وجهات نظر

د.عبد الحكيم العلوي: الجريمة البيئية في عصر التغير المناخي

خبير الإنفاذ البيئي الدولي بمنظمة الجمارك العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة

تشير الدلائل الي أن الجرائم البيئية تتوسع بسرعة أكبر من الجرائم الأخرى، فهي وفقاً لأخر تقارير الرصد تدر أرباحاً تصل إلى 300 مليار دولار سنوياً.

والجرائم البيئية لا تعرض فقط الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي والصحة العامة للخطر، بل تتعدى هذا إلى تهديد الأمن الدولي.

وهي ترتبط بأنواع أخرى من الجرائم التقليدية، عن طريق تمويل النشاطات الإرهابية والإجرامية والفساد، وتزدهر في مناطق النزاعات المسلحة، حيث سلطة الدولة المركزية تكون ضعيفة.

وقد تحولت بعض مناطق الحروب إلى مكبات مفتوحة للنفايات النووية والكيميائية الخطرة، كما حصل في بلدان عربية غير مستقرة.

الجرائم البيئية هي النشاطات غير المشروعة التي تمس البيئة، وتعود بالنفع على أفراد أو مجموعات.

وتشمل التجارة بالأنواع البرية المحمية من نبات وحيوان، والاستغلال المفرط للغابات، والصيد غير المشروع في البحار والمحيطات، والمتاجرة بالنفايات السامة والمواد الخطرة، واستنزاف الموارد الطبيعية بما يفوق قدرتها على التجدد، وتلويث الهواء والتراب والمياه.

ومع أن الجرائم البيئية منتشرة في جميع أنحاء العالم، إلا أن بلداناً قليلة فقط أدخلتها بوضوح في التشريعات الوطنية، وحددت عقوبات رادعة لها، مما يسهل الإفلات من المحاسبة.

وقد حقق الاتحاد الأوروبي تقدماً كبيراً خلال العقدين الأخيرين في إدخال كثير من المخالفات البيئية ضمن الجرائم الجنائية التي يعاقب عليها القانون.

وترافق هذا مع تعزيز التعاون بين الجمارك في مراقبة حركة الشحن مع البلدان خارج الاتحاد الأوروبي وداخل دول الاتحاد، مع عدم حصر الاهتمام علي الممنوعات التقليدية مثل المخدرات.

وفي احدث استعراض لأخطار الجرائم البيئية على أوروبا، وأثرها المباشر على الأوضاع البيئية، إضافة الي أثرها غير المباشر علي الالتزامات المناخية البعيدة المدى.

وجد أن النشاطات البيئية غير المشروعة أصبحت تستقطب استثمارات متزايدة من شبكات إجرامية تقليدية، تسعى إلى تدوير أموالها القذرة في مجالات يصعب كشفها، تحت غطاء نشاطات صناعية وتجارية شرعية.

ومن هذا القبيل أن تتولى نقل النفايات الخطرة والسامة شركات تعمل تحت عنوان «إدارة النفايات»، فتقوم بالتخلص منها بدفنها في بلدان تفتقر إلى قوانين تمنع هذه الممارسات ويحكمها الفساد.

كذلك أن تعمد شركات للصيد البحري إلى استخدام أساطيلها لاستنزاف الثروة السمكية بما يفوق أضعاف الكميات المسموح بها.

وأيضاً إقدام شركات الأخشاب على قطع عشوائي لأنواع محمية، مما يتسبب بتدمير الغابات.

وتقوم علي تنشيط حركة التجارة الإجرامية هذه شركات نقل بضائع دولية تحمل تراخيص قانونية.

ومع ازدياد وتضاعف حجم الجرائم البيئية ، لم يعد من الصعب ربطها بالجريمة المنظمة.

وهذا يعود أساساً إلى التفاوت في الأنظمة القضائية بين الدول، وضعف خطر الانكشاف مقارنة بالجرائم التقليدية، وتدني العقوبات المفروضة عليها، رغم أرباحها الفاحشة. هذا كله يجعلها مغرية للشبكات الإجرامية.

لكن الأخطار المحدقة للتغير المناخي وضعت الجرائم البيئية أخيراً في سلم الأولويات، لأنها قد تتسبب بتدهور مناخي وبيئي يفوق النتائج المرجوة من تدابير خفض انبعاثات الكربون للحد من الاحتباس الحراري. ومن هنا تعاظم الاهتمام بالمسألة.

وقد توصلت أحدث التقارير الصادرة عن “اليوروبول” وهو الوكالة الأوروبية الإقليمية الموازية لمنظمة «الإنتربول» العالمية الي أن معظم الجرائم البيئية تقوم تحت غطاء مشاريع شرعية، منها تشغيل منشآت مرخصة لإنتاج وتخزين مواد ممنوعة لا يشملها الترخيص.

أما الشركات المرخصة بتصدير النفايات البلاستيكية من أوروبا، فتتواطأ مع الشركات في الدول الأخرى لتخفيض التكاليف ومضاعفة الأرباح، عن طريق عدم الالتزام بالشروط.

فقد تبين أن ثلث كمية نفايات البلاستيك المصدرة إلى دول آسيوية للمعالجة وإعادة التدوير تنتهي في المكبات العشوائية والبحار.

وعدا عن تصدير البلاستيك المستعمل إلى آسيا، تنقل شركات «إدارة» النفايات فضلات خطرة من غرب أوروبا إلى شرقها بهدف المعالجة، وفي أحيان كثيرة تخلطها بنفايات محظورة لمضاعفة الأرباح.

ومن النفايات المنقولة تحت غطاء التبادل التجاري السفن القديمة، التي تعمد بعض الشركات إلى إغراقها في المياه الدولية بعد تقاضي ثمن معالجتها وتدوير فضلاتها.

ويشمل هذا «التبادل» النفايات الإلكترونية، التي يتسبب تفكيكها وتذويبها، لاستخراج المواد الثمينة منها، بتلويث خطر في غياب معايير صارمة.

ومن أحدث المجالات التي تحاول شبكات الإجرام البيئي التسرب إليها تلك التي تقع تحت تصنيفات مثل «الأبنية الخضراء» و«صناديق الاستثمارات المستدامة».

فمن خلال هذه العناوين، يحاول هؤلاء استقطاب مستثمرين لِضَخ الأموال في مشاريع ذات عنوان بيئي، مثل الطاقة المتجددة والتطوير العقاري الأخضر، بينما قد تكون في حالات كثيرة نشاطات ملوثة تتستر بالبيئة للحصول على دعم حكومي واستقطاب الجمهور المهتم بالبيئة.

وتساعد في تمرير هذه المشاريع الشروط الفضفاضة للحصول على شهادات الأداء البيئي، مثل تصنيف كفاءة الطاقة أو معايير المواد العازلة في البناء، وهي شروط غامضة تتيح التلاعب.

ومن أبواب الفساد أيضاً الثغرات التي تسمح بسوء استخدام تجارة الانبعاثات الكربونية.

تحتل الجرائم البيئية اليوم الترتيب الرابع بين أنواع الجرائم في العالم، وهي تتقاطع مع شبكات الإجرام المنظمة التقليدية وتقدم غطاءً لها.

وقد كشف تقرير عن عملية سرية للشرطة أنه خلال اجتماع واحد بحثت عصابة للإجرام المنظم عمليات تتعلق بتهريب المخدرات، وتبييض الأموال، وتهريب حيوانات مهددة بالانقراض، وشحن أخشاب محمية، ونقل نفايات خطرة بأوراق مزورة.

تابعنا على تطبيق نبض

Comments

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: