د.زينة عبد العزيز منير: مُهاجرو المُناخ فى أفريقيا.. حقائق وتحديات
دكتوراة فى السياسات البيئية– جامعة فرايبورج ألمانيا

لقد عانت أفريقيا من تبعات تغير المناخ لعقود طويلة، ومن المفارقة أنه بينما تسببت البلاد الأفريقية فى الحد الأدنى من غازات الدفيئة المسؤولة عن ارتفاع درجات حرارة الأرض (حوالى 3% قفقط من إجمالى انبعاثات الكربون عالميا) , يواجه ما يصل إلى 118 مليون من أفقر سكان القارة الظواهر الجوية المتطرفة مثل الفيضانات والجفاف والتصحر وارتفاع منسوب مياه البحر.
بالإضافة إلى ذلك، تعد البلدان الأفريقية من بين الأقاليم الأقل قدرة على التكيف مع تغير المناخ في العالم، و خصوصا أن الأنشطة الإقتصادية الرئيسية فى أفريقيا مثل الزراعة التى تعتمد على توافر الأراضى الزراعية الخصبة و وفرة الأمطار تتأثر تأثرا بالغاً بالعوامل المناخية المتغيرة.
وتتوقع منظمة الأغذية و الزراعة أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تغير أنماط هطول الأمطارمما يؤدى إلى تسريع معدل التصحر و انحسار الأراضي الصالحة للزراعة، وانخفاض غلة المحاصيل و اضطراب السلاسل الغذائية بطريقة تعرض الأمن الغذائي فى أفريقيا للخطر.
فى هذا الإطار تشير منظمة الغذاء و الزراعة أنه في عام 2020، عانى أكثر من واحد من كل خمسة أشخاص في أفريقيا من سوء التغذية الحاد ولم يتمكنوا من تأمين احتياجاتهم الغذائية – وهي ضعف نسبة الجياع في أي منطقة أخرى – ويعاني إجمالا حوالي 282 مليون من سكان أفريقيا من نقص التغذية.
وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أدت الأحداث المناخية القاسية المتعاقبة في عام 2022 إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وزيادة عدد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية الحاد إلى 123 مليون شخص (12 في المائة من سكان أفريقيا جنوب الصحراء).
أما في غرب أفريقيا، تشير تقديرات الأمم المتحدة الى تعرض أكثر من 27 مليون شخص إلى سوء التغذية بسبب مزيج من العوامل التى تشمل الجفاف والفقر وارتفاع أسعار الواردات الغذائية و التصحر والنزوح والصراعات على موارد المياه و الموارد الطبيعية الأخرى.
تغير المناخ : سبباً جديداً للهجرة داخل أفريقيا و خارجها
وفي ظل هذه الآثار الوخيمة لأزمة المناخ، من المتوقع أن يهاجر المزيد من البشر في أفريقيا داخل و عبر الحدود.
وفي عام 2022، أدت الكوارث المناخية إلى نزوح 305 آلاف شخص جديد في منطقة شمال أفريقيا، بزيادة قدرها 30 بالمائة مقارنة بالعام السابق و فقا للتقرير العالمي حول النزوح الداخلي الصادر العام الحالى.
ويزداد معدل الهجرة فى الأقاليم الأكثر جفافا فى أفريقيا حيث بلغ اجمالى عدد المهاجرين بسبب المناخ في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 2.6 مليون مهاجر في عام 2021، ومن المتوقع أنه بحلول عام 2050، سيتم نزوح ما يصل إلى 38.5 مليون شخص في منطقة جنوب الصحراء الكبرى فى أفريقيا بسبب الأحداث المناخية المتقلبة وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.
و تشير المنظمة الدولية للهجرة أن تغير المناخ و غيرها من الكوارث البيئية لا يساهم فقط فى أعادة تشكيل أنماط الهجرة فى القارة السمراء, و لكن أيضا يسبب توافد أعداد متزايدة من المهاجرين إلى تفاقم الأوضاع الإقتصادية المتدهورة للمجتمعات المحلية و ازدياد الإنقسامات الإجتماعية و اشتعال الصراعات على الموارد الطبيعية القليلة المتاحة للمجتمعات المُضيفة و النازحين الجدد.
فى هذا الإطار يشيرالمراقبون إلى أنه في حين أن الحرب الأهلية في نيجيريا اندلعت بصفة أساسية بسبب الصراعات من أجل السيطرة على موارد النفط, إلإ أن هناك دوافع أخرى ساهمت فى استمرار هذه الحرب و هى الصراعات بين المجتمعات الزراعية والرعوية على المراعي الخصبة وآبار المياه الصالحة للشرب في البلاد.
وتشير منظمة العفو الدولية إلى أن أكثر من 3600 شخص قد لقوا حتفهم في الفترة من 2016 إلى 2018 كضحايا اشتباكات مُسلحة بين المزارعين والرعاة في نيجيريا على الأراضي والمياه و المراعي.
مهاجرو المناخ و استجاية المجتمع الدولى: سياسيات غير متناسقة و حلول قصيرة المدى
وعلى الرغم من هذا الزخم المتزايد للهجرة الناجمة عن تغير المناخ في أفريقيا، فقد جاءت استجابة المجتمع الدولى دون مستوى خطورة أزمة مُهاجرو المناخ فى القارة السمراء.
صحيح أنه تم تطوير عددا من السياسات لإحتواء أزمة الهجرة الناجمة عن الكوارث الطبيعية و تم دمج الإعتبارات البيئية فى عدد من البرامج التنموية المتعلقة بغوث و مساعدة اللاجئين .
الإ أنه مازالت هذه الحلول عاجزة عن احتواء أزمة النزوح الجماعى بسبب كوارث المناخ فى القارة . و هناك مجموعة من العوامل التى تحول دون الوصول إلى حلول شاملة و ناجزة لأزمة مُهاجرى المناخ و هى كالتالى:
أولا: من الناحية القانونية: لا يوجد تعريف متفق عليه قانونًا للهجرة البيئية، ويُرى أن مجموعة متنوعة من المصطلحات مثل لاجئي تغير المناخ، ولاجئي البيئة، ومهاجري المناخ تستخدم من قبل بعض الأكاديميين ووسائل الإعلام.
هناك إجماع على أن العوامل البيئية يمكن أن تدفع إلى الهجرة، لكن هذه المصطلحات وخاصة استخدام مصطلح “لاجئ” لها بعض الإشتراطات بموجب القانون الدولي، كما جاء في “اتفاقية جنيف” لعام 1951 التي تنص على أن وضع “اللاجئ” يعتمد على وجود الإضطهاد ولا يُمكن اعتبار العوامل البيئية اضطهادًا في حد ذاته.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العوامل البيئية ليس لها طابع تمييزي وتؤثر على الأشخاص بغض النظر عن عرقهم أو دينهم أو جنسيتهم أو رأيهم وإلا فإنها ستكون جزءًا من تعريف اللاجئ الذى عادة ما يُعانى من التمييز بناءً على خمسة أسس تقليدية ؛ الدين والجنسية والعرق والانتماء إلى فئة اجتماعية معينة والرأي السياسي.
يمكن أن يُعزى الافتقار إلى تعريف عالمي للهجرة البيئية جزئيا إلى مجموعة من الثغرات وأوجه القصور.
على سبيل المثال، صعوبة فصل العوامل الأخرى المُسببة للهجرة عن العوامل البيئية؛ رفض اعتبار المشرعون الدوليون الهجرة البيئية نوعا مستقلا بذاته من الهجرة؛ و الافتقار إلى نهج متعدد التخصصات لدراسة الروابط بين البيئة والهجرة .
أما فى أفريقيا, فقد قام الإتحاد الإفريقي بإدخال تعديلات على “نظام السياسات العامة للهجرة فى أفريقيا” عام 2016 ليشمل تسع قضايا رئيسية متعلقة بأزمة الهجرة و هى : هجرة اليد العاملة؛ إدارة الحدود؛ الهجرة غير النظامية؛ التهجير القسري؛ حقوق الإنسان للمهاجرين؛ الهجرة الداخلية, بيانات الهجرة؛ الهجرة والتنمية؛ والتعاون والشراكات بين الدول.
أما الهجرة بسبب تغير المناخ أو الكوارث البيئية فلم يتم ذكرها كأحد القضايا الريئسية و الحاسمة و إنما تم التعرض لها فى التعديلات بإعتبارها أحد العوامل الرئيسية للهجرة و النزوح فى القارة و ضرورة توفير استراتيجيات تُمكن الدول الأعضاء من التعامل مع أزمة الهجرة البيئية من خلال دمج الإعتبارات البيئية فى السياسات المحلية القائمة.
ومع ذلك ، يفتقر الإطار إلى مقترحات محددة و أجراءات ملموسة حول كيفية تحقيق الأهداف المرجوة و ماهى المهام التى يجب القيام بها من قبل الأطراف الفاعلة و القائمة على مواجهة الأزمة و كيقية اشراك هذه الأطراف بطريقة فاعلة دون أضاعة الوقت و تشتت الجهود.
ثانيا: من ناحية الموارد اللازمة للقيام بأنشطة التخفيف و التكيف مع تغير المناخ
تشير تقارير الأمم المتحدة أنه من أجل أن تتمكن الدول الأفريقية مت الوفاء بتعهداتها لخفض انبعاثات الكربون تماشيا مع اتفاقية باريس للمناخ، ستحتاج أفريقيا إلى تمويل مناخي إجمالي قدره 2.5 تريليون دولار أمريكي بين عامي 2020 و2030، وهو ما يمثل أكثر من 93٪ من الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا.
كما تشير التقديرات أنه من المتوقع أن يُكلف التكيف مع تغير المناخ فى القارة ما لا يقل عن 250 مليار دولار سنويا.
لكن للأسف بلغ إجمالي تدفقات تمويل المناخ في أفريقيا لعام 2020 30 مليار دولار أمريكي فقط.
وعلى الرغم من أن أنشطة و برامج التكيف مع المناخ تحوز على القدر الأكبر من اجمالى تدفقات تمويل المناخ في أفريقيا، فمن المقدر أن يبلغ قيمة اجمالى التمويل المخصص فعليا للتكيف حتى عام 2030 أقل من ربع الاحتياجات المٌقدرة من قبل الدول الأفريقية ، مما يسبب فجوات تمويلية كبيرةلجهود مكافحة تغير المناخ فى أفريقيا.
على سبيل المثال، إذا استمر تمويل التكيف بنفس المعدل، فإن تشاد، وهي الدولة الأكثر ضعفاً في العالم والأقل قدرة على التكيف مع مخاطر تغير المناخ، ستعاني من أكبر فجوة تمويلية للتكيف مع عدم تلبية 95% من متطلباتها المالية بحلول عام 2030.
و مع استمرار عدم وفاء الدول المتقدمة بإلتزاماتها المالية لدعم أنشطة التكيف مع تغير المناخ فى القارة الأفريقية, سوف تعجز الدول الأفريقية عن احتواء آثار التغير المناخى أو تقديم الدعم اللازم لمساعدة مواطنيها الذين سوف يضطرون للهجرة بحثا عن سبل العيش الآمن فى مناطق أخرى أقليميا أو دوليا.
ثالثا: اعتماد الإقتصادات الإفريقية على قطاعات اقتصادية شديدة الحساسية للآثار البيئية الناجمة عن تغير المناخ مثل الزراعة و الصيد.
و تشير نتائج تقرير التنمية الاقتصادية في أفريقيا لعام2022 أنه على الرغم من الجهود المبذولة منذ عقود من أجل تنويع الإقتصادات الإفريقية، لا تزال 45 دولة من أصل 54 دولة في القارة تعتمد على صادرات المنتجات الأولية في الصناعات الزراعية والتعدينية والاستخراجية.
ويوضح التقرير: “إن الاعتماد على صادرات السلع الأساسية جعل الاقتصادات الأفريقية عرضة للصدمات العالمية وأعاق التنمية الشاملة فى القارة” .
إن تحقيق التنمية المستدامة فى القارة و استغلال الإمكانات الإقتصادية الكامنة فى أفريقيا من خلال تقديم الخدمات المتطورة مثل تكنولوجيا المعلومات و الخدمات المالية و رفع القيود أمام تجارة الخدمات عموما ، وتعزيز المهارات البشرية ذات الصلة و إتاحة التمويل البديل للمشروعات الصغيرة و متوسطة الحجم يُمكن أن يدفع النمو الاقتصادي والتحول الهيكلي في أقتصاد أفريقيا مما يجعله أكثر مرونة و قدرة على الصمود أمام تأثيرات تغير المناخ .
كما يشير تقرير التنمية الإقتصادية أن اسراع الدول الأفريقية بإدخال مكونات عالية المعرفة والتكنولوجيا سوف يساعدها على تصنيع وتصدير سلع وخدمات أكثر تعقيدا بدلا من السلع الأولية و ربط هذه الخدمات بالقطاعات الإقتصادية الأخرى و خاصة الصناعات التحويلية.
مهاجروا المناخ: انعكاسا لأزمة معقدة الجوانب و حلولا ممكنة
هناك اهتمام محدود بدراسة و استجلاء العلاقة بين تغير المناخ والهجرة البشرية فى أفريقيا التى طالما تحملت أعباء تغير المناخ دون أن تتسبب فيه بصفة أساسية.
و بالرغم من محاولات العلماء و وسائل الإعلام بتسليط الأضواء على تلك المشكلة المتفاقمة تبقى القواننين الدولية قاصرة على تقديم تعريف موحد للاجىء البيئي و تقديم الحماية القانونية و الإنسانية اللازمة لهولاء الأنماط من اللاجئيين.
و مما يزيد من تعقد المشكلة هو بقاء أسبابها الرئيسية المتعلقة بعدم القدرة على وقف الإنهيار المٌناخى أساسا حيث تتباطىء أنشطة التخفبف و التكيف مع التغيرات المناخية فى أفريقيا فى ضوء عدم وفاء الدول الكبري بإلتزاماتها المالية تجاه أفريقيا.
و تظل الدول الأفريقية حبيسة هذه الدائرة المفرغة من أزمات بيئية غير قادرة على احتواء آثارها الإقتصادية و الإجتماعية مما يدفع سكانها للهجرة بحثا عن حياة أكثر أمنا و أقتصادا يٌلبى احتياجاتهم المعيشية فى مناطق أخرى – تٌعانى أيضا من الفقر و التوترات الأمنية و العرقية- فتُصبح الهجرة سببا آخر لمزيد من الصراعات و الأنقسامات فى القارة التى طالما عانت من الإستعمار و نُهبت مواردها تحت شعارات عدة على مر العقود!
لمواجهة هذه الأزمة لابد من تكثيف الجهود على ثلات جبهات رئيسية: تعديلات قانونية دولية و اقليمية تعترف بوجود اللاجئيين البئيين و تضمن حقوقهم الإقتصادية و الإجتماعية و الإنسانية و خصوصا أثناء عملية الهجرة و بعد نزوحهم إلى مقاصدهم.
كذلك لابد من وفاء الدول لمتقدمة بتعهداتها المالية لدعم أنشطة مكافحة تغير المناخ فى الدول الأفريقية و أن يُقدم هذا الدعم في صورة منح و قروض ميسرة و ليست ديون .
و على الدول الإفريقية الإسراع بوتيرة التنمية الإقتصادية و التحول الهيكلى لإقتصاد القارة بما يجعله أكثر مرونة و قدرة على الصمود فى أوقات الأزمات و توفير سبل العيش الكريمة للمواطنين الأفارقة