د.عبير عبدالعاطي أحمد: الأصول الوراثية وتحقيق الأمن الغذائى
أستاذ مساعد- مركز البحوث الزراعية

إن الاتجاه الحديث لدول العالم الآن هو الحفاظ على الأصول الوراثية ومنعها من الاندثار، نظرا للعديد من الأزمات التى تواجه العالم ، ومنها التغيرات المناخية وندرة المياه.
تبلغ مساحة مصر حوالى مليون كم مربع، وتقع فى المنطقة الجافة فى شمال افريقيا وغرب اسيا ، بالإضافة إلى أن معظم مساحة مصر صحراء، ونسبة هطول الأمطار السنوية ما يعادل أقل من 50 ملى.
تعانى مصر أيضا من بعض المشاكل التى تحتم عليها الاهتمام، والحفاظ على الموارد الوراثية المتبقية مثل الرعى الجائر واستصلاح الاراضى، زيادة ندرة المياة خاصه مع الازمات الاخيرة حول الصراع الدائر على نهر النيل، زيادة ملوحة الاراضى الزراعية ، إستبدال الاصناف المحلية بالانواع التجارية، نقص القوانين التى تحفظ الموارد الوراثية وتحميها من الانقراض، استخراج الموارد الوراثية للخارج ،التوسع العمرانى .
لذلك يجب الاهتمام بالموارد الوراثية وحفظها وذلك لتحسين التباين الوراثى وإنتاج أصناف مقاومة للظروف البيئية المعاكسة مثل ما يواجهه العالم الان من تغيرات مناخية وغيرها بجانب النهوض بالتنمية الزراعية والمحافظة على البيئة وتحقيق الاستدامة.
التعريف الأمثل للأصل الوراثى : Genetic Resource
هو مورد وراثى ( نباتى أو حيوانى أوكائنات دقيقة) مختلف على المستوى المورفولوجى والجزيئى ويتميز بقيمة اقصادية ذات صفات مميزة .
أهمية الاصول الوراثية النباتية:
تعتبر النباتات البرية والسلالات المحلية والأصناف القديمة التى ليست لها استخدامات اقتصادية من ناحية الكم والنوع هى مصدرا نادرا لجينات نادرة تستخدم كميزة تنافسية (كجينات الأقلمة).
التكنولوجيا والملكية الفكرية وأثارها على الموارد الوراثية النباتية:
بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت الأهمية النسبية للتكنولوجيا مما طرح مفهوم التنمية المستدامة والتى تهدف إلى الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة خاصة الموارد الوراثية النباتية.
منذ الستينيات شكلت بعض الدول حملة شرسة لجمع وحفظ وتصنيف الموارد الوراثية لاستغلالها وازداد هذا الاتجاه مع العولمة واتفاقية التربس TRIPS، وتقدم العلوم التكنولوجية والبيولوجية مما أدى إلى ظهور حقوق الملكية وبراءة الاختراع، ايضا لصاحب التكنولوجيا الحق الاستئثارى فى المنع والسماح باستخدام التكنولوجيا و أصبحت التكنولوجيا سلعة يدفع لها مقابل مادى.
فى التسعينيات تم إنشاء منظمة التجارة العالمية وأثناء ذلك تسارعت الدول المتقدمة وغيرها لعضويتها والالتزام باتفاقياتها ومنها إصدار أو تعديل القوانين المحلية بما يتفق مع حماية الملكية الفكرية.
فى الماضى كانت الخطورة أن الدول النامية لا تملك القدر الكافى من التكنولوجيا الحديثة التى تملكها الدول المتقدمة فى تطوير مواردها الوراثية وحمايتها والمحافظة عليها .
ولكن الان مع زيادة تطور بعض الدول النامية وزيادة الوعى بأهمية الاصول الوراثية النباتية اصبح الاتجاه الحديث هو كيف تستفيد هذه الدول من مواردها الوراثية وكيفية الحفاظ عليها.
اتفاقية التنوع الحيوى CBD:
هى اتفاقية عالمية تهتم بالحفاظ على التنوع البيولوجى، ولكن لم تذكر فى بنودها تأكيدا لحقوق الملكية الفكرية لمركز المنشأ أو حقوق الملكية الفكرية للمجتمعات والجماعات والكيانات الجغرافية أو المحلية والمعرفة التقليدية والممارسات المحلية التى ساهمت فى حفظ المورد الوراثى عبر الأجيال والقرون. وبذلك أصبحت الموارد الوراثية ملكية استئثارية.
الصعوبات التى تواجه الدول النامية فى الحفاظ على موارها الوراثية :
مازال يوجد بعض الدول النامية النى لم تعطى اهتمام كافى للأصول الوراثية كمورد اقتصادى يمكن تطويره.
تحت القيود القانونية للمعاهدات الدولية وغياب الملكية الفكرية لدول المنشأ وكذلك غياب التشريعات الوطنية المحلية لاقتسام المنافع استمر استخراج تلك الموارد الوراثية بصورة مستمرة فى الدول النامية وذلك بطرق شرعية (اتفاقيات مباشرة غير محكمة بين مستخرج من دولة متقدمة ومعهد علمى بدولة نامية من خلال مشروعات بحثية مشتركة) أو بطرق غير شرعية (جمع عينات ايكولوجية أو بيولوجية وتصديرها تحت غطاء ما).
الموارد الوراثية المصرية:
لقد من الله على مصر بثروة هائلة من التنوع الحيوى والموارد الوراثية النباتية والحيوانية نتيجة الموقع الوراثى المتميز وامتداد أطرافه فى مناطق بيئية متباينة ، وقد تم حصر حوالى 2112 نوعا نباتيا و 170 من تحت الأنواع تقريبا.
الواقع المصرى:
قامت مصر بإنشاء البنك القومى للجينات من اجل جمع وحفظ ما تبقى من موارها الوراثية ولكن هذا ليس كافى نظرا لقلة الامكانات المادية ، ندرة التعاون بين العاملين فى مجال التنوع البيولوجى ، عدم وجود نشاط استراتيجى للأصول الوراثية المصرية يحمى الأمن القومى ، عدم كفاية التشريعات التى تنظم الحصول على الموارد الوراثية واقتسام عوائد استغلالها.
مصر أيضا مثل أى دولة نامية تواجه انفجار سكانى بصورة متزايدة ولذلك كان للثورة الخضراء أثر كبير وسريع فى تنمية وحماية الأمن الغذائى وفى مقابل ذلك دفع التوازن البيئى ثمنا غاليا وكذلك التنوع الوراثى بين المحاصيل حيث أدى الاعتماد على عدد محدود من الأصناف والهجن الحديثة إلى اختفاء وتراجع الأصناف البلدية القديمة والمتأقلمة للضغوط البيئية المحتلفة.
الاستراتيجية المصرية للمحافظة على الأصول الوراثية:
إن الاستراتيجية العامة للمحافظة على الأصول الوراثية هى جمع وحفظ وتوصيف وتقييم وتسجيل الأصول الوراثية وذلك للمحافظة على الموارد الوراثية النباتية ومنعها من الاندثار وتحسين التباين الوراثي اللازم للنهوض بالتنمية الزراعية مع العمل على تعزيز أهداف صيانة الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة واستخدامها المستدام مع المحافظة على البيئة والمشاركة فى تطوير القواعد المنظمة لاختيار وإنتاج وتوزيع التقاوي واعتماد الأصناف الجديدة وتبادل الموارد الوراثية النباتية والمسائل الخاصة بحقوق مربي النبات والملكية الفكرية.
وفى النهاية نستطيع ان نقول أن الأصول الوراثية هى ممثل للحضارة والأصالة ، فالاستخدام الأمثل للموارد الوراثية يحافظ على تنوعها فى بيئتها الطبيعية وغير الطبيعية باعتبار أن ما نملكه اليوم هو أمانة للاجيال القادمة لمواجهة القادم بالعالم .
وبذلك فإن المحافظة على الأصول الوراثية يعتبر مصدر هام للغذاء والكساء والدواء للوطن عبر المستقبل.