د.زينة منير: مبادرة بريدجتاون فرصة لتأمين تمويل عادل لإفريقيا
دكتوراة فى السياسات البيئية– جامعة فرايبورج ألمانيا

اختتم مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP27 باتفاق رائع لتوفير تمويل “الخسائر والأضرار” “Loss and Damage” للبلدان الفقيرة التي تضررت بشدة من الكوارث المناخية.
يرتبط تمويل الخسائر والأضرار بخطاب أوسع حول الديون البيئية التي يدين بها الشمال العالمي للمسؤولية التاريخية والمستمرة عن ظاهرة الاحتباس الحراري التي تدمر البيئة وسبل عيش المجتمعات المحلية الفقيرة في الجنوب العالمي.
لقد عانت إفريقيا من هذا الإرث من الظلم المناخي لعقود
في هذا الصدد، بينما تتحمل إفريقيا الحد الأدنى من المسؤولية عن ظاهرة الاحتباس الحراري بنسبة 3٪ فقط من إجمالي انبعاثات الكربون العالمية، يواجه ما يصل إلى 118 مليونًا من أفقر سكان القارة أحداثًا مناخية قاسية مثل الفيضانات والجفاف وإزالة الغابات و ارتفاع مستوى سطح البحر.
إفريقيا وتمويل التكيف مع المناخ: تحدٍ هائل وتعهدات لم يتم الوفاء بها
من أجل تلبية المساهمات المحددة وطنياً (National Defined Contributions- NDCs) في 51 من أصل 53 دولة أفريقية ، ستحتاج إفريقيا إلى تمويل مناخي إجمالي قدره 2.5 تريليون دولار أمريكي بين عامي 2020 و 2030 ، وهو ما يمثل أكثر من 93٪ من الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا.
من المتوقع أن يكلف التكيف مع تغير المناخ القارة ما لا يقل عن 250 مليار دولار كل عام. ومع ذلك ، بلغ إجمالي تدفقات التمويل المناخي في إفريقيا لعام 2020 30 مليار دولار أمريكي فقط ، وتم توفير حوالي 39٪ من هذا التمويل لأنشطة التكيف بمبلغ إجمالي قدره 11.4 مليار دولار.
على الرغم من أن التكيف يتلقى الحصة الأكبر من تدفقات تمويل المناخ في إفريقيا ، فمن المقدر أن التمويل التراكمي للتكيف حتى عام 2030 سيكون أقل من ربع الاحتياجات المقدرة المعلنة في المساهمات المحددة وطنيًا ، مما يتسبب في فجوات تمويلية كبيرة لمبادرات ومشاريع التكيف في أفريقيا.
على سبيل المثال، إذا استمر تمويل التكيف بنفس المعدل ، فإن تشاد ، الدولة الأكثر ضعفاً والأقل قدرة على التكيف في العالم مع مخاطر تغير المناخ، ستعاني من أكبر فجوة تمويلية للتكيف مع 95٪ من متطلباتها المالية لم يتم الوفاء بها بحلول عام 2030.
تمويل المناخ لأفريقيا: حلقة مفرغة من الديون و مخاطر تغير المناخ
بالإضافة إلى ما سبق ذكره، فإن الحصة الأكبر من تمويل التكيف الدولي في أفريقيا تتكون من القروض والديون.
على سبيل المثال، تم تقديم أكثر من نصف التمويل المتعلق بالتكيف الذي التزم به مموِّلين ثنائيهن ومتعددو الأطراف للبلدان الأفريقية في الفترة من 2019 إلى 2020 كقروض، 30٪ في شكل ديون ميسرة و 23٪ في شكل ديون تجارية.
خلال الفترة 2013-2019، بلغ التمويل الدولي للمناخ لدول غرب إفريقيا حوالى11.7 مليار دولار، بمتوسط 1.7 مليار دولار سنويًا أو حوالي 5 دولارات للفرد كل عام – وهو أقل بكثير من المبلغ المطلوب لمواجهة مخاطر المناخ في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، كان 62٪ من التمويل الدولي للمناخ لغرب إفريقيا خلال نفس الفترة في شكل قروض وأشكال أخرى للديون الخارجية.
يؤدي هذا الاعتماد المفرط على أدوات الدين إلى تفاقم أزمة الديون في منطقة غرب إفريقيا – التي تضررت بشدة من الآثار السلبية للمناخ ، والتي ابتليت بالفقر والجوع وعدم المساواة و عدم الاستقرار السياسي.
بالإضافة إلى ذلك ، فإن خدمة الدين العام الخارجي تعوق الدول الأفريقية عن توفير الخدمات العامة الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية.
على سبيل المثال ، على الرغم من أن غانا تعاني من أزمة ديون مزمنة ، فقد تلقت 40٪ من تمويلها للمناخ على شكل قروض وديون.
في عام 2019 ، أنفقت غانا 55 مرة على خدمة الديون أكثر مما أنفقته على الزراعة. أيضًا ، تلقت النيجر (الدولة السابعة الأكثر عرضة لتغير المناخ في العالم) ، ومالي (المرتبة 13 الأكثر ضعفًا)، وبوركينا فاسو (المرتبة 24 الأكثر ضعفًا) معظم تمويلها المتعلق بالمناخ كقروض وديون ، بينما يواجهون جميعًا ضائقة ديون و يخضعون لتدابير التقشف التي يفرضها صندوق النقد الدولي والتي ستؤثر بشكل كبير على قدرتهم على تقديم الخدمات العامة الأساسية لمواطنيهم.
إن أزمة الديون المتفاقمة في إفريقيا والتي تعقدت بسبب المخاطر المناخية تدفع البلدان الأفريقية إلى حلقة مفرغة تؤدي فيها حدوث الكوارث البيئية إلى زيادة تكاليف الديون الدولية وتحد من التدفقات المالية اللازمة للاستثمار في التكيف مع المناخ و معالجة آثاره.
مبادرة بريدجتاون Bridgetown Initiative والهيكل الدولي لتمويل المناخ:
مما سبق يتضح أن آلية الخسائر و الأضرار التى تم الاتفاق على إنشاءها وتفعيلها خلال مؤتمر المناخ الأخير هى ضرورة مُلحة لتقديم التمويل المطلوب لمواجهة تغير المناح فى أفريقيا و مساعدة القارة فى تحقيق اقتصاديات منخفضة الكربون و قادرة على التكيف مع تغير المناخ.
فى هذا الصدد، يُمكن استخدام بعض الأدوات التقليدية لتعويض البلدان التي تعاني من الخسائر والأضرار الناجمة عن حوادث تغير المناخ و تشمل هذه الأدوات شبكات الحماية الاجتماعية، التمويل الطارئ، والتأمين ضد مخاطر الكوارث، وسندات الكوارث التي يمكن أن توفر سيوله نقدية ومدفوعات سريعة في أعقاب الكوارث المناخية.
بالإضافة إلى آليات التمويل التقليدية، هناك حاجة إلى أدوات تمويل مبتكرة بما يتناسب مع حجم الأضرار الأعباء التى تقع بصفة خاصة على عاتق الدول الأفريقية التى تفتقر القدرات اللازمة لمواجهة مخاطر المناخ.
فى هذا الإطار، تُعتبر مبادرة بريدج تاون Bridgetown initiative إنجازًا مهمًا لمؤتمر المناخ المنصرم لأنها تدعو إلى “إصلاح بنوك التنمية المتعددة الأطراف والمؤسسات المالية”، مؤكدة أن: مؤسسات بريتون وودز، لا تساعد البلدان الضعيفة – بما في ذلك البلدان الأفريقية – على التكيف مع مخاطر المناخ.
ترتكز مبادرة بريدج تاون على مجموعة من النقاط أهمها: إنشاء آليات تمويل أكثر تساهلاً للحكومات من قبل بنوك التنمية متعددة الأطراف لتمويل مشاريع التكيف.
كما تدعو المبادرة للتنسيق بين بنوك التنمية المتعددة الأطراف وصندوق النقد الدولي لإعادة توجيه حقوق السحب الخاصة “special withdrawal rights” للسماح للبلدان الأعضاء بالحصول على قروض منخفضة الفائدة وطويلة الأجل للتكيف مع المناخ.
بالإضافة إلى ذلك ، لمعالجة أزمة الديون المزمنة – لا سيما في البلدان النامية المعرضة لكوارث تغير المناخ – تقترح المبادرة تعليق خدمة الديون لمدة عامين بعد اندلاع كارثة مناخية ما وتوفير أموال فورية للبلدان المنكوبة لإنفاقها على البرامج الاجتماعية والاستثمار في مشاريع التكيف مع المناخ.
كذلك تدعو مبادرة بريدج تاون أن يكون تمويل مشروعات التكيف مع المناخ فى صورة منح من أجل تجنب الاعتماد المُفرط على ميزانيات البلدان المعرضة للتأثر بالمناخ والتي تعاني بالفعل من أزمة ديون مزمنة.
لذلك تم اقتراح تمويل مثل هذه المنح عن طريق فرض ضريبة بنسبة 2٪ على صادرات الوقود الأحفوري كوسيلة لتحويل العبء من البلدان الفقيرة إلى البلاد التى تتسبب فى إصدار القدر الأكبر من غازات الاحتباس الحراري.
كما تدعو المبادرة إلى تمويل برامج إعادة الإعمار للبلدان التي تمثل فيها الخسائر والأضرار الناجمة عن الأحداث المناخية المدمرة – أكثر من 5٪ من الدخل القومي.
مبادرة بريدجتاون.. زخم جديد لتمويل عادل للمناخ
من المؤسف أن الالتزامات الدولية لتمويل التكيف مع أضرار تغير المناخ لم يتم الوفاء بها و تواجه البلاد الأكثر فقرا و تضررا من مخاطر المناخ صعوبات جمة من أجل تعبئة الموارد المالية المطلوبة لمكافحة تغير المناخ.
على سبيل المثال، تستقطب منطقة أفريقيا جنوب الصحراء 3٪ فقط من التدفقات المالية العالمية للمناخ ، على الرغم من كونها المنطقة الأكثر عرضة لتغير المناخ والأقل قدرة على التكيف مع تأثيرات المناخ.
فرصة واعدة لتأمين التمويل المتعلق بالمناخ
ومع ذلك، فإن مبادرة بريدجتاون التي تمت صياغتها في شرم الشيخ تقدم فرصة واعدة لتأمين التمويل المتعلق بالمناخ، واللازم لتحقيق انتقال أخضر عادل خاصة في المجتمعات الضعيفة والفقيرة في إفريقيا.
خاصة ما تنص عليه المبادرة من توفير خطط التمويل الميسرة، تعليق خدمة الديون للبلدان المعرضة لتغير المناخ، فرض ضرائب على شركات النفط والغاز الملوثة لدفع تكاليف التكيف مع المناخ.
إذا ترسخت هذه المقترحات، وتم وضعها على طاولة المناقشات فى الاجتماعات القادمة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، فيمكننا عندئذٍ إحداث تغيير ذي مغزى في هيكل الديون والمساعدات والتمويل أكثر من أي وقت سبق، ومساعدة المجتمعات المعرضة للتغير المناخي في إفريقيا والعالم، للوفاء بتعهداتها المناخية دون تحمل وطأة الظلم المناخي.