وجهات نظر

د.سمير طنطاوي: إعداد التقارير الوطنية للتغيرات المناخية والالتزامات الدولية

خبير اتفاقية الأمم المتحدة للتغيرات المناخية UNFCCC وعضو الهيئة الدولية للتغيرات المناخية IPCC

أصبحت التغيرات المناخية حديث الساعة، وواحدة من أهم القضايا التي تحظى بالاهتمام على المستوى العالمي على مدى العقود الماضية إن لم تكن الأهم على الإطلاق.

ويُعزى ذلك بشكل كبير إلى التهديدات التي تفرضها آثار التغيرات المناخية على التنمية كافة مناحي الحياة. وتحدث التغيرات المناخية بشكل عام نتيجة ارتفاع متوسط درجة حرارة الغلاف الجوي نتيجة زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بسبب الأنشطة البشرية، وحرق كميات كبيرة من الوقود الحفري (الغاز والبترول والفحم)، حيث تعمل تلك الغازات المرتكزة بالغلاف الجوي على قنص حرارة الشمس المرتدة من الأرض زيادة عن حاجتها وامتصاصها والاحتفاظ بها مسببة احترار وارتفاع في درجة الحرارة.

ويؤدي هذا بالتالي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر فضلاً عن الظواهر الجوية الشديدة والمتكررة مثل موجات الحرارة الشديدة والفيضانات والأمطار الغزيرة والفيضانات والجفاف، والتصحر، والعواصف الترابية والرملية.

من المتوقع أن تؤثر آثار التغيرات المناخية بشكل غير متكافئ على خطط التنمية والأمن الغذائي وتوافر المياه، مما يؤثر على الأمن القومي للبلدان حيث سيعاني العالم من ارتفاع معدلات الفقر وتحديات أخرى.

التغيرات المناخية في مصر
أدت الزيادة في نسب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري نتيجة الحرق المفرط للوقود الحفري إلي ارتفاع متوسطات درجة حرارة الغلاف الجوي لأكثر من الدرجة المئوية، والاستمرار في الانبعاثات، سوف يؤدي إلي المزيد من ارتفاع درجة الحرارة.

وقد أوضحت سيناريوهات توقع الآثار السلبية للتغيرات المناخية على المدى المتوسط والبعيد الخاصة بالهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية إلي أن الارتفاع المستمر في تركيزات غازات الاحتباس الحراري، سيعمل على ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي وارتفاع متوسط مستوى سطح البحر بين 61 سم إلى متر، وأن ما يقرب من 14% من شواطئ العالم معرضة للتآكل نتيجة التغيرات المناخية، وارتفاع مستوى سطح البحر وعوامل النحر بحلول عام 2050، وقد تصل هذه النسبة إلي 25% بنهاية القرن الحالي ما لم يتم اتخاذ تدابير عاجلة للتكيف مع هذه الآثار السلبية وما يمكن أن تسببه من خسائر اقتصادية كبيرة للمناطق المتضررة.

وبالإضافة إلي ذلك، فقد أشارت الإستراتيجية الوطنية المصرية للتكيف مع التغيرات المناخية والحد من مخاطر الكوارث (2011) إلي المزيد من التأثيرات مثل زيادة في معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات الناجمة عن الأحداث المناخية شديدة الوطأة مثل الفيضانات وموجات الحر والأعاصير والجفاف، وانتشار الأمراض التي تنتقل عن طريق الحشرات والمياه وكذلك زيادة شدة الأمراض المزمنة مثل أمراض الجهاز التنفسي، وتعريض التنوع البيولوجي والأنواع الفريدة والشعاب المرجانية والمحميات الطبيعية للخطر، والحد من توافر المياه الجوفية وزيادة ملوحة المياه الجوفية في بعض المناطق بما في ذلك شمال الدلتا.

فضلا عن الخسائر الناجمة عن هطول الأمطار الغزيرة (مثل المخاطر على صحة الإنسان والبنية التحتية وأنظمة الصرف الصحي والزراعة والثروة الحيوانية)، وزيادة الإجهاد المائي الناتج عن ارتفاع استهلاك المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، والتأثيرات على القطاع الزراعي والأمن الغذائي من حيث انخفاض انتاجية المحاصيل (مثل الأرز والطماطم وقصب السكر)، وزيادة أمراض الماشية، وانخفاض منتجات الألبان، وهجرة الأسماك، والتصحر وتآكل موارد الأراضي الزراعية وزيادة ملوحة بعض الأراضي، وبالإضافة إلي التأثيرات على القطاع السياحي والآثار مثل تآكل النقوش على الآثار التاريخية وجدران المعابد.

انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في مصر.

بلغ إجمالي انبعاثات مصر في عام 2015 حوالي 325.6 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون المكافئ (حسب تقرير حصر الانبعاثات الصادر عن وزارة البيئة عام 2019)، مما يجعل مساهمة مصر حوالي 0.6٪ من الانبعاثات العالمية. واحتلت مصر المرتبة 94 عالميا من حيث حجم الانبعاثات، حيث يبلغ نصيب الفرد من الانبعاثات 3 أطنان من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2015. يعد قطاع الطاقة – بشكل عام في أي جولة – أكبر مساهم في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيث يمثل 64.5٪ من إجمالي تلك الانبعاثات في عام 2015. وتعتبر الزراعة والغابات واستخدامات الأراضي الأخرى المساهم الثاني بنسبة 14.9٪، يليه العمليات الصناعية واستخدام المنتجات بنسبة 12.5٪، ثم النفايات بنسبة 8.1٪. وقد زاد إجمالي الانبعاثات بنسبة 31٪ في عام 2015 بالمقارنة بعام 2005. كما زادت الانبعاثات من قطاعات الطاقة، ومعالجة المنتجات الصناعية واستعمال المنتجات والنفايات بنسبة 40٪ و49٪ و34٪ على التوالي. من ناحية أخرى، انخفضت الانبعاثات من قطاع الزراعة والغابات واستخدامات الأراضي الأخرى بنسبة 7 ٪ خلال نفس الفترة.

الاتفاقيات الدولية للتغيرات المناخية
لطالما أبدت مصر التزامها وموقفها الجاد تجاه تغير المناخ على المستوى السياسي، حيث وافقت وصدقت على مختلف اتفاقيات تغير المناخ. صادقت مصر على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام 1994، وبروتوكول كيوتو عام 2007، واتفاقية باريس عام 2017، بالإضافة إلى تعديل بروتوكول كيوتو (تعديل الدوحة عام 2020).

كما أنشأت مصر المجلس الوطني للتغيرات المناخية في عام 2015، وهو مسؤول عن صياغة السياسات وصياغة وتحديث الاستراتيجيات والخطط الوطنية وربطها باستراتيجيات التنمية المستدامة.

في عام 2015، تبنى 196 طرفًا اتفاق باريس في الاجتماع السنوي الحادي والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في باريس.

اتفاقية باريس هي “معاهدة دولية ملزمة قانونًا بشأن تغير المناخ” تهدف إلى الحد من الاحترار العالمي إلى أقل من 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة وتواصل الجهود للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة ضمن درجة مئوية (المادة 2.1 اتفاقية باريس).

بموجب اتفاقية باريس، يتعين على جميع الأطراف الإبلاغ عن جهودهم وخططهم الوطنية المتعلقة بتغير المناخ من خلال المساهمات المحددة وطنياً، والتي يتم الإبلاغ عنها كل خمس سنوات، مع مراعاة الظروف والقدرات الوطنية لكل بلد.

كطرف في اتفاقية باريس، قدمت مصر مساهمتها المتوقعة المحددة وطنيا إلى أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في 16 نوفمبر 2015، والتي أصبحت أول مساهمة محددة وطنيا بعد التصديق على اتفاقية باريس.

تتطلب الاتفاقية من الأطراف إعداد المساهمات المحددة وطنيًا التي يخططون لتحقيقها والإبلاغ عنها والحفاظ عليها، بحيث يجب أن تظهر المساهمات المحددة وطنيًا المستمرة أهدافًا أكبر من المساهمات المحددة وطنيًا السابقة بناءً على الظروف الوطنية (المادة 4.3 من اتفاقية باريس).

يمكن أن تغطي المساهمات المحددة وطنيًا العديد من المكونات، بما في ذلك التخفيف والتكيف والدعم المالي ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات.

الدول النامية، بما في ذلك مصر، لديها التزامات أخرى لإعداد التقارير. بالإضافة إلى المساهمات المحددة وطنيًا، يتعين على البلدان النامية إعداد تقارير بلاغاتها الوطنية كل أربع سنوات، وتقارير حصر المحدثة للانبعاثات والتي سيتم استبدالها بتقارير الشفافية التي تصدر كل سنتين اعتبارًا من عام 2024.

تحتوي تقارير البلاغات الوطنية على معلومات عن انبعاثات غازات الدفيئة حسب القطاع، وتدابير للحد من الانبعاثات، والخطوات المتخذة أو المخطط لها لتنفيذ أحكام الاتفاقية.

قدمت مصر بلاغاتها الوطنية الأول والثاني والثالث إلى أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، بشأن تغير المناخ في الأعوام 1999 و2010 و2016 على التوالي.

تقوم مصر حاليا بإعداد بلاغها الوطني الرابع تحت إشراف جهاز شئون البيئة وتنفيذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبتمويل من مرفق البيئة العالمية.

من ناحية أخرى، يُلزم اتفاق باريس البلدان المتقدمة بتزويد البلدان النامية بالموارد المالية لتمكينها من تحقيق أهداف الاتفاقية من خلال دعم تنفيذ السياسات والاستراتيجيات وخطط العمل المتعلقة بالتخفيف والتكيف (المادة 9).

تابعنا على تطبيق نبض

Comments

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: