وجهات نظر

د.طارق قابيل: ذكري ميلاد أشهر مذيع معني بالتاريخ الطبيعي في العالم

كاتب ومترجم- عضو هيئة التدريس بكلية العلوم- جامعة القاهرة

يحتفي برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) والمهتمين بصون الطبيعة حول العالم اليوم بذكري ميلاد مناصر البيئة السير ديفيد أتينبورو (David Attenborough)، وهو من مواليد من مواليد 8 مايو 1926.

وكان البرنامج قد منحه من قبل “جائزة أبطال الأرض” عن فئة إنجاز العمر، وذلك لتفانيه في البحث والتوثيق والدعوة لحماية الطبيعة واستعادتها.

وتحتفل هذه الجائزة بالأبطال الذين يقومون بعمل جريء من أجل عالمنا، بدءا من الأبطال الذين يتمتعون بالقواعد الشعبية وقادة الشركات وصولا إلى رواد السياسة.

السير ديفيد أتينبورو هوَ صانع وثائقيات ومُذيع تليفزيوني وكاتب وبيئي بريطاني من لندن. نشأ ديفيد في إنكلترا وبدأ عمله كمُحرر لكتب الأطفال العلمية، ثم حاولَ لاحقاً الالتحاق بهيئة الإذاعة البريطانية، التي تمكن من العمل عندها كمُنتج أفلام وثائقية.

وظلَّ يَترقى بعدها حتى حصل على منصب موجه في قناة بي بي سي تو، وبعدَ ذلك عملَ على عدد من الإنتاجات الوثائقية، حتى أصدر أخيراً في عام 1979 وثائقيَّ الحياة على الأرض الذي افتتح به سلسلة الحياة الشهيرة والتي كانت قفزة نوعية في تاريخ إنتاجاته الوثائقية.

أنتج وقدم ديفيد خلال العُقود التسعة التي عاشها عشرات الوثائقيات المُختلفة، وكانت أبرزها هيَ سلسلة الحياة ذات الأجزاء التسعة، التي بدأها بُثلاثية من ثلاث بَرامج تتحدث بشكل عام عن خواص الحيوانات الأحيائية، ثم أصدر 6 أجزاء أخرى أكثر تخصصاً تتحدث عن مجموعات وبيئات مُحددة للحيوانات خصوصاً الفقاريات.

كان آخر إنتاج لديفيد هوَ وثائقيُّ مدغشقر، ويَعمل حالياً على وثائقي جديد عن الاحتباس الحراري بعُنوان الكوكب المُتجمد.

طفولته وتعليمه

نمى ديفيد في غرفة داخلية ضمن حرم جامعة ليستر، فقد كان وَالده «فريدريك آتينبارا» مدير الجَامعة.

وكان ديفيد هو الابن الأوسط من بين أبناء فريدريك الثلاثة (والاثنان الآخران هُما ريتشارد آتينبارا – أخوه الأكبر – الذي أصبحَ مُخرج أفلام وجون مايكل آتينبارا – أخوه الأصغر – الذي أصبح مُديراً في نادي ألفا روميو.

قضى ديفيد طفولته في جمعِ الأحافير والحجارة والعينات الأخرى من الطبيعة. وقد تَلقى تشجيعاً على القيام بهذه الأعمال عندما كان في السَّابعة، حيثُ أعجبت بعيناته العالمة الآثارية «جاكويتا هووْكس».

وبَعدَ ذلك ببضع سنوات، أعطته وَاحدة من أختيه بالتبني حجر كهرمان مليئاً بأحافير لكائنات صغيرة قبل تاريخية، وبعدَ هذه الحادثة بـ50 عاماً أصبح ذاك الحجر هوَ موضوع وثائقيِّ ديفيد آلة زمن الكهرمان.

وعندما كان السير ديفيد أتينبورو صبيًا، أمضى الكثير من وقت فراغه في التنقل بين المحاجر المهجورة في الريف الإنجليزي، وهو في يده مطرقة.

فريسته: الأمونيتات المتحجرة، الرخويات الحلزونية الشكل التي عاشت في زمن الديناصورات.

بالنسبة لأتينبورو الصغير السن، كانت الحفريات مثل الكنوز المدفونة وكان مندهشًا لكونه أول من نصب أعينه عليها منذ عشرات الملايين من السنين.

تعلم ديفيد في «مدرسة نحو ويغستون للبنين» في ليستر، ثم حاز منحة دراسية لتلقي التعليم في كلية كلير، كامبريدج عام 1945، وهناك درسَ علم الحيوان والجيولوجيا وحصلَ على درجة في العُلوم الطبيعية.

وقد أصبحَ ابنه «روبرت آتينبارا» مُحاضراً عالي الشأن في علم الإنسان الحيوي في «مدرسة علمي الآثار والإنسانية» التابعة لجامعة أستراليا الوطنية في كانبرا.

أشهر مذيع معني بالتاريخ الطبيعي في العالم

وجدير بالذكر أن أتنبورو تخرج من جامعة كامبريدج في عام 1947 وحصل على شهادة في العلوم الطبيعية، لكنه سرعان ما اكتشف أنه يفتقر إلى المهارات اللازمة للحياة كباحث. وهكذا، شق طريقه إلى هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تمامًا عندما بدأ استخدام التلفزيون إلى المنازل.

وكان أول ظهور تلفزيوني له في 21 ديسمبر 1954، في مسلسل Zoo Quest، وهو مسلسل متنقل قدم إلأى البريطانيين مخلوقات غريبة، مثل إنسان الغاب وتنانين كومودو.

كان أتينبورو إداريًا ومقدمًا موهوبًا بنفس القدر، وقد ارتقى في المناصب صفوف هيئة الإذاعة البريطانية الوطنية (بي بي سي)، وتولى في النهاية منصب رئيس بي بي سي الثانية. كان هناك حيث كلف بإعداد سلسلة برامج Monty Python Flying Circus، من بين سلاسل أخرى.

لكن الإدارة لم تناسبه حقًا، وفي عام 1973 استقال أتنبورو من منصب ترأس بي بي سي الثانية للعودة إلى تقديم الأفلام الوثائقية.

ستكون النتيجة سلسلته الأساسية عام 1979، الحياة على الأرض، وهي ملحمة تتتبع تاريخ عالم الكائنات الحية، من الميكروبات الأولية إلى البشرية.

واستمر المسلسل لمدة ثلاث سنوات وسافر أتينبورو مسافة 1.5 مليون ميل أثناء التصوير. من خلال نطاق المسلسل وطموحه، ستعيد الحياة على الأرض تعريف الأفلام الوثائقية للتاريخ الطبيعي وشاهدها حوالي 500 مليون مشاهد.

على مدى العقود الثلاثة التالية، كتب السيد أتينبورو وقدم ثمانية أفلام وثائقية عظيمة أخرى، التي لفت من خلالها انتباه العالم إلى ما يسميه ’’أعجوبة الطبيعة المذهلة‘‘.

ومع ذلك، شهد السيد أتنبورو، طوال حياته المهنية، انهيار العالم الطبيعي. بينما زاد الوجود البشري، انحسر تواجد الطبيعة. لقد أدى النشاط البشري إلى تغيير ثلاثة أرباع سطح الأرض وتعريض مليون نوع لخطر الانقراض.

وقال أتنبورو في ختام فيلم الكوكب الحي عام 1984: ’’بالرغم من قوتنا الهائلة اليوم، من الواضح أيضًا أننا سنكون أكثر قوة غدًا‘‘. ’’من الواضح أننا يمكن أن ندمر العالم. إن بقاء [الأرض] المستمر يعتمد الآن علينا جميعاً‘‘.

اليوم، يمكن القول إن أتنبورو، البالغ من العمر 97 عامًا، هو أشهر مذيع معني بالتاريخ الطبيعي في العالم. وخلال مسيرته المهنية التي بدأت مع التلفزيون، كتب وقدم بعضًا من أكثر الأفلام الوثائقية تأثيرًا على حالة الكوكب، بما في ذلك سلسلة الحياة التي امتدت لعقد من الزمن والمكونة من تسعة أجزاء.

مع ما أسمته صحيفة نيويورك تايمز ’’رواية بصوت الرب‘‘ والفضول الكبير، قضى أتنبورو 70 عامًا في الكشف عن جمال العالم الطبيعي – وكشف التهديدات التي يواجهها.

وخلال مسيرته، قدم أتنبورو لمئات الملايين من المشاهدين رؤية لمستقبل أكثر استدامة.

وكتب سيمون بارنز عالم البيئة والمؤلف: ’’إذا كان العالم، حقًا سيُنقذ، فعندئذ سيكون لأتينبورو علاقة بإنقاذه أكثر من أي شخص آخر عاش على الإطلاق‘‘.

العمل العلمي والإذاعيّ

بعد أن ترك ديفيد البحرية البريطانية أصبح يَعمل في تحرير كُتب الأطفال العلمية لصالح دار نشر.

لكن سُرعان ما بدأ يُحس بخيبة الأمل والإحباط من طبعية عمله، ولذا ففي عام 1950 قدم طلباً للالتحاق بوَظيفة مُنتج برامج راديوية عند هيئة الإذاعة البريطانية.

ومع أن طلبهُ هذا رُفض، فقد لفتت سيرته الذاتية لاحقاً انتباه «ماري آدمز» التي كانت آنذاك رئيسة قسم الإذاعات (الإذاعة الحية) في إدارة تلفاز هيئة الإذاعة البريطانية حديثة الإنشاء.

وفي ذلك الوقت كان ديفيد – مثل مُعظم سكان بريطانيا من الطبقة العادية – لا يَمتلك تلفازاً، ولم يَكن قد شاهدَ سوى برنامج تلفزيونيّ وَأحد في حياته قبل ذلك.

وبالرغم من ذلك فقد وَافق على عرض ماري بأخذ دورة تدريبية لمُدة 3 أشهر، وفي عام 1952 أصبحَ أخيراً مُوظفاً بدوام كامل عند هيئة الإذاعة.

وقد ثُبط في البداية من الظهور على شاشة التلفاز بعد أن رأت ماري أن أسنانه كبيرة جداً، ولذا فقد أصبح مُنتجاً في قسم الإذاعات، والذي كانت جَميع إنتاجاته بَعيدة عن مجال الخيال العلمي.

ومن مَشاريعه الأولى في ذلك الوَقت البرامج القصيرة «الحيوان» و«الخضار» و«المعدن؟» و«صائد الأغاني» (وهيَ سلسلة عن الموسيقى الفلكلورية أنتجها آلان لوماكس).

أما دربُ ديفيد مع برامج التاريخ الطبيعي فقد بدأ عندما أنتجَ وقدَّمَ سلسلة من ثلاثة أجزاء بعُنوان «سلوك الحيوانات».

وقد عرَضَ البَرنامج – المُصور داخلياً في الاستوديو – حيوانات من حديقة لندن معَ عالم الطبيعة جوليان هوكسيلي وهوَ يُناقش استخدامها للتمويه والإشارات التحذيرية وعُروض المُغازلة خلال التزاوج.

وقد التقى ديفيد أثناء هذا البرنامج «جاك ليستر» وهوً وصيّ بيت الزواحف في حديقة لندن، وقرَّرا أن يَصنعا معاً سلسلة من البَرامج عن بعثة لجَمع الحيوانات.

وكان ما صَناعه هوَ برنامج «بحث حديقة الحيوان» الذي أذيع للمرة الأولى في عام 1954، وقد قدم ديفيد جزءاً منه لأن جاك كان مريضاً في ذلك الوَقت.

في عام 1957 كانت قد أُسست وحدة التاريخ الطبيعي في هيئة الإذاعة البريطانية في بريستول.

ولذا فدُعيَ ديفيد للالتحاق بها، غير أنه رَفض لأنه لم يَشأ ترك عائلته المُتجذرة في لندن والإقامة وحده.

وبدلاً من الانضمام إلى وحدة التاريخ الطبيعيِّ قرَّرَ أن يُنشأ قسمه الخاص، وهوَ «وحدة السفر والبعثات» التي أتاحت له إكمالَ عمله على برامج بحث حديقة الحيوان بالإضافة إلى وثائقيات أخرى منها «حكايا مُسافر» وسلسلة «مُغامرات».

في مطلع الستينيات استقال ديفيد من أعماله الدَّائمة معَ هيئة الإذاعة البريطانية لكيْ يُكمل دراساته العُليا في علم الإنسانية في كلية لندن للاقتصاد (واستفادَ لاحقاً من دراسته هذه بتصوير المَزيد من البَرامج العلمية).

لكن بالرغم من ذلك، فقد قبل عرضاً من هيئة الإذاعة بعدَ ذلك بفترة للعَودة إليها والعَمل كمُوجه في قناة بي بي سي تو قبل أن يَتمكن من إنهاء دراسته.

الإدارة في هيئة الإذاعة البريطانية

أصبح ديفيد في شهر آذار/مارس عام 1965 مُوجهاً في قناة بي بي سي تو. ولاحقاً في العام نفسه صوَّرَ فلماً عن الفيلة في تنزانيا، ثم أعدَّ سلسلة من ثلاثة أجزاء عن تاريخ بالي الثقافي.

وصور بعد ذلك فلم «فراغ في الخريطة» عام 1971، ولكي يُصورَ هذا الفلم فقد ذهَبَ في أول بعثة غربية تُرسل إلى وادٍ معزولٍ في غينيا الجديدة للبحث عن قبيلة غير مُتصلة بالعالم الخارجيّ.

بالرغم من أن بي بي سي تو أطلقت في عام 1964، فقد ظلَّت تُكافح حتى ذلك الوَقت لجذب اهتمام الناس. لكن عندما أصبح ديفيد مُوجهاً فيها بدأ يُغير من هذا سريعاً.

فقد بدأ يُعد حقيبة من البرامج والوثائقيات كجُزء منَ المهمة التي أخذها على عاتقه لجعل إنتاجات بي بي سي تو مُتنوعة ومُختلفة عن إنتاجات القنوات الأخرى.

فتضمن جدول بَرامجه الأسبوعيّ كل شيء من المُوسيقى والفنون والتسيلة والكوميديا إلى العلوم والآثار والتاريخ الطبيعي مُروراً بالسفر والدراما والرياضة والأعمال.

وقد حصلت بَرامجُ ديفيد هذه على المَزيد من الاهتمام والأفضلية عندما أصبحت البي بي سي تو أول قناة بريطانية تُذاع بالألوان في عام 1967.

العودة إلى الإذاعة

بعد أن استقال ديفيد من عمله بالدوام الكامل مع هيئة الإذاعة البريطانية في عام 1972 للتفرغ لبرامجه بحُرية، أصبحَ مُذيعاً مُستقلاً وبدأ على الفور بالتجهيز لمَشاريعه الخاصة المُستقبلية.

فقد رتب رحلة له إلى إندونيسيا مع طاقم من وَحدة التاريخ الطبيعي في هيئة الإذاعة، وصوَّر خلالها سلسلة «إلى الشرق مع آتينبارا» التي أذيعت في عام 1973، وقد كان أسلوبها مُشابهاً لسلسلة «بحث حديقة الحيوان» القديمة ولو أنها لم تتضمن نُقطة جمع الحيوانات.

وخلال عودته من تلك الرحلة، بدأ بالعمل على نُصوص بَرنامج الحياة على الأرض، الذي سيَكون في المُستقبل أول جزء من سلسلة الحياة الكبيرة.

ولكن نظراً إلى مُستوى طموحه ببرنامج الجديد، فقد قررت هيئة الإذاعة البريطانية أن تتعاون مع قناة أمريكية لتأمين التمويل اللازم.

وفي الأثناء التي كانت تُجري فيها القناتان التفاوضات معاً عملَ ديفيد على مجموعة أخرى من المَشاريع التلفزيونية، فقد قدَّمَ سلسلتي العين القبلية و«المُستكشفون» في عام 1975، وقدم أيضاً سلسلة أخرى للأطفال عن علم دراسة الحيوانات الخفية بعنوان «حيوانات خُرافية» في العام ذاته.

وفي آخر الأمر، وَقعت هيئة الإذاعة البريطانية على اتفاقية تعاون مع قناة إذاعة ترنر الأمريكية للبدأ بإنتاج برنامج الحياة على الأرض في عام 1976.

سلسلة الحياة

في عام 1979 صدَرَ لديفيد برنامج الحياة على الأرض، وبسبب النجاحِ العالي الذي حَققه هذا البَرنامج فقد بدأت هيئة الإذاعة البريطانية بدراسة المُضي قدماً في العمل على سلسلة من البرامج المُشابهة.

وبعد 5 سنوات من ذلك، أذيع برنامج الكوكب الحي للمرة الأولى.

وفي هذه المرة جعل ديفيد محوَرَ بَرنامجه مَوضوع علم البيئة وتكيف المخلوقات الحية مع بيئاتها، وقد حقق البرنامج هوَ الآخر نجاحاً كبيراً ومبيعات عالية.

وفي عام 1990 صدَرَ آخر برنامج من ثلاثية ديفيد الأصلية عن الحياة، وهوَ تجاربُ الحياة، والذي تناولَ علم سُلوك الحيوان خلال مَراحل حياته المُختلفة. وقد لاقت السلسلة اهتماماً كبيراً في الوَسط الشعبي.

تابعَ ديفيد لاحقاً في أوائل التسعينيات عملهُ على سلسلة الحياة وإنتاج المَزيد من وثائقياتها.

فقدم برنامج الحياة في المَناطق المُتجمدة عام 1993، وكانت تلك هيَ أول سلسلة تلفزيونية تتناول تاريخ قارة أنتاركتيكا الطبيعيّ.

ومع أن ديفيد بلغَ عند هذه المَرحلة سن التقاعُد، فقد بدأ بالعمل على سلسلة من الإنتاجات الأكثر تخصصاً عن الطبيعة افتتحها بالنبات.

ففي عام 1995 أصدر وَثائقيّ حياة النباتات الخاصة، الذي عرَضَ النباتات كمخلوقات ديناميكية باستخدام فن تصوير إسراع الزمن لتسريع مَشاهد نموِّها.

مشاريع حالية

بالرُغم من بلوغ صانع الوَثائقيات ديفيد آتينبارا عقده التاسع فلا زال يَعمل على المَزيد من المَشاريع في الوَقت الحاضر لصالح قناتي هيئة الإذاعة البريطانية وسكاي للإذاعة.

وفي الفترة الحالية يَكتب ديفيد ويُقدم برنامجاً بعُنوان الكوكب المُتجمد، وهيَ سلسلة كبيرة من هيئة الإذاعة البريطانية يُفترض أن تتناول تأثير الاحتباس الحراري على البشر والحياة البرية في المنطقة القطبية.

وقد أنهى العمَلَ حديثاً أيضاً على وثائقيين للبي بي سي تو، والأول منهما هوَ مدغشقر (الذي أذيعَ للمرة الأولى أسبوعياً بين يومي 9 و23 فبراير عام 2011) وتناولَ الحياة البرية الفَريدة في جزيرة مدغشقر الأفريقية، بينما رافقهُ وثائقي بعُنوان «آتينبارا والبيضة العملاقة» (الذي أذيع للمرة الأولى في يَوم 3 مارس) وهوَ يَتحدث عن بيضة طائر فيل كان قد اكتشفها ديفيد في أول بعثة تصوير له إلى مدغشقر في الستينيات.

أعلى تكريم بيئي تمنحه الأمم المتحدة

حاز السير ديفيد أتينبورو على جائزة كالينغا لتبسيط العلوم من منظمة اليونسكو (1981) مناصفة مع الأمريكي دينيس فلاناغان.

واعترفت الأمم المتحدة بتأثير أتينبورو الضخم على الحركة البيئية العالمية، ومنحته جائزة أبطال الأرض في فئة إنجاز العمر.

وتعد الجائزة هي أعلى تكريم بيئي تمنحه الأمم المتحدة وتحتفي بأولئك الذين كرسوا حياتهم لمعالجة أزمات مثل تغير المناخ وفقدان الأنواع والتلوث.

وقالت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، عندما قامت بمنح الجائزة إلى أتينبورو: ’’لقد كنت مصدر إلهام غير عادي لكثير من الناس‘‘.

’’لقد تحدثت عن الكوكب قبل وقت طويل من فعل أي شخص آخر وما زلت تواصل بذل جهودك التي لا تعرف الكلل‘‘.

إلى جانب عمله في وسائل الإعلام، يعد السير ديفيد أتينبورو أحد الأصوات الرائدة في الحركة البيئية العالمية.

وقد شارك في قمم تاريخية، مثل مؤتمر تغير المناخ بباريس عام 2015، حيث دعا إلى جهد عالمي موحد لمكافحة التهديدات التي تتعرض لها الأرض.

وقد تعاون أيضًا مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة لمدة أربعة عقود على الأقل، حيث أعطى صوته لسلسلة من الحملات والأفلام القصيرة التي سلطت الضوء على جهود المنظمة لمواجهة أزمة المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث.

ويأتي هذا العمل مدفوعاً بالاعتقاد بأنه لا يوجد بلد بمفرده يمكنه حل المشاكل البيئية لكوكب الأرض.

وقال أتينبورو لدى قبوله جائزة أبطال الأرض في فئة إنجاز العمر التي يمنحها برنامج الأمم المتحدة للبيئة: ’’”نحن نعيش في عصر لا تكفي فيه القومية ببساطة‘‘.

’’يجب أن نشعر أننا جميعًا مواطنون في هذا الكوكب الواحد. إذا عملنا معًا، يمكننا حل هذه المشكلات‘‘.

أظهرت أفلام السير أتنبورو للعالم أن الموارد الطبيعية ليست لانهائية ، وأن الطبيعة حساسة ويجب حمايتها ، وأن البشرية تتحرك بشكل خطير بعيدًا عن الطبيعة.

وفي منتصف التسعينيات من عمره، وجه السير أتنبورو كلمة إلى قادة العالم في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في غلاسكو، اسكتلندا.

قال: ’’نحن بالفعل في مأزق‘‘. ’’هل هكذا ستنتهي قصتنا؟ قصة أكثر الأنواع ذكاءً محكوم عليها بهذه الخاصية البشرية للغاية المتمثلة في الفشل في رؤية الصورة الكبيرة من أجل السعي وراء أهداف قصيرة المدى.‘‘

لكن، كما هو الحال دائمًا، كانت كلمات أتينبورو مليئة بالتفاؤل.

أحد الموضوعات المتكررة في أفلامه هو أنه على الرغم من الحالة الأليمة للكوكب، إلا أنه لا يزال بإمكان البشرية التراجع عن الضرر الذي تسببت فيه.

قال في عام 2020 في سلسلة ’’حياة كوكبنا‘‘، في نظرة إلى الوراء على حياته المهنية ’’ليس كل شيء قاتمًا‘‘.

’’لدينا فرصة لتعديل مسارنا إلى المسار الصحيح، وإكمال رحلتنا التنموية ولكي نصبح نوعًا متوازنًا مع الطبيعة مرة أخرى.

كل ما نحتاجه هو الإرادة للقيام بذلك.‘‘

في هذا الفيلم نفسه، يقدم حلاً للتصالح مع الطبيعة.

يتعلق الأمر برفع مستوى المعيشة في أفقر البلدان من أجل كبح النمو السكاني، واعتماد الطاقات النظيفة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، واستهلاك المزيد من الطعام النباتي، وتقدير ثروات الكوكب بصورة أكبر، والتخلي عن الوقود الأحفوري

وقال: ’’إذا اعتنينا بالطبيعة، فإن الطبيعة ستعتني بنا‘‘. “لقد حان الوقت الآن لأن يتوقف نمو البشرية ببساطة، لتأسيس الحياة على كوكبنا بالتوازن مع الطبيعة، لبدء الازدهار.‘‘

أدى عمل أتنبورو ونشاطه إلى حصوله على لقب فارس (مرتين) وأصبح يحمل الاسم نفسه لعشرات الأنواع، من Attenborosaurus (أحد الزواحف التي تسبح في عصور ما قبل التاريخ) إلى نبات نبنتس Attenborough’s Nepenthes.

في السنوات الأخيرة، واصل أتنبورو سرد أفلام وثائقية عن التاريخ الطبيعي، وحصل على ترشيحين لجائزة إيمي في عام 2021 (لقد فاز بثلاث جوائز إيمي وثمانية جوائز BAFTA في حياته المهنية).

وعلى مدى عقود، طلب قادة العالم إلى أتنبورو التوصل إلى حلول للأزمات العالمية، وهو الأمر الذي قد أثار حماسه.

وفي عام 2015، زار أتنبورو البيت الأبيض للتحدث مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وقد سأل الرئيس أوباما أتنبورو عن سبب ’’افتتانه العميق‘‘ بالعالم الطبيعي.

وقد أجاب أتنبورو: ’’لم أقابل قط طفلاً ليس لديه اهتمام بالتاريخ الطبيعي‘‘، ربما يتذكر أتنبورو الأيام التي كان يبحث فيها بنفسه عن الحفريات في الريف الإنجليزي.

’’لكن السؤال هو بالأحرى كيف يمكن أن نفقد هذا الاهتمام‘‘.

السير ديفيد أتينبورو

تابعنا على تطبيق نبض

Comments

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: