وجهات نظر

د.زكريا فؤاد فوزى: حق مجابهة التغيرات المناخية من حقوق الإنسان

أستاذ بمعهد البحوث الزراعية و البيولوجية – المركز القومى للبحوث

ما من شك أن التغيرات المناخية و تقلبات الطقس الحادة أصبحت مهددا حقيقيا لحياة البشر فى كافة مناحى الحياة .

حيث تؤثر التغيرات المناخية على البيئة و الزراعة و السياحة و الصحة و غيرها من القطاعات .

وقد كان الأهتمام بالتغيرات المناخية لا يمثل هاجسا فى الماضى ولكن بتزايد وتيرة حدة التغيرات المناخية أصبح الأهتمام بتداعيات التغيرات المناخية يتزايد يوما بعد يوم.

حقيقة الأمر أن الأعوام القليلة الماضية خاصة 2020 و 2021 و حتى وقتنا الحاضر 2022 شهد العالم أجمع المتقدم منة و النامى على السواء تداعيات خطيرة نتيجة التغيرات المناخية وتقلبات الطقس الحادة و ذلك تمثل فى أحتراق الغابات فى العديد من دول العالم مثل الدول الأوروبية و بعض الدول العربية وفى مناطق عديدة من العالم مما تسبب فى خسائر بيئية و أقتصادية و إجتماعية فادحة .

و ما تعانية العديد من الدول الأوربية من جراء الجفاف الذى يجتاج العديد من الدول الأروبية و إنخفاض مناسيب المياة فى العديد من أنهار القارة الأوربية مما أثر على المنظومة الزراعية و النقل النهرى و البيئة بصورة كبيرة جدا و أيضا الجفاف الذى تعانية جمهورية الصين الشعبية من جراء إنخفاض مناسيب المياة فى بعض أهم الإنهار بها و على صعيد اخرتعانى باكستان حاليا موجة من السيول و الفياضانات خلفت خسائر بشرية و إقتصادية و زراعية و بيئية فادحة.

العدالة المناخية مصطلح حديث يتناول مسألة الإحترار العالمي و التغيرات المناخية من زاوية أخلاقية وسياسية على خلاف الزاوية التقليدية التي ترى أنها مشكلة ذات أبعاد طبيعة بيئية أو مادية بحتة.

يوجد عدة تعريفات لمفهوم العدالة المناخية إلا أنها تشترك بشكل أساسي في أنها السعي لضمان انتهاج طرق عادلة في التعامل مع الناس والكوكب عن طريق الحد من المزيد من التغيرات المناخية عبر ما يعرف باستراتيجيات التخفيف والتي تهدف بشكل رئيسي إلى خفض كميات الوقود الأحفوري التي يتم حرقها لإنتاج الطاقة، وكذلك عن طريق استراتيجيات التكيف مع تغيرات المناخ، على سبيل المثال، تطوير محاصيل مقاومة للجفاف تمكنها من النمو في ظل انخفاض مستويات الأمطار الحاصل نتيجة لتغير المناخ في بعض المناطق.

و إذا كان حقول الإنسان جرى العرف على أنها حقوق تتعلق بحرية الرأى و الإبداع و حرية تقرير المصير و حرية الأعتقاد و غيرها من التعريفات الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان فالحقيقة أن حقوق الإنسان تتعدى حرية التعبير وغيرها الى حقوق الحصول على غذاء مناسب صحى و أمن و حق العلاج و حق المأوى بمسكن مناسب و من أهم حقوق الإنسان الذى يجب أن تتاح و يتمتع بها البشر هو حق الحصول على بيئة صحية نظيفة أمنة .

بيئة مناسبة تحافظ على الموارد الطبيعية للأجيال الحالية و تسلمها فى أفضل حال للأجيال القادمة لتنعم البشرية ببيئة مستدامة أمنة، و لذلك لا بد من النظر لإقامة و تطبيق بعض المبادىء الأساسية و الضرورية و منها :

مبدأ رفع الوعي و تنمية القدرات:

يؤكد هذا المبدأ على أهمية التعليم و التدريب المستمر و الفعال وبناء القدرات في رفع الوعي وإستيعاب كل فئات الشعب لقضايا التنمية المستدامة و التغيرات المناخية و كيفية الحد منها بممارسات أقلمة و تخفيف من أثارها وزيادة الإهتمام العام بهذه القضايا ولن تتحقق التنمية المستدامة دون التعاون الفعال و المستمر بين كافة فئات المجتمع و مشاركة الجهات المعنية مع المجتمع المدنى و القطاع الخاص.

مبدأ تحقيق العدالة بين الأجيال:

يجب أن تترك الثروات الطبيعية للأجيال القادمة بنفس القدر الذي تسلمت به الأجيال الحالية تلك الثروات وبنفس الكفاءة و الجودة ، حتى يتوفر للأجيال القادمة نفس الفرص أو فرص أفضل لتلبية إحتياجاتها مثل الجيل الحالي و أفضل إن أمكن تحقيق ذلك.

مبدأ تحقيق العدالة بين فئات الجيل الحالي:

يدعو هذا المبدأ إلى التوزيع العادل للمدخلات للعناصر الطبيعية و مكوناتها مع تأمين الإحتياجات البشرية الأساسية لكل فئات المجتمع. علماً بأن عدم الإنصاف الإجتماعي داخل هذا الجيل يمكن أن يؤدي الى سوء إستخدام الموارد الطبيعية وتدميرها.

مبدأ الحفاظ على الموارد الطبيعية و صيانتها:

يدعو هذا المبدأ إلى ترشيد استخدام الموارد الطبيعية و الحفاظ عليها و صيانتها لضمان إستدامة التنمية وبحيث تستخدم الموارد الطبيعية بطريقة تضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي وحماية القيم والمناظر الطبيعية وبحيث تستخدم الموارد المتجددة بما لا يتجاوز قدرتها على التجدد.

وتستخدم الموارد غير المتجددة بطريقة تضمن إستمرار إستخدامها على المدى الطويل بفاعلية وذلك عن طريق الإستعاضة عنها بالموارد الأخرى المتاحة أو المواد المصنعة مثل إستبدال الوقود الأحفورى ومصادر الطاقة غير المتجددة بمصادر الطاقة المتجددة ” الطاقة الشمسية وطاقة الرياح و غيرها ” وإستعادة الطاقة الناتجة من المخلفات ” المتبقيات”.

مبدأ المسئولية المشتركة الفاعلة:

يحتاج تحقيق التنمية المستدامة إلى شعور المنتفعين بمسئوليتهم المشتركة تجاه الحد من ضغوط التنمية على البيئة والموارد الطبيعية والمجتمع.

مبدأ الوقاية :تعتبر الوقاية من التلوث أكثر فاعلية من معالجة التلوث بعد حدوثه . وعلى هذا الأساس يجب تجنب الأنشطة التي تمثل تهديد للبيئة وصحة الإنسان على أن يتم تنفيذ وتخطيط كل منها بصورة تؤدى إلى:

– إحداث أقل تغيير ممكن للبيئة و مكوناتها.

– أقل خطورة للبيئة وصحة الإنسان.

– الحد من الضغوط على البيئة والاستخدام الرشيد للمواد الخام والطاقة في البناء والإنتاج والتوزيع والاستخدام.
يطبق هذا المبدأ من خلال تنفيذ تقييم الأثر البيئي وإستخدام أفضل الوسائل التكنولوجية المتاحة.

و لأن التغيرات المناخية تؤثر – غالبا بالسلب – على البيئة و مواردها الطبيعية فى مجالات مختلفة زراعية و سياحية و صحية و غيرها ، فكان لزاما على الجميع أن يتبنوا اليات واضحة للحفاظ على البيئة و تقليل الممارسات الذى تزيد من الإنبعاثات الملوثة للبيئة و المسببة للأحتباس الحرارى الذى يسبب التغيرات المناخية على المدى الطويل و تغيرات و تقلبات الطقس الحادة على المدى القصير .

و لأن قضية التغيرات المناخية هى قضية عالمية و لكنها غير عادلة حيث تتسبب الدول المتقدمة الصناعية الكبرى – بما تملكة من منظومة صناعية كبرى و بالتالى إستهلاك كميات كبيرة من الطاقة أغلبها من المصادر الأحفورية الغير متجددة و التى تسبب إنبعاثات بكميات ضخمة – تلوثا وإنبعاثات كثيرة تؤثر على البيئة.

و تسبب التغيرات المناخية التى تمثل عبئا كبيرا على الدول النامية التى تتأثر كثيرا سلبيا دون ان تكون سببا فى حدوثها ، و لذلك كان عقد الأجتماعات الدولية الدورية الخاصة بالتغيرات المناخية و من ضمنها مؤتمر الدول الأطراف و الذى سوف تستضيفة مصر هذا العام فى نوفمبر فى شرم الشيخ خلال الفترة من 6 الى 18 نوفمبر ” COP 27″ و الذى ننتظر منة الكثير فى السعى قدما نحو تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بإجراءات الأقلمة و التخفيف من أثار التغيرات المناخية و المضى قدما فى توفير الدعم المالى و التكنولوجى اللازم لمساعدة الدول النامية فى التصدى و مجابهة التغيرات المناخية و أثارها السلبية المؤثرة على كافة مناحى الحياة .

و لأن مكافحة أثار التغيرات المناخ يؤثر إيجابيا على كل دول العالم مما يزيد النمو و الرفاهية و الحصول على بيئة صحية أمنة مناسبة بشعوب العالم حيث أن التصدى للتغيرات المناخية حق من حقوق الإنسان.

تابعنا على تطبيق نبض

Comments

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: