وجهات نظر

د.رفعت جبر: تغير المناخ وأزمة التعليم في الشرق الأوسط

رئيس قسم التقنية الحيوية - كلية العلوم جامعة القاهرة

لعله من المفارقات العجيبة هو اعتبار منطقة الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم سخونة، سواء كان ذلك من خلال الاضطرابات السياسية والعنف والإرهاب، أو في ارتفاع درجات الحرارة (حيث شهد عام 2010 تسجيل أعلى ارتفاع في درجات الحرارة عالميا منذ بدء تسجيلها في القرن التاسع عشر).

وفي منطقة تعاني من الجفاف والتصحر، فضلا عن أدنى مستوى من المياه العذبة في العالم، فإن التقديرات المبدئية، تشير إلى تعرض ما بين 80 إلى 100 مليون شخص فيها لضغوط ناجمة عن شح المياه بحلول عام 2025، ويتزامن ذلك مع استخدام موارد المياه الجوفية بوتيرة أسرع مما يمكن أن يعوضه هطول الأمطار.

وقد حذرت الدراسات الحديثة من تفاقم الأوضاع على التنمية البشرية بصفة عامة وعلى التعليم بصفة خاصة، جراء تغير المناخ. وهنالك العديد من التقارير الرسمية من جهات معتمدة عدة (مثل البنك الدولي، اليونيسيف، منظمة إنقاذ الطفولة وغيرها) مفادها أن تغير المناخ وارتفاع درجة الحرارة، سوف يؤثر سلبا على التعليم ونتائج التعلم في منطقة الشرق الأوسط من خلال ثلاثة محاور رئيسية:

أولهما: عدم انتظام الطلاب في الحضور نتيجة لفترات الحر الشديد، العواصف الرملية، السيول وانقطاع التيار الكهربائي (الذي يعد واحدا من الآثار الجانبية المحتملة)، يمكن أن يضطر المدارس إلى تعطيل أنشطتها، وفي الحالات القصوى يمكن أن يؤدي الطقس السيئ حقيقة إلى تدمير البنية الأساسية.

ثانيهما: سوء التغذية وانتشار الأمراض وذلك إما عن طريق تعطيل الممارسات الزراعية القائمة، مما يزيد من حدة اتساع نطاق سوء التغذية بسبب ارتفاع أسعار الغذاء أو عن طريق تغيير النطاق الجغرافي لناقلات الأمراض مثل بعوض الأنوفيلس (Anophelines) المسؤول عن نقل مرض الملاريا، وبعوض الكيولكس (Culicines) المسؤول عن نقل حمي الدنج والحمي الصفراء وغيرها ومن ثم يؤدي إلى تعريض فئات جديدة من السكان وخاصة الأطفال ، للإصابة بتلك الأمراض.

فضلا عن نوبات لتفشي أمراض مختلفة، على سبيل المثال: حمى الوادي المتصدع، والتهاب السحايا العقيم، والإصابة بالبكتريا العصوية .

ثالثهما: عدم القدرة على تمتع الأطفال المرضي والأصحاء بتعليم جيد ومتكافئ، حيث يعاني الأطفال المرضي من تدني نظامهم الغذائي (الجوع أو نقص شديد في البروتينات، أو نقص الحديد واليود أو فيتامين أ، أو أمراض متعددة مثل الملاريا أو الإسهال أو الديدان والطفيليات)، هؤلاء الأطفال يواجهون صعوبة في التحصيل العلمي مما يعرضهم للرسوب أو التسرب مبكرا من التعليم أو الفشل في التعلم بشكل عام بسبب ضعف التركيز، وتدني الحافز وسوء الوظائف الإدراكية.

وذلك نتيجة طبيعية لارتفاع معدلات الفقر في المنطقة، والذي يؤدي بدوره إلى تدهور بيئي مما يترتب عليه حالة من تردي الأحوال المعيشية وزيادة الضغوط على السكان من أجل الهجرة.

مشكلة التعليم

والحقيقة أنه علينا أن نعترف أنه بالإضافة لتأثير تغير المناخ على التعليم، فإن هناك مشكلات عدة أخري قائمة بالفعل، حيث أنه وعلى مدي عقود ماضية برعنا في ترسيخ مبادئ ومفاهيم مغلوطة عن كيفية حل مشكلات التعليم، متذرعين بأعذار متعددة، حتى ولو كانت حقيقية فهي غير مقبولة وغير مقنعة أو مجدية، ناهيك عن تصدير ثقافة الإستشكال لتبقى أي مشكلة عالقة لسنوات وسنوات حتى تتعاظم وتصبح أزمة يستحيل معها تقديم أية حلول، وأضحت المسكنات حلولا عظيمة لدي الكثيرين.

إضافة إلى تقديم الحلول المنقوصة لتصل بالمشكلة إلى مداها، وتصبح مزمنة بين إقناع واقتناع الجموع بأنها مشكلة محلولة أو لا حل لها سوي الموجود حاليا.

وأي تدخل لتصويب الواقع يصبح ضربا من الجنون وخروجا عن العادة والمألوف، ومدعاة إلى وابل من الهجوم والاتهامات وتعمد الإهمال والعداوة.

فقد أضحي التعليم ورقة ضغط تستنزف المجتمع والدولة في آن واحد وتعصف بآمال الطلاب في الحصول على تعليم جيد ووظائف مناسبة وحياة كريمة.

وتغيرت صورة التعليم في بعض دول الشرق الأوسط، ليتنامى عزوف الطلاب عن الذهاب إلى المدارس والإقبال على الدروس الخصوصية والسناتر، مع تدنى رواتب المعلمين وأعضاء هيئة التدريس والتخبط في النظم الإدارية وتعدد التجارب التعليمية تبعا لتغير الوزارات مع انتشار التعليم الخاص بشكل متنامي وغير مدروس والزيادة المطردة في أعداد الطلاب.

والحقيقة أن مشكلة التعليم قد تعدت آثارها التعليمية لتضرب وبقوة شكل المجتمع المصري ومكوناته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ولن تحل هذه المشكلة إلا عن طريق الاعتراف بأن المجهودات المبذولة حتى الآن وإن كانت كثيرة ومتنوعة ومحمودة بلغة الأرقام إلا أنها غير كافية وغير مرضية بلغة الواقع.

والأهم من ذلك كله تحديد وتعظيم نقاط القوة والإنجاز والنجاح خلال الفترة السابقة واعتبار الباقي هو نقاط الضعف والإخفاق وذلك بغية حل المشكلة من جذورها.

مع ضرورة التوقف عن المبالغة في تعظيم الإنجازات التي تصبح متآكلة بعد تحقيقها بفترة وجيزة أو في حينها للأسف وتقييم الحلول سلبا وإيجابا بكل حيادية.

حلولا حقيقية للنهوض بالعلم والتعليم في مصر

أعتقد أن الاستثمار في التعليم واتباع منهج الخطوط المتوازية، مع وضع خطط مرنة قصيرة وطويلة الأجل قابلة للتعديل والتقويم والتطوير المستمر هي الحل الأمثل لحل المشكلة حاليا.

على أن يكون ذلك عن طريق وضع خطة للنهوض بالجيل القادم بداية من المرحلة الابتدائية وانتهاءً بالجامعة مع تقليص عدد الطلاب المقبولين بالجامعات والتوسع في القبول بالمدارس العليا نظام الخمس سنوات، وخفض وزيادة أعداد بعض الكليات ودمج واستحداث البرامج والأقسام تبعا لحاجة سوق العمل وخطة الدولة واحتياجاتها لحل مشكلاتها الأساسية والتنمية المستدامة، وأن يتيح نظام القبول بالجامعات توفير منح للمتفوقين وقروضا لغير القادرين على أن يتحمل القادرون مصروفاتهم كاملة.

ذلك مع ضرورة تطبيق مبدأ الحقوق والواجبات متبوعا بالثواب والعقاب لكل القائمين على القائمين على العملية التعليمية.

وربما قد يكون أحد الحلول المطروحة الناجحة هو عن طريق المشاركة المجتمعية في حوار يتبني ويدرس مزايا الجمع ما بين التعليم المدرسي والتعليم عن بعد، وخاصة بعد جائحة كورونا (والتي عززت من فرص التعليم عن بعد على حساب التعليم المدرسي).

وذلك من خلال منصات علمية تشرف عليها الدولة وبالتالي نحقق الاكتفاء من عدد الفصول المدرسية المطلوب إضافتها سنويا (حيث يلتحق بالتعليم الابتدائي ما بين 2- 2.5 مليون سنويا)، ناهيك عن سد العجز في عدد المدرسين المطلوب وبالتالي نوفر للدولة ميزانية ضخمة من تكليف إنشاء المدارس ومستلزماتها التعليمية وأجور ورواتب القائمين على العملية التعليمية.

وعلينا أن نستغل فرصة ربما لن تتكرر مرة أخري في ظل حديث سيادة الرئيس السيسي بشفافية عن وضع التعليم ودعمه ورغبته في إيجاد حلولا حقيقية للنهوض بالعلم والتعليم في مصر.

وقد تكون المهمة الأطول أمدا والأكثر تحديا هي تطوير أنظمة التعليم التي تزود الطلاب بالمهارات المطلوبة، والمعرفة والسمات اللازمة للتعامل مع التحديات المستقبلية.

وعلى كافة الأوجه، ليس هذا بالشيء الجديد، لكنه يشكل صميم الهدف الأساسي لأجندات التعليم والتنمية في مصر.

ومع هذا، فإن ما تغير هو طبيعة وإلحاح التحديات القائمة على المستويات المحلية والوطنية والعالمية.

تحسين أنظمة التعليم المراعية للظروف المناخية

ربما تغير المناخ قد يدفع واضعي السياسات للعمل على تحسين أنظمة التعليم المراعية للظروف المناخية، ومساعدة المدارس على تحسين الاستعداد في حالة الكوارث الناجمة عن أحوال الطقس، مع مراجعة البنية الأساسية القائمة لضمان سلامتها، ووضع خطة لإدارة وتقليل مخاطر الكوارث على المدارس.

وبالنسبة للمدارس الجديدة، يعني إجراء تقييمات أفضل للمخاطر عند اتخاذ القرارات بشأن موقع إقامة المدرسة واختيار بنى أساسية أكثر ملاءمة ومصممة للصمود أمام الظواهر المناخية الشديدة.

مع إمكانية إضافة مواصفات أكثر تكيفا مع المناخ المستجد في المنطقة من خلال أبنية أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وتعتمد على الإمكانيات الوفيرة من الطاقة الشمسية في المنطقة على سبيل المثال، وتخزين مياه الأمطار لإعادة استعمالها… إلخ.

وبهذه الطرق تصبح أنظمة البنية الأساسية التعليمية أكثر قدرة على مجابهة تغير المناخ.

ولعل من المفيد أن نذكر أن دول الشرق الأوسط بما فيها مصر، بدأت فى التحرك نحو الاتجاه الصحيح لبناء أنظمة تعليمية ذات قدرة على مجابهة الآثار الناشئة عن تغير المناخ، وذلك استجابة لنص المادة 6 من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، والتي يطلق عليها برنامج عمل نيو دلهي (2002 – 2012)، على أن التعليم والتدريب والوعي العام جزء لا يتجزأ من الاستجابة لمواجهة تغير المناخ.

وقد تجددت هذه الدعوة عام 2012 من خلال برنامج عمل الدوحة القائم على المادة 6 من الميثاق.

وفي الوقت الحالي، فإن تغير المناخ يضاف حاليا إلى مادة العلوم أو يدرس منفصلا في المدارس الإعدادية والثانوية في جميع دول الشرق الأوسط، لكن المطلوب القيام بتحول أوسع نطاقا وأكثر رسوخا في التوجه.

وفي الوقت نفسه، هناك جدل ثري ومتنام حول الدور الذي ينبغي أن يلعبه التعليم في الحقيقة لتشجيع التنمية المستدامة ومكافحة تغير المناخ.

والسؤال في هذا الإطار هو ما إذا كان ينبغي أن يكون الهدف من البرامج التعليمية هو توعية الناس بانتهاج السلوك اللائق، مثل إعادة تدوير المخلفات، وترشيد الطاقة، أو تخفيض بصمات الكربون الفردية، أو بتشجيعهم على تطوير مهاراتهم في مواجهة التغير السريع للمناخ والضبابية التي تكتنفه والتغلب عليها، ومن خلال التفكير النقدي وحل المشاكل، أو بنشر قيم معينة كاحترام الذات، واحترام الآخرين واحترام البيئة.

وفي كافة الاحتمالات، سيكون كل هذا المزيج مطلوبا لمواجهة التحديات العديدة المتصلة بتغير المناخ وآثاره السلبية على التعليم والتعلم.

وأخيرا قد نجد أنه من المفيد أن نختم بضرورة تبني حوار مجتمعي مشاركة مع كل الوزارات والمؤسسات المعنية لتقديم كل الحلول الممكنة واختيار الأفضل منها، مع استغلال منهج الشفافية التي تتبناه القيادة السياسية حاليا.

تابعنا على تطبيق نبض

Comments

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: