
باتت قضايا البيئة من أهم القضايا التي تحظى باهتمام الدول التي تسعى إلى تحقيق أمنها القومي، إذ تعتبر الدول أن استدامة الموارد والمحافظة عليها من أهم الأدوات التي تحقق التنمية المستدامة.
وأصحاب العقول المستنيرة يعلمون علم اليقين أن أمن بلادهم القومي يبدأ من الداخل، يبدأ من وعي أفراد المجتمع بقضايا البيئة الداخلية والخارجية ووضع حلول لها؛ لذا باتوا يسعون لصياغة الوعي الإداري وتشكيله بشكل عام والتربوي بشكل خاص؛ من خلال توظيف العديد من المبادرات التي تنادي بخضرنة السلوك الإداري والمهارات الوظيفية للمشاركة بفاعلية في أنشطة تدعم البيئة.
وقد لاح في أفق المداخل الإدارية مدخل جديد للإدارة يسمى الإدارة الخضراء والتي عرِفَت بأنها:”الإدارة الإنسانية الإيجابية التي تركز على احترام الإنسان والتحاور معه لمعرفة تطلعاته وتوقعاته والعمل على تحقيق رفاهيته والمحافظة على الموارد من أجله وأجل مصلحته.
الإدارة الخضراء
وتعد الإدارة الخضراء وسيلة لتحقيق هدف وليس غاية في ذاتها، لأنها تمثل إحدى القضايا الهامة ألا وهي الاستدامة والتي تَعني “التفكير في المستقبل وتشكيله للأجيال القادمة”.
وتقوم الإدارة الخضراء على الاستثمار في رأس المال الفكر البشري إذ تعتَبِر العاملين أصولًا يجب رعايتها والحفاظ عليها من خلال تنمية مهارات الأفراد ذوي الفكر الإبداعي والابتكاري للمشاركة الفعالة في استثمار الموارد المادية بما ينفع المجتمع واستغلال التنوع البيئي.
وتهدف الإدارة التربوية الخضراء إلى تحديد الأهداف الجماعية والقدرة على توجيه المجتمع للوصول إلى هذه الأهداف بالاشتراك مع الأفراد والمنظمات المختلفة، كما تركز الإدارة الخضراء على إدارة العلاقات وتعزيز سلوكيات قيادية أفضل من القيادة التقليدية.
خضرنة السلوك
ومن منظور علم النفس الاجتماعي نجد أن التوجه نحو خضرنة السلوك يحتاج إلى قائد يتحلى بالسلوكيات الخضراء ويجسدها لتعزيز السلوك الأخضر لدى أتباعه ومن ثم تصبح هُوية المؤسسة والخصائص المميزة لمن ينتسبون إليها.
فالقائد الأخضر يعمل على سبر أغوار المشكلات من أجل اقتلاعها من جذورها وعدم الاكتفاء بمعالجة أعراضها، كما يؤمن بأن المحاسبية مسؤولية أي مؤسسة تجاه المستفيدين منها لإنجاز مهامها والقيام بأدوارها مع الاستهلاك الرشيد لمواردها لتحقيق التحسين والتطور الفعال، بالإضافة إلى إيمانه بالتغيير كضرورة لتجديد الحياة الوظيفية وصولًا بها إلى مستويات أفضل تشبع حاجات موظفيه ومن يتبعونه، والتخطيط كاتجاه عقلي من أجل تنظيم العلاقات الإنسانية وتحقيق أكبر درجة من الاستدامة.
ومما سبق يمكن تحديد مفهوم القيادة الخضراء بأنها: “مجموعة من قيم العمل العميقة الصادقة في إحساسها بالإنسان والتعبير عنه، والقادرة على إضاءة جوانب فكره وتحريك طاقاته الكامنة ، خلاقة، ومبدعة تعكس دورها على ممارسة السلوكيات البيئية الأخلاقية السليمة وفهمه لأصولها.
وترتكز القيادة الخضراء على عدد من الأبعاد تتشابك وتتفاعل مع بعضها البعض لتميزها عن غيرها عن أنماط القيادة ليسهل تحديدها وقياسها والتعرف على مدى تأثيرها وتتمثل في:
– السلامة النفسية:
والتي تضمن حرية الرأي والتفكير والإبداع للعاملين، وبالتالي تعزيز ولاءهم تجاه المؤسسة التي يعملون بها ومن ثم تحسين أداءهم.
تنمية القدرات الإبداعية وتعزيز التنوع:
من خلال توفير التدريب الكافي لتحقيق الأداء المتميز للتمكن من ربط النظرية والتطبيق ومهارات العمل في فريق والاستثمار الأمثل لشبكة المعلومات الدولية كمصدر قوي للمعرفة وإدراك قيمة التدريب أثناء الخدمة وأهمية التدريب التحويلي.
توضيح الرؤية والغاية:
تزويد الموظفين بالمعلومات والموارد والفرص التي يمكن استثمارها لاتخاذ قرارات واضحة، ومساعدتهم على اكتشاف مكامن القوة لديهم لاستخدامها وإنمائها لصالح العمل، وغرس السلوك الأخلاقي الذي يقوم على العقل والضمير الذاتي لضمان الاستمرارية.
تقدم المسار:
من خلال التحديد الواضح لسلطات الموظفين والإداريين وتحسين النظام الرقابي المعمول به في المؤسسة ومراجعة التعليمات الإدارية القديمة والإجراءات التي تتعلق بالسلوك الأخلاقي وتقدير الأداء الأخلاقي المتميز كنموذج للآخرين.
العلاقات الفعالة والقيمة المضافة:
احترام حقوق ومصالح الآخرين يؤدي إلى زيادة الثقة في المؤسسة ويعزز من مكانتها لدى المتعاملين معها.
ونظرًا للتأثيرات السلبية للأزمات الاقتصادية والعالمية والمحلية تزايدت جهود الدول نحو توجيه أنظمتها التعليمية إلى ما يسمى بالتعليم الأخضر وقد ظهرت العديد من المسميات كالمدارس الخضراء والفصول الخضراء والمناهج الخضراء وهو مجال خصب تستثمر فيه كل دول العالم المتقدمة بل والأكثر غنى لتوفير موارد إضافية للتعليم من خلال الاستثمار الأمثل للموارد المادية والبشرية المتاحة.
وبما أن نوع الإدارة هو الذي يتحكم في حركة التعليم ويعكس أثره علي المجتمع وأن محاكاة القائد وسيلة أساسية للنهضة؛
لذا بات من الضروري تمكين قادة المؤسسات التربوية بمصر من مهارات القيادة الخضراء لتوسيع طاقات المعلمين وتبادل خبراتهم للوصول إلى وحدة الفكر بين أفراد المؤسسات بحيث يكون أداء الفرد منهم مؤشرا ودليلًا علي أداء المؤسسة ككل ويمكن تحديد مهارات القائد الأخضر في الآتي:
1- يسعى إلى تحقيق الأمن الوظيفي من خلال تطوير الأداء ورفع الروح المعنوية بين أعضاء المجتمع المؤسسي من خلال تأمله فى أداء موظفيه وتنمية ذكاءهم النفسي لتحقيق الرفاهية الوظيفية وجودتها من أجل خلق كوادر جديده قادرة علي القيادة المستدامة.
2- يشجع النمو المهني ومجتمعات التعلم والتعلم مدي الحياة.
3- يشجع الحوار البناء والاستماع الفعال.
4- يعزز العمل الجماعي المتنوع لتحقيق الابتكار والإبداع والتكيف مع البيئة المتغيرة.
5- يعزز الأفكار والممارسات الناجحة.
6- يلتزم بالمسؤولية المجتمعية.
7- يتبنى سلوكيات إيجابية ترسخ مفهوم المواطنة البيئية.
8- يساهم في رفع مستوى المعرفة والثقافة البيئية العامة للأفراد وتحفيزهم على المشاركة في اتخاذ القرارات ووضع الحلول المعنية بالشؤون البيئية.
9- يكسب الموظفين المهارات والآليات السليمة والمفيدة والصحيحة التي تساهم في الإصلاح البيئي من أجل استدامة الموارد.
10- يقترح أنشطة بيئية يُعدل من خلالها معتقدات وأفكار بيئية خاطئة.
11- يحقق الرؤية المشتركة.
واجبات القائدة الأخضر
بالإضافة إلى ما سبق فعلى القائد التربوي الأخضر أن يؤدي واجباته بكل جد وعناية وانتباه واحترام لوقت العمل، والأموال العامة وعدم استخدامها للمنافع الخاصة، واحترام القوانين المنظمة للحياة العامة، ومجابهة الفساد الذي يعد بمثابة إرهاب بارد ينحر في جسد المجتمعات التربوية.
وعليه أن لا يؤثر سلبًا على جودة المخرجات التعليمية، ومن ثم نوع القوة البشرية التي يتوقف عليها قدرة الدولة في تحقيق رؤيتها، وأن يعي أن الثمرة النهائية للنظام التعليمي هو إعداد مواطن صالح ناجح في حياته بشكل عام وسوق العمل المتغير بشكل خاص، وأن أفضل خدمة يمكن أن يقدمها هو تكوين وعي مرؤوسيه وتعليم أبنائه الطلاب أن الكفاءة ترتبط بدرجة الاستخدام الأمثل للإمكانات المتاحة والإنتاجية ترتبط بمقدار المخرجات من استخدام هذه الإمكانات.
وفي الختام يمكن تقديم نصيحة للقائد التربوي الأخضر عند اختيار المرشحين للعمل في مؤسسته باختيار من لديهم معرفة بيئية ومواقف إيجابية نحو البيئة، والأكثر استعدادًا للمشاركة الفعالة في مبادرات التوجه نحو الأخضر والأنشطة البيئية، وأن يضعها ضمن قائمة تقويمه للمعلمين، وأيضًا في مواصفات اختيارهم.