د.رفعت جبر: البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.. تحدي صحي عالمي
رئيس قسم التقنية الحيوية - كلية العلوم جامعة القاهرة

أدى اكتشاف المضادات الحيوية (الأدوية التي تقتل أو تمنع نمو البكتريا) في أوائل القرن العشرين إلى تحول جذري في حياة كل من الإنسان والحيوان.
وذلك حيث تنقذ المضادات الحيوية الآن ملايين الأرواح كل عام في الولايات المتحدة وحول العالم.
بينما تكمن الخطورة في ظهور سلالات بكتيرية مقاومة للمضادات الحيوية والتي تعد بمثابة بؤرة تهدد الصحة العامة والاقتصاد على حد سواء.
وقد أوردت تقارير مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) أن ما لا يقل عن مليوني مريض، و 23000 حالة وفاة تحدث سنويا بسبب البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية في الولايات المتحدة وحدها.
وإذا قلت أو انعدمت فعالية المضادات الحيوية، فلن نتمكن بعد الآن من الاعتماد عليها في علاج الالتهابات البكتيرية (الالتهاب الرئوي البكتيري، والأمراض المنقولة بالغذاء، والالتهابات المرتبطة بالصحة عامة).
ويتنامى الخطر تدريجيا لقلة عدد المضادات الحيوية الفاعلة ضد السلالات البكتيرية المقاومة، وخاصة العدوي البكتيرية المحتملة التي يصعب علاجها أو غير قابلة للعلاج، في ظل إجراء الجراحات المتعددة وعمليات الزرع المختلفة والعلاج الكيميائي.
وكنتيجة لذلك فسوف نكون مهددين، حيث تصبح اختياراتنا محدودة أو غير موجودة أساسا مع الزيادة الكبيرة في تكلفة العلاج لمحاولة استنباط مضادات حيوية جديدة فاعلة.
كانت البداية في ديسمبر 2013م، حيث وجه رئيس مجلس الأمن القومي (NSC) ومكتب سياسة العلوم والتكنولوجيا (OSTP) لتقييم التهديد الحالي والمتزايد للمضادات الحيوية المقاومة ووضع خطة متعددة التوجهات لمكافحة البكتيريا المقاومة.
ومن ثم إنشاء لجنة سياسة مشتركة بين الوكالات لمراجعة الجهود الفيدرالية السابقة والحالية من أجل معالجة مقاومة المضادات الحيوية.
وقد ضمت اللجنة المشكلة ممثلين عن وزارة الصحة والخدمات البشرية (HHS)، وزارة الزراعة (USDA)، إدارات الأمن الداخلي (DHS)، الدفاع (DOD)، شؤون المحاربين القدامى (VA)، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وكالة حماية البيئة (EPA) وذلك لاستنباط الطرق العملية القائمة على الأدلة المقترحة من أجل تعزيز الإشراف على المضادات الحيوية، تعزيز المراقبة لمقاومة المضادات الحيوية واستخدامها الرشيد، ودفع تطوير طرق جديدة للتشخيص واكتشاف المضادات الحيوية والعلاجات الجديدة وتسريع البحث والابتكار.
ولذلك فقد حددت الاستراتيجية الوطنية الأمريكية لمكافحة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية الأولويات لمنع انتشار مسببات الأمراض المقاومة واكتشافها ومكافحتها بالتنسيق مع مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) باعتبارها تهديدات عاجلة أو خطيرة.
و وضعت الإستراتيجية الوطنية خمسة أهداف مترابطة للعمل من قبل حكومة الولايات المتحدة بالتعاون مع شركاء في الرعاية الصحية والصحة العامة والطب البيطري، الزراعة وسلامة الغذاء والبحوث الأكاديمية والفيدرالية والصناعية كالتالي:
1. إبطاء ظهور البكتيريا المقاومة ومنع انتشارها:
عد الاستخدام الحكيم للمضادات الحيوية في الرعاية الصحية والبيئات الزراعية أمرا ضروريا لإبطاء ظهور المقاومة وإطالة العمر النافع لفاعلية المضادات الحيوية.
ولا جدال أن المضادات الحيوية هي مورد ثمين، يتطلب الحفاظ على فائدتها من خلال التعاون والمشاركة من قبل مقدمي الرعاية الصحية وقادة الرعاية الصحية، شركات الأدوية والأطباء البيطريين والصناعة الزراعية والمرضى.
ويعد توعية الجمهور ونشر المعلومات الصحيحة عن مدي فاعلية المضادات الحيوية والاستخدام الصحيح لها، أمر بالغ الأهمية في منع انتشار البكتريا المقاومة.
كما أن الكشف السريع عن الفاشيات والسيطرة عليها، يعزز الجهود الإقليمية لتحقيق تلك السيطرة ومنع انتشارها عبر المجتمع ويساعد أيضا في إعداد بروتوكولات الرعاية الصحية مستقبلا.
2. تعزيز جهود المراقبة الوطنية للصحة بمعايير موحدة لمكافحة البكتريا المقاومة:
يمكن أن تنشأ مقاومة مسببات الأمراض البكتيرية التي تصيب الإنسان والحيوان وبيئته للمضادات الحيوية، مما يتطلب تعزيز الكشف عن أسباب تلك المقاومة والسيطرة عليها عن طريق اعتماد نهج “معايير صحية موحدة” والتي تعزز تكامل الصحة العامة والطب البيطري، المرض والغذاء والمراقبة البيئية.
وعلى ذلك يمكن تحقيق فعالية أكبر للكشف المبكر من خلال مشاركة البيانات المناسبة وتعزيزها وتوسيعها وتنسيقها مع أنظمة المراقبة وإنشاء شبكة مختبرات إقليمية توفر أنظمة موحدة لاختبار وتوصيف البكتريا المقاومة بما في ذلك تسلسل الجينوم الكامل.
3. تطوير واستخدام الاختبارات التشخيصية السريعة والمبتكرة
استفاد الباحثون اليوم كثيرا من التطور الحادث في مجال التقنيات الحيوية الجديدة لتطوير اختبارات الكواشف السريعة للتمييز بين الالتهابات الفيروسية والبكتيرية وتحديد حساسية الأدوية البكتيرية.
وهذا الابتكار يمكن أن يقلل بشكل كبير من استخدام المضادات الحيوية غير الضرورية.
إضافة إلى إن توافر اختبارات التشخيص السريع الجديدة، جنبا إلى جنب مع دراسة خصائص وتوصيف البكتريا المقاومة، يساهم كثيرا في تحديد آليات المراقبة والمقاومة لأنواع البكتيريا المقاومة، بما في ذلك مسببات الأمراض ذات الأولوية.
4. تسريع البحث والتطوير الأساسي والتطبيقي للمضادات الحيوية الجديدة
ضرورة العمل على استبدال المضادات الحيوية التي تفقد فعاليتها في علاج الأمراض البشرية بأدوية جديدة، كما أن هناك حاجة أيضا إلى بدائل للمضادات الحيوية في الزراعة والطب البيطري.
وكلنا نعلم أن التقدم في تطوير الأدوية يتطلب جهودا مكثفة، مثل زيادة الاهتمام ببحوث العلوم الأساسية، والمعلوماتية الحياتية والتسلسل الكامل للجينوم، وتسهيل التجارب السريرية للمضادات الحيوية الجديدة، وجذب استثمارات خاصة أكبر، وزيادة عدد الأدوية المرشحة للمضادات الحيوية في خط أنابيب تطوير الأدوية.
بالإضافة إلى تعزيز تطوير أدوات أخرى لمكافحة المقاومة، بما في ذلك الأدوية الجديدة والجيل القادم من المضادات الحيوية واللقاحات والعلاجات والتشخيصات الإضافية.
5. تحسين التعاون الدولي والقدرات الوقائية والمراقبة والمكافحة والبحث والتطوير في المضادات الحيوية
والحقيقة أن مقاومة المضادات الحيوية باتت مشكلة عالمية، تتطلب حلولا مطروحة من خلال أجندة الأمن الصحي العالمي.
ولذلك تعمل الولايات المتحدة بالتنسيق مع منظمات ووزارات عدة مثل: منظمة الصحة العالمية (WHO)، منظمة الغذاء والزراعة (FAO) للأمم المتحدة (الفاو)، المنظمة العالمية لصحة الحيوان (OIE)، وزارات الصحة والزراعة (USDA & HHS)، ووزارات محلية وداخلية أخرى، وأصحاب المصلحة الدوليين لتعزيز القدرات الوطنية والدولية للكشف، ومراقبة مقاومة المضادات الحيوية وتحليلها والإبلاغ عنها وتوصيفها؛ مع توفير الموارد المالية وحوافز لتحفيز تطوير العلاجات والتشخيصات لاستخدامها فى البشر والحيوانات.
وتعزيز الشبكات الإقليمية والشراكات العالمية التي تساعد على منع والسيطرة على ظهور وانتشار المقاومة.
وفى النهاية علينا أن نعترف أن التطور المستمر لمقاومة المضادات الحيوية أمر لا مفر منه، وأن البكتيريا والفطريات قد طورت آليات فريدة لمقاومة تأثيرات المضادات الحيوية ومضادات الفطريات.
تقليل الآثار على صحة الإنسان
ومع ذلك، يمكن مجابهة تطوير المقاومة، ويمكن تقليل آثاره على صحة الإنسان والحيوان من خلال الوقاية الأولية من العدوى ثم من خلال مكافحة العدوى والتدخلات الأخرى، مع استخدام المضادات الحيوية فقط عند الحاجة، مما يقلل من احتمالية تطور البكتيريا المقاومة ويزيد من فعالية المضادات الحيوية الحالية.
كما يقلل الاستخدام المناسب للمضادات الحيوية من احتمالية الإصابة بالأضرار المتعلقة بالرعاية الصحية التي تلحق بالمرضى، مثل التأثيرات الدوائية الجانبية وزيادة نمو البكتيريا الضارة (على سبيل المثال: “Clostridioides difficile infection” عدوى المطثية العسيرة، التي تسبب إسهالا شديدا، والتهاب القولون السام، وفي بعض الأحيان الموت.
ومن الممكن أن تؤدي جهود الوقاية والاحتواء، إلى جانب الاستخدام الأنسب للمضادات الحيوية، إلى إبطاء ظهور وانتشار الجينات المقاومة للمضادات الحيوية ومسببات الأمراض المقاومة للمضادات الحيوية ويمكن أن تحد من تأثيرها على البشر والحيوانات.
ومع ذلك، هناك العديد من التحديات لهذه الجهود، وبعض هذه التحديات مرتبطة ارتباطا وثيقا بتغيير السلوكيات لضمان الممارسات المثلى لمكافحة العدوى والوصف المناسب للمضادات الحيوية، مع ضرورة إشراك جميع أصحاب المصلحة المعنيين للمشاركة ودعم أفضل الممارسات محليا وعالميا.