وجهات نظر

د.معتز محمد أبو زيد: العدالة المناخية.. هل يقر Cop27 قانون دولي إلزامي؟

قاض – محاضر مواد القانون العام "خبير تشريعات حقوق الانسان "

التنظيم القانوني

تزدحم العديد من الأنشطة والفعاليات السابقة أو المصاحبة لمؤتمر الأطراف لقمة المناخ COP27 بمدينة شرم الشيخ 2022 وهو ما يعطي زخما اعلاميا و مجتمعيا حول هذا الموضوع و نوايا صادقة لدعم و انجاح هذه الفعالية الهامة في دورتها الحالية واستشراف تأثيرها وما وصلت إليه من نتائج و اثار في دورات انعقاد المؤتمر القادمة باذن الله .

ومن الضروري الوقوف على أرض صلبة في حالة التفاعل مع هذا الحدث و التواصل على ذات الجدوى والهدف ، فالدورة الحالية لمؤتمر COP27 انما هي نتاج سلسلة من المؤتمرات والتي عقدت تباعا تنفيذا للاتفاقية الاطارية للأمم المتحدة حول المناخ ، ولا شك أن في كل دورة انعقاد للمؤتمر كل عام نتيجة جديدة ومرحلة تصل اليها هذه الجهود لدعم مواجهة التغير المناخي.

وربما تكون المهمة الملقاة على عاتق الدول المجتمعة هذا العام في مدينة شرم الشيخ بمؤتمر COP27 هي تنفيذ وتفعيل آخر ما توصلت اليه الدول في مؤتمر COP26 والذي عقد في جلاسكو باسكتلندا العام الماضي من مشاركة دول العالم، وخاصة الدول المتقدمة والتي استفادت من العديد من الأنشطة الاقتصادية واستخدامات الطاقة في نهضتها الاقتصادية في دعم ومساعدة دول العالم النامية أو الفقيرة في مواجهة ظواهر التغير المناخي لديها والتي كان سببها الانبعاثات الكربونية و حالات الاحتباس الحراري الناتجة عن الأنشطة سالفة البيان والتي تعاني منها حاليا الدول النامية و تعيق فرصتها في الوصول الى مرحلة النمو الاقتصادي .

وقد انتهت الدول المشاركة في مؤتمر جلاسكو COP26 إلى وجوب نجمل المسئولية التاريخية والسياسية والقانونية تجاه هذه الأزمة ومساعدة الدول النامية بالتعويضات المادية اللازمة لتجاوز هذه الأزمة ولعل ذلك كان من أهم المداخل إلى فكرة العدالة المناخية التي تعتبر محور عمل مؤتمر COP27 هذا العام بمدينة شرم الشيخ .

على ما تقدم فان الوصول إلى التزام دولي على الدول المتقدمة أو حتى الدول النامية هو أمر لابد له من تأثير وتوجهات قوية في الرأي العام العالمي، لأن يدفع دولة بكامل إرادتها للتوقيع على هذه الاتفاقيات وتلتزم بها، وتستمر على ذلك انطلاقا من مجرد التزام أخلاقي أو سياسي لمواجهة أزمة ما، وهو ما لا يكفي عادة في المجتمع الدولي لقيام التزام حقيق، خاصة في ظل نظام عالمي لا يمك إنكار ما به من مصالح ودوافع نحو أي إجراء تتخذه أي دولة بجانب فكرة السيادة التي تدعم أي دولة أو نظام سياسي، وهو ما يمكن للدول أن تتذرع به في حالة عدم الالتزام بأية اتفاقات.

حيث أنه لا يمكن لحد أن يجبر دولة ما على تنفيذ التزام معين ما لم تتجه نية الدولة وسياستها وسيادتها إلى احداث و تنفيذ هذا الالتزام ، وهي قواعد عامة ومعروفة ومستقرة في العلاقات الدولية بين دول العالم وربما تجد تبريرا لها عند التزام الدول أو عدم التزامها بهذه الاتفاقيات عندما يكون الامر متوقفا على التزام سياسي أو مالي على أي دولة .

ولعل انعقاد مؤتمر الأطراف COP27 بمدينة شرم الشيخ إنما هو تجسيد لفكرة التعاون الدولي التي يعتمد عليها الكثير في انفاذ مبادئ مواجهة التغير المناخي على مستوى العالم، وهذا يؤدي بالقطع إلى أن مواجهة هذه التغيرات المناخية على المستوى الدولي انما هي توضيح لعمومية المشكلة، وتعدد أطرافها فعلى الرغم من اختلاف تأثير هذه التعيرات المناخية على الدول المختلفة بحسب موقعها الجغرافي أو نوع المواجهة التي تصادفها بشأن التغير المناخي.

إلا أن جميع دول العالم مشتركة في التعرض إلى ظواهر التغير المناخي، بدءا من أزمات الطاقة العالمية بين استخدام الوقود الاحفوري و مصادر الطاقة المتجددة أو مصادر الطاقة الخضراء المستحدثة الى مشكلات التنوع البيولوجي، والتأثير على صحة وسلامة الجنس البشري وما قد تواجهه باقي الكائنات الحية من خطر النفوق أو الانقراض أو الازالة الى مشكلات الاقتصاد الأخضر، وكيفية العمل على تخفيض الانبعاثات وما يؤثره ذلك على نسبة المياه في تكوين كوكب الأرض وتآكل الشواطئ والأقاليم السياحية وصولا إلى ما تعانيه بع دول العالم من تأثير على الأمن المائي والغذائي، وما يهدد حقوق الأجيال القادمة في هذا الشأن.

ان العمومية في قواعد التنظيم لدولي ليست وحدها كافية للاعتماد عليها بشأن تفضيل الطريق الدولي لمواجهة أزمة تغري المناخ، وإنما ما تتمتع القواعد الدولية من مرونة وتنوع لالزام الدول وتشجيع مشاركتها في مواجهة أزمات تغير المناخ قد يجعل حقل القانون الدولي هي الأرض الخصبة لبذور المسئولية المشتركة والجماعية في مواجهة التغيرات المناخية عن طريق دول العالم .

فمراحل التعامل مع قواعد القانون الدولي بداية من التوقيع على الاتفاقيات الدولية ثم تصديق برلمانات الدول الموقعة على هذه الاتفاقيات فتصير هذه الوثائق الدولية نافذة وملزمة للدول مثل قوانينها وتشريعاتها الوطنية بجانب حق الدول في إبداء التحفظات وتحديد كيفية التزامها بتنفيذ الاتفاقيات الدولية ومراحل هذا التنفيذ انما هو حل متميز لهذه المشكلات بما يتناسب مع طبيعة المشكلة ، واتساعها على الصعيد الدولي وما يمكن التعامل من خلاله مع دول العالم والزامها بمسئوليتها المشتركة في ضوء ما تتمتع به كل دولة من ارداة و سيادة .

وبجانب ما تقدم فان السعي والتحرك الدولي سواء من خلال تحرير الاتفاقيات الدولية و دعمها ببروتوكولات تنفيذية لبيان كيفية تنفيذ هذه الاتفاقيات أو من خلال عقد المؤتمرات والمحافل الدولية لمتابعة ما توصلت اليه الدول الأطراف في مراحل التنفيذ وما يقرروه للمراحل القادمة لمواصلة واستدامة التنفيذ والنتائج سيؤدي في الهاية الى الوصول الى قواعد ملزمة ومبادئ حاكمة لتحركات دول العالم نحو مواجهة ظواهر التغير المناخي، وهو من الأهمية بمكان لعمل مرجعية وتوثيق لهذه المجهودات التي سيتم البناء عليها لما هو قادم من مراحل او ما هو أخطر من ذلك إعداد معايير لتحديد المسئوليات و نطاق مشاركة كل دولة وتحديد جوانب التقصير التي تؤكد المسئولية الدولية على عاتق الدولة وما قد يتخذ حيال هذا التقصير من اجراءات .

ويتعين هنا توضيح أن أفكار العدالة المناخية ووجود نص قانون دولي يمكن الاعتماد عليه لمواجهة ظواهر التغير المناخي لا يمكن استخدامها لتكريس فكرة عقوبة الدول التي سبقت في أنشطة اقتصادية معينة أو العمل على التشفي من خلفيات سياسية و نزاعات مستقرة بين أقطار القوة في العالم ، وانما يجب إفراغ القضية من أبعادها السياسية الضارة وتوجيه استغلال هذه التجمعات الى تحقيق النتائج الايجابية ودعم فكرة المسئولية المشتركة التي هي أساس المواثيق الدولية و التعاون الدولي والذي ترعاه الأمم المتحدة و الذي سيقدم طريقا أفضل لتحقيق النتائج المرجوة من انعقاد مؤتمر الدول الأطراف هذا العام .

ومما لا شك فيه أن أزمة الطاقة العالمية ومشكلات الغذاء واجتياح بعض الأوبئة ومعاناة جميع دول العالم من هذه الآثار ستخلق مساحات مشتركة للتفاهم والتعاون حول انفاذ مبادئ التغير المناخي بين الدول الأطراف ، وأن الحفاظ على فكرة العدالة المناخية ومحاولة تطبيقها بما فيها من مراعاة للبعد الآدمي وارتباطها بحقوق الإنسان أساسها الأخلاقي ستكون من أفضل القواعد التنظيمية التي ستشير إلى اختلاف طبيعة القواعد التنظيمية عندما يتعين وضع قواعد قانونية لمواجهة ظواهر التغير المناخي .

فضلا عن أن التخصص العلمي والتسارع الذي تنمو به مشكلات التغير المناخي يعطي دلالة على ضرورة مواجهة هذه الظواهر بقواعد فنية و متخصصة عالية وسريعة في إصدارها وتنفيذها وهو ما قد ينبئ بظهور قواعد جديدة ذات وتيرة أسرع من التشريعات والاتفاقيات الدولية في صورتها المعتادة ويكون على عاتق الدول الوصول إلى طريقة لجعل هذه القواعد ملزمة وأن تجد حظها من التنفيذ الفعلي.

إن اتساع نطاق تطبيقات العدالة المناخية نحو قواعد التنظيم الدولي لما تتمتع به من مشاركة ومرونة واتساع لا يغني عن تمهيد البيئة القانونية الداخلية لاستقبال ما يسفر عنه التحرك الدولي، إذً أنه دائما المقر الأخير لتفعيل القواعد الدولية وبيان جدواها والطريق الموازي لنجاح القاعدة الدولية ووعي وعلم الأفراد بها وتطبيق سلطات الدول لها داخليا، وهو ما يزيد من مسئوليات الدولة، وأبعاد مشاركتها مع دول العالم و يزيد كذلك من التزاماتها الداخلية على المستويات الرسمية وغير الرسمية بانفتاح الوعي اللازم بضرورة دعم التحرك نحو مواجهة مشكلات التغير المناخي، والذي سيقدم حلولا أيسر و أكثر فاعلية .

تابعنا على تطبيق نبض

Comments

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: