ماذا يعني الحياد الكربوني؟.. كيف يمكن تحقيقه؟.. خريطة تعهدات الدول لتحقيق صافي الصفر

كتب محمد ناجي
منذ توقيع اتفاقية باريس عام 2015 كثفت بلدان العالم جهودها في مجال المناخ والتزم كثير منها بالوصول بمستوى الانبعاثات إلى الصفر على أساس صاف بحلول عام 2050، وهو ما يعني أن أي انبعاثات كربونية إضافية ستتم موازنتها بالكامل بسحب انبعاثات الكربون من الجو، وتعتبر الانبعاثات الكربونية من بين أكثر أسباب تلوث البيئة، ما يعني بعبارة أخرى أنه يؤثر على الصحة العامة، ويزيد من تكاليف المعيشة، ويثقل كاهل الدول بالأعباء نظراً لتداعياته المرتبطة بالتغير المناخي.
ماذا يعني الحياد الكربوني ؟
الحياد الكربوني، هو الذي يعني تخفيض الانبعاثات الكربونية وصولاً إلى الصفر، والتعويض عما لا يمكن التخلص منه، ويقول خبراء المناخ إن التراكم الهائل لثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي منذ الثورة الصناعية، يودي إلى تسريع وتيرة الاحتباس الحراري، وبدأت عدة دول ومؤسسات حول العالم، خفض انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، ما يخفف من آثار التغير المناخي الذي يهدد العالم بأكمله.
كما يشير مصطلح “الحياد الكربوني” إلى تحقيق المساواة بين ما يضاف إلى الغلاف الجوي من الكربون من نواتج استخدام الطاقة والعمليات الحيوية الطبيعية كتنفس الكائنات الحية وغيرها، وما يتم استهلاكه من الكربون كعمليات التركيب الضوئي لدى النبات.
أما مؤسسة “ماي كلايمت” السويسرية تقول، إن الحياد الصفري المناخي “CLIMATE NEUTRALITY” يقصد به التحول إلى اقتصاد بصافي صفر من انبعاثات الغازات الدفيئة.

كيف يمكن تحقيق الحياد الكربوني ؟
ويمكن تحقيق ذلك بسبل متعددة مثل استخدام والتحول إلى الاقتصاد الأخضر والمشاريع الصديقة للبيئة، بعيداً عن التصنيع كثيف الإصدار للانبعاثات، وكذلك التحوّل إلى مصادر الكهرباء الأكثر خضرة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، والتوسع في مبادرات التشجير.. وتعمل الدولة الأوروبية، على إعداد تشريعات بهذا الشأن، لتصبح أول قارة تتحول للحياد الكربوني.
وقال الأمين العام، للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، في مقال له، إن “المؤشرات المناخية الرئيسية آخذة في التدهور، وفي حين أن جائحة كـوفيد-19 قد خفضت الانبعاثات مؤقتا، فإن مستويات ثاني أكسيد الكربون لا تزال في مستويات قياسية – وهي آخذة في الارتفاع. وكان العقد الماضي هو الأعلى حرارة في سجلاتنا”.
وحذر الأمين العام من أن “التنوع البيولوجي ينهار، والصحاري تتمدّد، والمحيطات تصبح أدفأ وتختنق بالنفايات البلاستيكية. ويفيدنا العلم بأنه ما لم نخفض إنتاج الوقود الأحفوري بنسبة 6 في المائة سنويا منذ الآن وحتى عام 2030، فستتفاقم الأمور”، مضيفا: “بدلا من القيام ذلك، فإن العالم يسير على الطريق نحو زيادة سنوية نسبتها 2 في المائة”.
ويقول أنطونيو جوتيريش، في مقاله، إن الاتحاد الأوروبي قد التزم بتحييد أثر الكربون بحلول 2050، وفعل الأمر نفسه كل من المملكة المتحدة واليابان وجمهورية كوريا وما يزيد على 110 بلدان، والتزمت بذلك أيضا إدارة الولايات المتحدة، والتزمت الصين ببلوغ الهدف قبل عام 2060.
وأضاف: “ينبغي لكل بلد وكل مدينة وكل مؤسسة

مالية وكل شركة أن تعتمد خططا للوصول إلى مستوى الصفر – وأن تتخذ إجراءات الآن لتكون في المسار الصحيح صوب ذلك الهدف، وهو ما يعني تخفيض الانبعاثات في العالم بنسبة 45 في المائة بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2010″.
ويشير جوتيرش إلى أن الوقت قد حان لكي نحتسب ثمن الكربون؛ ونكُف عن دعم الوقود الأحفوري (مثل النفط والغاز)؛ ونوقِف بناء محطات جديدة لتوليد الطاقة بالفحم، ولنقل العبء الضريبي من الدخل إلى الكربون، ومن دافعي الضرائب إلى الملوثين؛ وإضفاء طابع الإلزامية على تقديم إقرارات عن المخاطر المالية المتعلقة بالمناخ؛ وإدماج هدف تحييد أثر الكربون في جميع عمليات اتخاذ القرارات الاقتصادية والمالية؛ ويجب على البنوك أن توائم إقراضها مع هدف الوصول إلى الصفر، كما يجب على مالكي الأصول ومديريها نزع الكربون من محافظهم.
التعهدات الدولية بالحياد الكربوني
وكجزء من اتفاقية باريس للمناخ المبرمة عام 2015، اتفقت الدول على الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية والحد من زيادة درجة حرارة الأرض في هذا القرن إلى درجتين مئويتين، قياسا بعصر ما قبل الثورة الصناعية، ومتابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية.
وقبل قمة المناخ التى عقدت افتراضيا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2021، وقعت الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، اتفاقا على أن تخفض بحلول 2030 انبعاثاتها بنسبة 55 %على الأقل، من أجل تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050.
ووصف نائب رئيس الاتحاد الأوروبي فرانز تيمرمانس, الاتفاق الأوروبي على تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، بأنه “لحظة تاريخية للاتحاد الأوروبي وإشارة قوية للعالم قبل قمة المناخ”.
وقال في تقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية في 21 أبريل 2021، إن هذا الاتفاق يضع أجزاء من اتفاق باريس للمناخ لعام 2016 في إطار تشريعي ملزم، مما يعزز طموح الاتحاد الأوروبي لقيادة العالم في هذه القضية.

بريطانيا..
أصدر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بيانا قبل القمة قال فيه إن تحركاتنا كقادة يجب ألا تكون مدفوعة بالخجل أو الحذر، بل بالطموح الواسع، متعهدا بأن توقف بريطانيا في أسرع وقت ممكن الدعم المالي، لمشاريع الوقود الأحفوري في الخارج، كما تعهد أيضا بأن تسعى حكومة المملكة المتحدة بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بنسبة 68 بالمئة على الأقل بحلول عام 2030
الصين..
تهدف الصين بوقف الارتفاع في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فيها بحلول سنة 2030 وتحقيق الحياد الكربوني بحلول سنة 2060. وبينما توصف الصين حاليا بأنها أكبر مصدر لانبعاثات الكربون في العالم، فإن نجاحها في الوصول إلى هذا المعدل، يعني أنها ستكون في أقل من 40 سنة قد نجحت في التحول من أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم إلى تحقيق التوازن في انبعاثاتها. وجاء هذا التعهد على لسان الرئيس الصيني في الاجتماع الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة.
الولايات المتحدة..
وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة تتراوح بين 50 و52% بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2005، ويمثل هذا الهدف ضعف التزام واشنطن السابق تقريبا بتخفيض 26% إلى 28% من الانبعاثات بحلول عام 2025، وسيسمح هذا الهدف للاقتصاد الأمريكي بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
نيوزيلاندا..
قالت رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن، إن بلادها تهدف إلى تحقيق حياد الكربون بحلول عام 2050، عبر مجموعة من الإجراءات، منها أنها ستدخل قانونًا هذا العام لاستيراد سيارات نظيفة لخفض الانبعاثات، كما ستقوم الحكومة بخفض انبعاثات الوقود عبر قطاع النقل لديها، وستشتري فقط حافلات النقل العام عديمة الانبعاثات اعتبارًا من عام 2025.
وكالة الطاقة الدولية.. وفي مايو 2020، قالت الوكالة، وهي أكبر هيئة للطاقة في العالم، في تقريرها بعنوان “صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050″، إنه لا ينبغي للمستثمرين تمويل مشاريع إمدادات النفط والغاز والفحم الجديدة بعد هذا العام.
كوريا الجنوبية..
في سبتمبر 2021، قال الرئيس الكوري الجنوبي “مون جيه-إن”، إن كوريا الجنوبية ستزيد معدات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بأكثر من ضعف مما هو عليه بحلول عام 2025، مؤكدا أن الحكومة تبذل جهودا لانتقال الطاقة.
السعودية..
قال ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في أكتوبر 2021، إن المملكة تتعهد بتخفيض الانبعاثات الكربونية بمقدار 278 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، وهو ما يمثل “تخفيضاً طوعياً لأكثر من مستهدفاتنا المعلنة المقدرة بنحو 130 طناً سنوياً”، كما أعلن عن “انضمام المملكة للتعهد العالمي بشأن الميثان الذي يستهدف تخفيض الانبعاثات العالمية من الميثان بنسبة 30%”.
الأردن..
أكد رئيس جمعية التنمية للإنسان والبيئة في الأردن أحمد الشريدة، أن المملكة تقوم بجهود لتوفير الكثير من مقومات التنمية المستدامة، ترتكز على رؤيتها لعام 2030، و وأضاف أن تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060 خطة طموحة، بدأت المملكة تعد لها قبل سنوات من خلال التوجه نحو الاقتصاد الأخضر، والاعتماد على الطاقات المستدامة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية وغيرها من الطاقات النظيفة، رغم كونها من الدول النفطية الكبرى.
الإمارات..
في نوفمبر 2021، صادقت دولة الإمارات على إعلان قادة جلاسكو “COP26” بشأن الغابات واستخدام الأراضي، والذي يلزم الدول بالتعاون والعمل الجماعي لوقف فقدان الغابات وإعادة تأهيلها وتدهور الأراضي بحلول 2030، وتحفيز الحراك العالمي نحو التنمية المستدامة.

قمة جلاسكو..
حثت أحدث مسودة للبيان الختامي لقمة المناخ (كوب 26) التى عقدت في مدينة جلاسكو الاسكتلندية في نوفمبر 2021، الدول الغنية على مضاعفة تمويلها لمساعدة الدول النامية على التكيف مع آثار تغير المناخ من مستويات عام 2019 بحلول عام 2025.. وأبقت المسودة على إشارة بشأن التخلص التدريجي لاستخدام طاقة الفحم والدعم غير الفعال للوقود الأحفوري.
وتعهدت عشرات الدول بتخفيض انبعاثاتها من الكربون، بموجب اتفاقية باريس لعام 2015 بشأن تغيّر المناخ، فيما التزم عدد أقل من الدول بالوصول إلى “صافي الصفر” من انبعاثات الكربون، مثل المملكة المتحدة وفرنسا، التي كانت أول الاقتصادات الكبرى التي تُصدِر تشريعات لتحقيق “صافي صفر” من انبعاثات الكربون بحلول عام 2050.