وجهات نظر

د.زينة عبد العزيز منير: الجرائم البيئية فى عالم متغير ومضطرب

دكتوراة فى السياسات البيئية– جامعة فرايبورج ألمانيا

ما هي الجرائم البيئية؟

تشمل الجرائم البيئية مجموعة الأنشطة التي تنتهك التشريعات البيئية وتسبب ضررًا أو خطرًا كبيرًا على البيئة أو صحة الإنسان أو كليهما.

من أشهر الأمثلة للجرائم البيئية جمع أو نقل أو التخلص غير الآمن من النفايات؛ التشغيل غير القانوني لمصانع تتضمن أنشطة صناعية غير آمنة صحيا أو بيئيا؛ قتل أو إتلاف أو حيازة أو الاتجار بالحيوانات والنباتات البرية المحمية أو المعرضة لانقراض وغيرهم من الجرائم.

أضرار الجرائم البيئية

بالإضافة الى ما ينجم عن الجرائم البيئية من أضرار بالغة على صحة الإنسان واستدامة الموارد الطبيعية, إلا أنها تُسبب أيضا خسائر اقتصادية ضخمة حيث تشير الدراسات أن القيمة الاقتصادية للإتجار غير المشروع فى الحياة البرية تصل ما يقرب من 7 إلى 23 مليار دولار سنويا وتشمل الإتجار فى أنواع مختلفة من النباتات والحيوانات التى يمكن أن تستخدم لأغراض الزينة, أو الغذاء,أو أغراض دوائية مثل أنياب الأفيال, وقرون وحيد القرن, وحراشف البنغول, جلود النمور, والشعاب المرجانية, وخشب الورد وغيرها من الأحياء النباتية والحيوانية الأكثر شهرة والمٌعرضة للأسف لخطر الانقراض.

كذلك تٌقدر الإيرادات السنوية للاتجار بالنفايات الخطرة في الاتحاد الأوروبي بما يتراوح بين 1.5 مليار يورو و1.8 مليار يورو سنويا ، في حين تترواح الأرباح الناتجة عن الاتجار بالنفايات غير الخطرة بين 1.3 مليار يورو و 10.3 مليار يورو.

وبالرغم من قلة الإحصاءات الجنائية المتعلقة بالجرائم البيئية, يشير المراقبون أن الجرائم البيئية تحتل المركز الرابع فى العالم بعد الإتجار فى المخدرات, وجرائم التزييف, والإتجار بالبشر.

وخلال العقد الماضي, بلغ معدل النمو في الجرائم البيئية حوالى 5 الى 7 %، بينما بلغ متوسط معدل النمو في الاقتصاد العالمي حوالى 2.4%، مما يعنى أن معدل انتشار الجرائم البيئية وخصوصا الإتجار غير المشروع فى الأحياء البرية يعادل أضعاف معدل نمو الاقتصاد العالمي.

مرتكبو الجرائم البيئية ليسوا أفرادا فقط

في حين أن الجرائم البيئية التى يرتكبها الأفراد منتشرة على نطاق واسع, فإن الجرائم التى ترتكبها الشركات هى الأكثر تدميرا للبيئة من حيث حجم ونطاق تأثيرها على الموارد الطبيعية والمجتمعات المحلية. وعادة تنتهك هذه الشركات القوانين والتشريعات البيئية مدفوعة بمجموعة من العوامل أهمها نوع الصناعة, حجم الشركة وطريقة تنظيمها والرغبة فى الربح السريع.

وفى هذا الإطار , تشير الدراسات أن صناعات السيارات, البترول, المسحتضرات الدوائية والكيماويات هى أكثر الصناعات التى ترتكب انتهاكات بيئية.

على سبيل المثال, يشير تقرير منظمة Greenpeace أن شركة Shell، والتي تُعد من أقدم شركات النفط متعددة الجنسيات العاملة فى نيجيريا تسببت فى عواقب بيئية وخيمة فى دلتا النيجر.

فى فبراير هذا العام, رفع أكثر من 13000 فرد من سكان مجتمعات Ogale وBille في نيجيريا دعاوى ضد الشركة بسبب التسربات النفطية المدمرة، وتُنظر القضية حاليا اما المحكمة العليا فى لندن.

أما شركة Repsol الأسبانية فتسببت فى كارثة بيئية مماثلة حيث أدى تسرب 600 برميل من النفط قبالة سواحل بيرو إلى تلوث مساحة 739000 متر مربع بما فى ذلك محميتان طبيعيتان و لقد فرضت حكومة بيرو غرامة قدرها 5.5 مليار يورو على الشركة الأسيانية كتعويض عن تلك الخسائر البيئية الفادحة.

كذلك, فى عام 2018, تقدم سكان المجتمع المحلى Ikebiriمن ولاية Bayelsa فى نيجيريا برفع دعوى قضائية ضد شركة النفط الإيطالية ENI مطالبين الشركة بتنظيف التسربات النفطية التى أثرت على بيئة مجتمعهم و صحة أفراده ودفع تعويضات مادية مقابل هذه الأضرار.

الجماعات المسلحة و الجرائم البيئية

بالإضافة الى دور الشركات متعددة الجنسيات, تلعب الجماعات المسلحة دورا هاما فى استخدام الموارد الطبيعية كسلاح في الحروب وتمويل العمليات الإرهابية والجرائم المنظمة.

ويُعد الإتجار غير المشروع فى الماس من قبل الأطراف المتناحرة فى الحرب الأهلية الرواندية التى اندلعت فى أبريل عام 1994 بين القادة المتطرفون في جماعة الهوتو التى تمثل الأغلبية الحاكمة فى روندا ضد الأقلية من قبيلة توتسي، والتي أدت الى مقتل ما يقارب على 800.000 شخص – أحد أشهر الأمثلة على الاستغلال غير المشروع من عوائد التجارة فى الألماس فى تمويل الجماعات المسلحة.

وتعد القوات الديمقراطية لتحرير روندا هى أحدي هذه الجماعات المتمردة التى اشتركت فى الحرب الأهلية الرونداية معتمدة على عائدات الإتجار غير المشروع فى الألماس ولا تزال نشطة حتى الآن في الكونغو الديمقراطية.

و تُعد حركة الشباب الإسلامية و‏ هي حركة إسلام سياسي قتالية تنشط في الصومال وتتبع فكرياً لتنظيم القاعدة, أحد الأمثلة للجماعات المسلحة التى يتم تمويلها مباشرة من خلال عائدات الإتجار غير المشروع فى الفحم حيث يشير الخبراء أن حركة الشباب الصومالية تم تمويلها بما يقرب من 250 مليون دولار على الأقل من عوائد الإتجار فى الفحم ما بين عامي 2013 و 2014.

الجرائم البيئية أحدي صور غياب العدالة البيئية

يرتبط مفهوم غياب العدالة البيئية عندما تقع الأضرار البيئية بصور متفاوتة على الأفراد و الجماعات و خصوصا فى ظل عدم توافر القدرات الأساسية اللازمة لتكيف هؤلاء الأفراد أو الجماعات مع الآثار السلبية لهذه الجرائم أو المشكلات البيئية.

فى هذا الإطار، يشير برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن الدول النامية أكثر عُرضة للحوادث و الجرائم البيئية التى ترتكبها الدول المتقدمة.

على سبيل المثال, تستقبل الدول النامية العديد من أنواع النفايات التى تُنتجها الدول المتقدمة حيث يتم التخلص من النفايات الإلكترونية عادة فى أفريقيا وجنوب شرق آسيا، بينما تنتهى نفايات قطع غيار السيارات فى أفريقيا, والبلاستيك فى آسيا وخاصة الصين التى حظرت استيراد البلاستيك فى نهاية عام 2019.

وفى حين أن الدول الفقيرة تُعانى من تبعات الجرائم البيئية التى ترتكبها الدول الغنية، نجد أن المجتمعات الفقيرة أو الملونة هى أيضا الأكثر عرضة للجرائم البيئية داخل الدولة الواحدة.

فعلى سبيل المثال, تشير الدراسات إلى انه ما يقرب من مليونى أمريكى من ذو الأصول الأفريقية يعيشون فى أحياء بها واحد أو أكثر من مرافق النفايات الخطرة.

عطفا على ذلك, يعانى الأمريكيون ذو الأصول الأفريقية من أعباء صحية خطيرة من الملوثات الصناعية بنسية 54% أكثر من باقي السكان ناجمة عن سوء تقسيم وتصميم الأحياء الفقيرة التى تحولت الى مكبات لنفايات أصحاب المصانع و الأحياء الراقية، مما يعكس ليس فقط الأوضاع البيئية و الصحية المتردية التى يعانى منها أصحاب البشرة السوداء ولكن أيضا تمييز عنصرى فج ضد المجموعات العرقية.

القوانين الدولية و مكافحة الجرائم البيئية: ارتباك و قصور

على الرغم من الطابع العابر للحدود وبين الأجيال للأنشطة الضارة بالبيئة مثل تلوث السواحل، وإزالة الغابات و الصيد الجائر، إلا أنها لم يتم تصنيفها بإعتبارها إجرامية أو على الأقل ضارة بشكل خطير الإ مؤخرا.

ومع ذلك لا تزال الكثير من الأنشطة المُدمرة للبيئة لم تُجرم بعد فى كثير من دول العالم التى تنص أطرها القانونية أن “الطبيعة” ملكية للدولة وتهدف إلى استغلالها بما يساهم فى نمو الناتج المحلى بدلا من اعتبارها شرطا أساسيا للحياة.

عطفا على ذلك فإن معظم الدول تنظر إلى الانتهاكات البيئية باعتبارها مخالفات تنظيمية مما يعنى أن الإجراءات القسرية محدودة والعقوبات المفروضة مخففة.

ويُمكن اعتبار أن التشريعات الدولية المتعلقة بتجريم الإتجار غير المشروع فى الحياة البرية من أكثر التشريعات اكتمالا ووضوحا على عكس التشريعات المتعلقة بالأنواع الأخرى من الجرائم البيئية.

وبالرغم من أن التقرير العالمى الأول لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة حول سيادة القانون البيئي هو أحد أنجح المحاولات الدولية لإنتاج صورة شاملة للتشريعات البيئية ذات الصلة بالجريمة, إلا أنه لا يُركز بالتحديد على الجريمة البيئية وردود الفعل تجاهها.

بدلا من ذلك, يُركز على قواعد الإمتثال البيئي بما تشمله من قوانين مدنية وإدارية جنبا إلى جنب مع جوانب حقوق الإنسان فى القانون البيئي و استجابة الحكومات فى حالات معينة مثل مقتل المدافعين عن البيئة على سبيل المثال.

عطفا على ذلك, لم يهتم المجتمع الدولى الإ مؤخرا بالصلة بين الجريمة البيئية والجريمة المنظمة ، وما يرتبط بها من فساد وغسيل الأموال.

ومع ذلك، فإن هذا التركيز على العلاقة بين الانتهاكات البيئية والجريمة المنظمة لم يؤد إلى سياسة عدالة جنائية عامة بشأن حماية البيئة من خلال القانون الجنائي على مستوى الأمم المتحدة.

ويستمر تصاعد الدعوات الدولية لإحداث طفرة تشريعية تتلاءم مع حجم المخاطر البيئية المتزايدة باعتبار “الإبادة البيئية” الجريمة الخامسة ضد السلم الدولي.

ومؤخرا تم طرح مسودة “قانون دولى للإبادة البيئية” للنقاش في لجنة القانون بالأمم المتحدة يتضمن الاعتراف بالضرر البيئي كجريمة ذات مسئولية صارمة بدلا من اعتباره ضررا جانبيا أو عرضيا.

و لكن للأسف نادرا ما يتم تعريف البيئة الطبيعية بأنها “ضحية جماعية” ولم يتم تصويرها فى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أنها جريمة دولية مستقلة ضد السلم و الأمن الدوليين.

الخلاصة:

قانونا أكثر فاعلية وعدالة اجتماعية شرطان لمكافحة الجرائم البيئية

إن مكافحة الجرائم البيئية أصبح اكثر إلحاحا من أي وقت مضى فى ضوء تفاقم التحديات البيئية التى يواجهها العالم و أبرزها تغير المناخ وفقدان التنوع البيئي.

تتطلب تلك المكافحة تضافر الجهود الأممية و الدولية لتصميم استجابات سريعة ومناسبة على كافة الأصعدة.

تتضمن تلك الاستجابات التعاون بين المُشرعين وجهات التحقيق وإنفاد القانون و جمع المعلومات ورصد ومراقبة الأنشطة البيئية المختلفة.

كذلك لابد من اتخاذ الاحتياطات التى تحد من وقوع الجرائم البيئية أساسا من خلال مكافحة الفقر و تنمية المجتمعات الفقيرة وإشراك المجتمعات المحلية فى إدارة الموارد الطبيعية وضمان نصيبهم العادل من منافعها و مواردها المالية و دعم سبل العيش البديلة و معاقبة الجناة بشكل عادل و فعال.

تابعنا على تطبيق نبض

Comments

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: