وجهات نظرأهم الموضوعات

د.عاطف معتمد يكتب .. تغير المناخ..ذلك العنوان الخادع !

أستاذ الجغرافيا الطبيعية المساعد بكلية الآداب جامعة القاهرة

العالم الذي نعيش فيه يدعو للضحك ومسلي بطريقة كوميدية بائسة، استمعت إلى الكلمة التي وجهها بابا الفاتيكان لشعوب الأرض داعيا إياهم لبذل كل الجهود لوقف تغير المناخ. كلمة قداسة البابا لا تحدد أي جهة فاعلة، ولا تشير إلى مسؤول بعينه، بل هي على سبيل”أحبوا بعضكم بعضا”.

الأمر مثير حقا، بابا الفاتيكان يجلس أمام ميكروفون يقرأ بطريقة مدرسية من ورقة مكتوبة، ينطق الحروف والكلمات بشكل متعثر بما لا يترك مجالا للشك أن الرجل يقول كلاما لا يخرج من قلبه أو تصدقه روحه.
أول خدعة في قصة “تغير المناخ” هو عنوانه.

لا أحد يصدقني حين أقول إن جل مشاكلنا في اللغة ومراوغة المصطلحات. الذي صك مصطلح “تغير المناخ” إنسان داهية، كان واعيا بما يفعل، والذي نشره وأفشاه في كل وسائل الإعلام في العالم عبر العقود الماضية كان ماكرا وداهية أيضا.
يحمل مصطلح “تغير المناخ” في طياته أن مناخ كوكبنا يتغير من تلقاء نفسه، وأننا نواجه تغيرا في المناخ لأسباب طبيعية كونية ونحن ضحايا لها.

لا حقيقة البتة في هذا المضمون، العنوان الأصوب هو “إفساد مناخ الأرض على يد الدول الصناعية”.
ألم أخبرك أن العالم مسلي ومضحك؟ وإلا ما سبب دعوة زعماء وقادة دول العالم النامي المتأخر للمشاركة في قمة “تغير المناخ”؟

وحتى أوضح لك وجهة نظري سأضرب لك مثالا بدور الشعاب المرجانية في اقتصاديات الدول النامية.

تمثل الشعاب المرجانية ثروة بيئية ضخمة، تجلب مليارات الدولارات سنويا من عائدات السياحة، هذه الثروة لا تنضب، هذه الثروة ليست معرضة للنفاد مثل البترول والفحم والغاز، بل مورد دائم التجدد يمكنه أن ينقذ اقتصاديات الدول الفقيرة.
يؤدي “إفساد مناخ الأرض على يد الدول الصناعية” إلى ارتفاع درجة الحرارة بشكل أعلى من المعدل التاريخي الذي عاشته البشرية في تاريخها في آخر 200 سنة.

ارتفاع الحرارة قد يصل قريبا إلى 2 درجة مئوية أعلى من المعدل العام، كل ذلك بسبب إطلاق الدول الصناعية كميات ضخمة من الملوثات في مناخ الأرض بما يتسبب في ارتفاع درجة الحرارة.

لا يقف المناخ فوق الدول الصناعية دون غيرها بل يتحرك الهواء في دورة الغلاف الجوي حاملا ارتفاع الحرارة إلى الدول المدارية النامية الفقيرة التي يعيش اقتصادها على عائدات الشعاب المرجانية.

المرجان يحتاج لدرجة حرارة مثالية ويموت المرجان حين ترتفع الحرارة وتحل كارثة بيئية يسميها العلماء “ابيضاض المرجان”.
حين تبيض الشعاب المرجانية تفقد ثروتها البيولوجية وتفقد رونقها ولا تصبح مثيرة للغواصين والسابحين والسائحين، ينصرف السياح عن الشعاب المرجانية في الدول النامية، تفلس الدول النامية ويتوقف مصدر من مصادر ثروتها. تفلس الدول النامية ولم تطلق في مناخ الأرض أية ملوثات، تفلس الدول النامية وليس عندها ثروة صناعية كالتي تمتلكها الدول الغنية؟

أعرفت لماذا تحول الدول الصناعية دون انتشار الصناعة في الدول النامية؟ أعرفت لماذا يريدون عالم الجنوب عالما زراعيا رعويا بدائيا كما في كتب الأساطير واختفاء الديناصورات؟

ضربت لك مثالا واحدا بالشعاب المرجانية، هناك عشرات الأمثلة الأخرى لإفساد الدول الصناعية للبر والبحر والجو.

وحتى أكون منصفا، وحتى لا أكون ديماجوجيا أدغدغ مشاعر أبناء وطني من أهل الجنوب سأقول لك إن الدول الصناعية الغنية لم تتنكر من المسؤولية واعترفت حقا بما ارتكبته من جرائم في حق مناخ الأرض، وأعلنت أنها مستعدة لصرف بلايين الدولارات لتعويض الدول الفقيرة عن خسائر تغير المناخ بسب النشاط الصناعي. لكن حتى كتابة هذه السطور لم يحدث فعليا أي تنفيذ لهذه الوعود لم تصل أية أموال منها لشعوب الجنوب، ولو وصل فتات منها فسيكون في غير موضعه ولغير أهله.

نحن نعيش خديعة إنسانية متعددة الأركان، دعني أعطيك مثلا بالحرب في سوريا. يعرف كل من يعيش في هذا الأرض أن الحرب في سوريا صراع سياسي بحت، وصراع عرقي وديني وتدخل دولي إقليمي، يعرف الجميع أن الحرب يمكنها أن تقف في لحظة وتحقن دماء الأشقاء في سوريا إذا توقف اللاعبون الدوليون (روسيا –الدول الغربية – الولايات المتحدة- إسرائيل – دول الخليج العربية – إيران – تركيا) عن التدخل في الشأن السوري واجتمعوا على إيقاف هذا التفتيت والشرذمة المتعمدة لأحد أهم مواطن الحضارة في العالم، وتشريد أحد أهم وأذكي وأجمل شعوب الأرض.

ورغم كل ذلك، يخرج لك باحث عربي على شاشة فضائية يقول لك “الحرب في سوريا ناتجة عن التغير المناخي” !
ألم أقل لك إن الأمر شديد المكر والبؤس والخديعة؟!
يمضي الأستاذ الجامعي الذي يعيش في دولة عربية مساهمة في الصراع في سوريا بتكرير ببغائي لما تقوله المنظمات الدولية من أن الحرب في سوريا اشتعلت من إقليم “درعا” وهو إقليم كان يعاني من نقص في الموارد وصراع على مصادر الطعام، وقد جاء ذلك بسبب التغير المناخي.

يا أيها الحمقى.. اتركوا سوريا ولا تدمروها وهي تطعمكم وتقدم لك الموارد والغذاء لها ولأهلها من بقية شعوب الأرض!
ها أنا اطيل عليكم وآخذكم من فكرة لأخرى فيبدو الموضوع مترنحا لا خط له.

سأوجز قولي في أن الأمر ليس “تغيرا مناخيا” بل “ارتفاع في درجة حرارة الأرض ناجم عن تلويث الدول الصناعية للمناخ فتعاني منه الدول الفقيرة غير القادرة على مواجهة خسائر وتداعيات ذلك فيزداد سكانها فقرها وتتفاقم مشاكلها من جريمة بيئية لا يد لهم فيها”.

صحيح أن الدول الغنية تعاني من تغير المناخ – لأن كوكب الأرض كوكب واحد متحد – لكنها معاناة تشبه معاناة الأسر الغنية في مصر حين يتضررون من ارتفاع أسعار البنزين، فيضطر الواحد منهم أن يأخذ من مدخراته ويركب سيارته متوجها إلى محطة وقود فيجد بجواره هناك ميكروباص يتزود بالوقود أيضا وينظر من خلف الزجاج الرمادي فيرى الركاب يتنازعون مع السائق لأسباب رفع الأجرة دون يكون لهم أي ذنب فيما يحدث.

ينظر صاحبنا إليهم ويتمتم لنفسه بكل حكمة ووقار: “لو أنهم يتوقفون عن هذا الإنجاب المفرط كالأرانب المسعورة بالجنس، لو أنهم يتحضرون قليلا لأصبحوا مواطنين صالحين مثلنا يلبسون ثيابا مهندمة ويعيشون في نعيم مقيم في وطننا العظيم؟”

 

نقلا عن صفحة د.عاطف معتمد عبر الفيس بوك

تابعنا على تطبيق نبض

Comments

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: