البذور الأخرى ذات جودة البذور الأكثر تطورًا، ولكنه مناسب لتوفير بذور جيدة النوعية داخل البلدان وفي التجارة الدولية.
تم الإعلان عن مفهوم نظام البذور معلنة الجودة (QDS Quality declared seed system,) في مشاورة خبراء منظمة الأغذية والزراعة العالمية بشأن حركة البذور بين الدول في عام 1986، ثم تم إعداد مسودة وثيقة في مشاورة الخبراء بشأن البذور المعلنة الجودة التي عقدت في روما في أكتوبر 1989.
في عام 1993، قامت المنظمة مرة أخري من خلال دائرة الموارد الوراثية للبذور والنباتات (AGPS FAO Seed & Plant Genetic Resources Service,) بإنتاج ونشر إرشادات خاصة بالإنتاج النباتي للمحاصيل ووقاية النباتات رقم 117، تحت عنوان “نظام جودة البذور المعلن عنه في صورة إرشادات فنية بشأن المعايير والإجراءات (Quality declared seed technical guidelines on standards & procedures).
مساعدة صغار المزارعين
تهدف هذه المبادئ التوجيهية والبروتوكولات إلى مساعدة صغار المزارعين وكذلك المتخصصين في إنتاج البذور والمهندسين الزراعيين الميدانيين وخدمات الإرشاد الزراعي في إنتاج بذور عالية الجودة.
يوفر النظام بديلًا لضمان جودة البذور وهو مصمم خصيصًا للبلدان ذات الموارد المحدودة، وهو أقل تطلبًا من أنظمة مراقبة جودة البذور الكاملة ولكنه يضمن مستوى مرضٍ من جودة البذور.
وقد ثبت أنه مفيد بشكل خاص لأولئك الذين يعملون في مجال إمداد البذور في حالات الطوارئ وكمصدر للمعلومات العملية حول معايير البذور لمجموعة من أنواع المحاصيل.
على مدى السنين الماضية، تم استخدام مبدأ الجودة المعلنة للبذور على نطاق واسع كمصدر للمعلومات العملية حول معايير البذور لمجموعة واسعة من أنواع المحاصيل والبيئة الزراعية لتطوير القطاع الزراعي.
كما تم استخدامه لوضع معايير جودة البذور لتدخلات إغاثة البذور في أعقاب الكوارث الطبيعية أو الظروف الصعبة.
تم تصميم النظام لتحقيق أفضل استخدام ممكن للموارد المتاحة لمراقبة جودة البذور في ظل ظروف محدودة الموارد وأعطى المسؤوليات الرئيسية والمشاركة لمنتجي البذور والتجار. ومع ذلك، فقد أدت الظروف والاحتياجات المتغيرة في قطاع البذور إلى إجراء مراجعة وتحديث للوثيقة في شهر مايو للعام 2003 عندما عقدت منظمة الأغذية والزراعة مشاورة خبراء في مدينة روما.
من أهم المراجعات التي أخذت بعين الاعتبار أثناء مراجعة طبعة عام 1993 لوثيقة البذور المعلنة الجودة:
– الحاجة إلى مراجعة انتقائية لمعايير البذور لبعض المحاصيل.
– سد فجوات البيانات المفقودة فيما يتعلق بالمحتوى الرطوبي ونوعية الأمراض التي تنقلها البذور.
– توسيع نطاق تغطية المحاصيل في نظام QDS لتشمل المزيد من المحاصيل الاستوائية والتي لا يوجد لها إرشادات خاصة بمراقبة جودة البذور.
-الحاجة إلى اقتراح طرق يمكن من خلالها استخدام نظام QDS لمراقبة جودة الأصناف المطورة في إطار تربية الأصناف.
– تحسين نظام QDS لمراعاة الامتثال لاتفاقيات اتحاد حماية الأصناف النباتية الجديدة (The International Union for the Protection of New Varieties of Plants, UPOV) وجوانب حقوق الملكية الدولية المتعلقة بالتجارة (Trade-Related Aspects of Intellectual Property Rights, TRIPS).
– التضمين المحتمل للمعلومات الخاصة باختبار الكائنات المعدلة وراثيًا (Genetically Modified Organism, GMOs) في نظام QDS.
– تحديد سمات جودة البذور الحرجة لاستخدامها كخط أساسي لتجارة البذور المحلية إذا تعذر الوفاء بالحد الأدنى من المعايير الأساسية لمجموعة السمات.
اعتراف أكثر وضوحا بدور السياسات الوطنية وتأثير بعض الالتزامات الوطنية والدولية على توفير البذور.
– شرح أوضح عن كيفية استيفاء نظام جودة البذور المعلن عنه QDS للأصناف المحلية.
– إجراءات موحدة لتسهيل تشغيل النظام وبالتالي تعزيز تنفيذ المخططات.
كان لإجماع الخبراء على أنه يمكن تحسين نظام جودة البذور QDS وتسهيل استخدامه على نطاق واسع بين المزارعين في الدول التي تعاني من نقص واضح في جودة البذور، وذلك من خلال اعتماده من قبل الحكومات، المؤسسات والمنظمات الوطنية.
وكانت النقاط الرئيسية التي انبثقت عن أراء الخبراء كما يلي:
– ينبغي أن تبذل منظمة الأغذية والزراعة المزيد من الجهود لخلق مزيد من الوعي الدولي بشأن نظام QDS، بما في ذلك وضع النسخة المنقحة من QDS على موقع المنظمة على شبكة الإنترنت.
-يجب أن يكون معروفًا على نطاق واسع أن نظام QDS يضع مسؤولية جودة البذور المعروضة للبيع على تاجر البذور مع قيام الحكومة الوطنية بدور أقل تطلبًا كما كان الحال في نظام مراقبة جودة البذور المطور بالكامل.
وتحقيقا لهذه الغاية تم التأكيد على أن QDS يمكن أن تشكل نقطة انطلاق لخطة كاملة لمراقبة جودة البذور.
– الحاجة إلى زيادة عدد المحاصيل المدرجة في مخطط الوثيقة المنقحة.
من أجل تعزيز هذا الاقتراح، أشار موظفو منظمة الأغذية والزراعة إلى أن المعلومات الواردة في QDS تستخدم بشكل متكرر كمراجع قياسية للبذور عند تقييم إمدادات البذور للإغاثة في حالات الطوارئ.
– يجب تطوير نسخة من QDS للمحاصيل المزروعة نباتيًا في أسرع وقت ممكن.
– يجب أن يتم إدراج الأصناف المحلية، المحاصيل الأصلية (وخاصة الخضروات) والأصناف المستنبطة عن طريق التربية/بالإضافة الي المحاصيل المستنسخة خضريًا أو لاجنسيًا.
– يجب توزيع النسخة المنقحة من QDS على نطاق واسع بكل الوسائل الممكنة.
– ثم تم تنقيحها مرة أخري في عام 2006 على نطاق واسع لتحديث المبادئ التوجيهية من أجل جعلها أكثر ملاءمة للتقدم الزراعي في البلدان النامية ولتوسيع الجوانب الفنية وزيادة عدد المحاصيل المدرجة في الوثيقة، واتاحتها للدول الأعضاء.
أخيرًا اعتمد نظام جودة البذور على أربع نقاط رئيسية:
- تم وضع قائمة بالأصناف المؤهلة لإنتاج بذور تنطبق عليها معايير واشتراطات النظام.
- مطالبة منتجو البذور بالتسجيل لدى السلطات الوطنية المختصة.
- قيام السلطة الوطنية بفحص 10% على الأقل من بذور المحاصيل.
- قيام السلطة الوطنية بفحص 10% على الأقل من البذور المعروضة للبيع بموجب تسمية البذور المعلنة الجودة.
نستعرض في المقال التالي الحد الأدنى من المعايير التي يجب تحقيقها والإجراءات التي يجب اتباعها قبل تعيين دفعة البذور كبذور معلنة الجودة، والتي قد تكون من أي نوع من أنواع المحاصيل التي تتوفر لها أصناف مؤهلة والتي لها معايير وإجراءات محددة مناسبة.
وأخيراً، يجب أن يكون هذا النظام متاحًا لأية حكومة وطنية عندما تقتنع بأن هذه الإجراءات قد تم اتباعها وأن المعايير قد تحققت.