د.طارق قابيل: الاقتصاد الحيوي الدائري في مصر.. الوضع الراهن وتحديات المستقبل
كاتب ومترجم- عضو هيئة التدريس بكلية العلوم- جامعة القاهرة

مفهوم الاقتصاد الحيوي الدائري أو الاقتصاد الدائري الحيوي هو مفهوم متكامل للاقتصاد الدائري والاقتصاد الحيوي.
بمعنى آخر، يشير إلى نهج منظم للنمو الاقتصادي يستخدم إنتاج الكتلة الحيوية من الموارد البيولوجية، ويسعى الاقتصاد الدائري إلى تقليل الاعتماد على استخراج الموارد الطبيعية الجديدة مع زيادة مقدار الوقت الذي تقضيه الموارد عبر دورات الاستخدام البديلة.
وقد أسعدني الحظ بالمشاركة في دراسة علمية حديثة نشرت مؤخرا، مع فريق بحثي علمي متميز من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا تحت قيادة الأستاذ الدكتور محمود صقر رئيس الأكاديمية، وبمشاركة كل من الدكتور محمد رمضان رزق مدير المرصد المصري لمؤشرات العلوم والابتكار، والباحثة الأستاذة ناهد سالم، بالإضافة لمشاركة خبراء عالميين من أيرلندا وإيطاليا.
وتقدم هذه الدراسة نظرة عامة نقدية للسياسات الحالية التي تحدد وتؤثر على تطوير الاقتصاد الحيوي الدائري في مصر.
كما تناقش الوضع الحالي للاقتصاد الحيوي الدائري في مصر، ودور اللاعبين المحليين في تبني الاقتصاد الحيوي الدائري، والتوجهات المستقبلية، والفرص والتحديات للاقتصاد الحيوي الدائري، والتدابير التي يمكن الاستفادة منها، وتناقش كيفية التركيز على الاقتصاد الحيوي في مصر كاقتصاد ذو قيمة اجتماعية وقادر على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
كما تعرض الدراسة الوضع الحالي لتطور الاقتصاد الحيوي الدائري في مصر، وناقشت الاتجاهات والإجراءات المستقبلية التي يمكن استخدامها في هذا الصدد بالإضافة لمناقشة الاتجاهات والتدابير المستقبلية التي يمكن استغلالها لتحقيق هذا الغرض، وتوصى الدراسة بالتركيز على الاقتصاد الحيوي كاقتصاد ذي قيمة مجتمعية من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة والاقتصاد الحيوي الدائري في مصر.
الاقتصاد الحيوي الدائري
يشير مفهوم الاقتصاد الحيوي الدائري إلى الطريقة المنهجية للتنمية الاقتصادية التي تتضمن الاستخدام المتتابع للكتلة الحيوية من الموارد البيولوجية، ويمكن أن يكمل الاقتصاد الحيوي الاقتصاد الدائري، وهو مفهوم يمكن أن يشمل الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بإنشاء وتطوير وإنتاج واستخدام المنتجات والعمليات البيولوجية للطاقة والمواد الكيميائية.
ويشمل الاقتصاد الحيوي جميع أنماط الإنتاج الأساسية، بما في ذلك القطاعات الصناعية والاقتصادية التي تستخدم الموارد والتقنيات البيولوجية لإنشاء منتجات وخدمات حيوية مع إنشاء أعمال ووظائف جديدة.
والاقتصاد الحيوي هو مجال ناشئ يركز على الاستخدام المستدام للموارد البيولوجية لخلق قيمة اقتصادية.
إنه قطاع سريع النمو، مدفوعًا بالتقدم في التكنولوجيا، وتغييرات السياسة، وطلب المستهلكين على المنتجات المستدامة.
وفي السنوات الأخيرة، كان هناك زيادة في الاهتمام بالاقتصاد الحيوي كوسيلة لتحقيق النمو الاقتصادي مع الحفاظ على البيئة.
تم استخدام مصطلح الاقتصاد الحيوي في الثمانينيات من القرن الماضي لوصف الاقتصاد المستدام الذي تحركه الطاقة الشمسية، والذي يتناسب مع حدود البيئة دون وجود قيود دائمة على النمو.
وفي التسعينيات، تم إعادة تعريف الاقتصاد الحيوي، تم وصفه بأنه “قطاع اقتصادي يستخدم المعرفة البيولوجية الجديدة للأغراض الصناعية والتجارية”.
هذا التعريف، جنبًا إلى جنب مع التأسيس المقابل لاستراتيجية 2002 بشأن التكنولوجيا الحيوية، يمهد الطريق لـ “الاقتصاد الحيوي القائم على المعرفة.
وفقًا لتقرير مؤتمر المفوضية الأوروبية، فإن الاقتصاد الحيوي القائم على المعرفة هو اقتصاد مستدام يعتمد على الموارد المتجددة التي لن تساهم فقط في تطوير أنظمة إنتاج أكثر أمانًا بيئيًا، بل تساعد على توسيع الحدود العلمية.
وحددت المفوضية الأوروبية الاقتصاد الحيوي على أنه اقتصاد يستخدم الموارد البيولوجية المتجددة من البر والبحر (على سبيل المثال، الحيوانات والمحاصيل والأسماك والغابات والكائنات الدقيقة) لإنتاج الطاقة والغذاء والمواد.
ولا ينبغي أن يركز الاقتصاد الحيوي الحديث فقط على الكتلة الحيوية واستبدال الوقود الأحفوري ببدائل مستدامة ومتجددة، ولكن يجب أن يستهدف “التحول البيولوجي” للاقتصاد من خلال الابتكارات التي تحول الموارد الحيوية إلى أغذية وأعلاف ومنتجات وخدمات تؤدب إلى تكامل الاستدامة.
ويعد الاقتصاد الحيوي الدائري مجالًا سريع النمو اكتسب زخمًا في السنوات الأخيرة.
إنه مجال متعدد التخصصات يجمع بين علم الأحياء والاقتصاد والتكنولوجيا لإنشاء حلول مستدامة لإنتاج الغذاء والطاقة والمواد.
ويعد الاقتصاد الحيوي مكونًا أساسيًا لتوصيل الأشخاص وتنظيمهم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ويتم تعريف التنمية المستدامة على أنها التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحالي دون المخاطرة بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم الخاصة.
تم توضيح الجوانب الأساسية الثلاثة للتنمية المستدامة بشكل جيد في الإطار العالمي لأهداف التنمية المستدامة، الذي أطلقته الأمم المتحدة في عام 2015، وأصبحت مؤشرات مهمة في السعي لتحقيق التنمية المستدامة والتي تتأثر أهدافها من 1 إلى 3 و6 إلى 9 و12 إلى 15 بأنشطة الاقتصاد الحيوي.
الهدف من الاقتصاد الحيوي هو إنشاء طريقة أكثر كفاءة واستدامة لإنتاج السلع والخدمات مع تقليل الآثار البيئية.
أحد أهم الاتجاهات في الاقتصاد الحيوي هو التحول نحو استخدام الموارد المتجددة مثل المواد النباتية واللدائن الحيوية بدلاً من المواد التقليدية القائمة على البترول.
كان هذا التحول مدفوعًا بطلب المستهلكين على منتجات أكثر استدامة والسياسات الحكومية التي تحفز استخدام الموارد المتجددة.
وتستثمر الشركات بشكل متزايد في البحث والتطوير لتطوير منتجات حيوية ومعالجات حيوية جديدة يمكن أن تحل محل المواد التقليدية القائمة على البترول.
استخدام متزايد للتقنيات الرقمية في الاقتصاد الحيوي الدائري
هناك اتجاه آخر في الاقتصاد الحيوي الدائري وهو الاستخدام المتزايد للتقنيات الرقمية لتحسين الكفاءة وخفض التكاليف.
يتم استخدام التقنيات الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي (ML) لتحسين عمليات الإنتاج وتقليل الفاقد وتحسين جودة المنتج.
بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام التقنيات الرقمية لتتبع المواد الخام من المصدر إلى المنتج النهائي، مما يسمح للشركات بإدارة سلاسل التوريد الخاصة بها بشكل أفضل وضمان الاستدامة في جميع عملياتها.
كانت هناك زيادة في الشراكات بين القطاعين العام والخاص بين الحكومات والشركات والجامعات وأصحاب المصلحة الآخرين لتعزيز البحث والتطوير في حلول الاقتصاد الحيوي.
مكّنت هذه الشراكات بين القطاعين العام والخاص الشركات من الحصول على تمويل لمشاريع بحثية كان من الصعب أو المستحيل تمويلها بمفردها.
بالإضافة إلى ذلك، مكّنت هذه الشراكات الحكومات من تقديم حوافز للشركات التي تستثمر في حلول الاقتصاد الحيوي الدائري مثل الإعفاءات الضريبية أو المنح.
وبشكل عام، كانت هناك زيادة كبيرة في الاهتمام بالاقتصاد الحيوي الدائري على مدى السنوات القليلة الماضية بسبب التقدم في التكنولوجيا، وتغييرات السياسة، وطلب المستهلكين على المنتجات المستدامة، وزيادة الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
ومع استمرار هذا الاتجاه، من المحتمل أن تستثمر المزيد من الشركات في تطوير منتجات حيوية وعمليات حيوية جديدة بينما تواصل الحكومات تقديم حوافز لأولئك الذين يستثمرون في حلول الاقتصاد الحيوي.
وعلى سبيل المثال، خصصت الخطة القومية للنفايات في مصر 20٪ من 26 مليون طن من القمامة سنويًا لإنتاج الطاقة، و60٪ لإنتاج الأسمدة وأنواع الوقود البديلة، و20٪ للدفن.
يبلغ إجمالي حجم الاستثمار المحتمل لتنفيذ مشاريع تحويل النفايات إلى كهرباء حوالي 974 مليون دولار، ويبلغ المبلغ الإجمالي لتنفيذ مشاريع إنتاج الأسمدة والوقود البديل حوالي 319 مليون دولار.
وتوصي الدراسة في النهاية بالتركيز على الاقتصاد الحيوي كاقتصاد ذي قيمة مجتمعية، مما يتيح تحقيق أهداف التنمية المستدامة والاقتصاد الحيوي الدائري.
وعلى الرغم من عدم وجود استراتيجية محددة للاقتصاد الحيوي في مصر، إلا أن هناك العديد من المبادرات الحكومية التي تهدف إلى الاستفادة منه في المستقبل القريب.
Piccinetti, L.; Rezk, M. R.; Kapiel, T. Y.; Salem, N.; Khasawneh, A.; Santoro, D.; Sakr, M. M. 2023. Circular bioeconomy in Egypt: the current state, challenges, and future directions, Insights into Regional Development 5(1): 97-112. https://doi.org/10.9770/IRD.2023.5.1(7)
رابط الدراسة : https://jssidoi.org/ird/article/download/128