د.أمير محمد مباشر: المستقبل المائى لمصر.. الفرص والتحديات
الأستاذ بكلية الهندسة جامعة الأزهر

إن الماء هو سر الحياة، وهو الأساس فيما يحدث على الأرض من أنشطة تؤدي إلى سعادة الإنسان، أو قد تؤدى إلى شقائه، فالمكان الذي يوجد فيه الماء تزدهر فيه الحياة، والمكان الذي ينعدم فيه الماء تنعدم فيه مظاهر الحياة، وقد وضح الخالق – عز وجل – أهمية الماء لحياة الكائنات على وجه الأرض في قوله تعالى «وَجَعَلنَا مِنَ المَآءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُوْنَ» (سورة الأنبياء، الآية30).
وتحتل قضية المياه اليوم مكان الصدارة من اهتمامات دول العالم، وتأتي مصر علي رأس الدول ليس فقط في القارة الأفريقية وإنما أيضا علي مستوي العالم من حيث الاهتمام بالمياه وحُسن إدارتها واحترامها, ويترجم ذلك اتفاقيات عديدة كان أهمها: اتفاقية 1959 والتي تحصل مصر بمقتضاها سنوياً على 55.5 مليار متر مكعب (يمثل أكثر من 95% من مصادر المياه) والسودان على 18.5 مليار متر مكعب, وذلك باعتبار أن الإيراد الكلي للنهر هو 84 ملياراً يضيع منها نحو 10 مليارات أثناء الاندفاع من الجنوب إلى الشمال بسبب البخر والتسرب.
وقد تفاقمت مشكلة المياه في مصر خلال السنوات الأخيرة, فقد انخفض متوسط توافر المياه العذبة للفرد في مصر بشكل مطرد من حوالي 1,893 متر مكعب في العام في عام 1959 إلى حوالي 900 متر مكعب في عام 2000 و700 متر مكعب في عام 2012. ويضع هذا البلاد تحت عتبة ندرة المياه بحسب البنك الدولي البالغة 1000 متر مكعب من المياه المتجددة المتاحة للفرد في السنة. ومن المتوقع أن يستمر انخفاض نصيب الفرد من المياه إلى 534 متر مكعب بحلول عام 2030، أي أقل من الحد الدولي للفقر المائي.
ويأتى على رأس التحديات التى تواجهها مصر فى هذه العقود التغيرات المناخية وما يتبعها من آثار, فطبقاً للتقرير الأخير الذي نشرتة اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغيرات المناخ التابعة للامم المتحدة- (Intergovernmental Panel on Climate Change-IPCC ) – في نهاية عام (2021), فإن التغير في المناخ العالمي قد يؤدى إلى التأثير السلبى على مصادر المياه فى مناطق عديدة على وجه الكرة الأرضية ومن بينها منطقة حوض النيل. حيث أنه من المتوقع انخفاض إمدادات المياه العذبة من الجنوب إلى الشمال نتيجةَ الجفاف الذي سيعتري دول منابع النيل بسبب ارتفاع درجة الحرارة، فزيادة نسبة التبخر في المناطق الإستوائية وشبه الإستوائية سوف تؤدي إلى انخفاض كمية مياه نهر النيل، ومن ثم انخفاض حصص الدول.
المستفيدة ومن بينها مصر. ولو أضفنا إلى ذلك زيادة عدد السكان المتوقعة والتي تُقدَّر بنحو 70% في عام 2050م أو بعدها بقليل، ومن ثم زيادة الطلب على المياه للأغراض الزراعية والصناعية- فإن ذلك يعني انخفاضًا في حصة الفرد من المياه بأكثر من 66% عام 2100م, الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تفاقم النقص الحاد الذي تعاني منه البلاد في مجال مياه الشرب والري وتوليد الطاقة الكهربائية.
ويؤكد الخبراء على وجود حلول واستراتيجيات عديدة يُمكن اتّباعها للحدّ من ظاهرة نقص المياه نتيجة التغيرات المناخية التي تواجهها العديد من دول العالم ومن بينها مصر، ومن اهمّ هذه الحلول ما يأتي:
1-تجنّب الإسراف في استخدام المياه المخصّصة للريّ والاستخدامات الزراعية: حيث أنّ قطاع الزراعة يمثل المستهلك الأكبر للموارد المائية المتاحة فى مصر, ففى مصر تستهلك الزراعة حوالى 80% من مصادر المياه بينما تستهلك الصناعة والاستخدام الآدمى 20% .
ويمكن الاقتصاد فى استخدام المياه للأغراض الزراعية عن طريق تغيير طرق الرى التقليدية فى العديد من المناطق والمتمثلة فى الرى بالغمر وغيرها من الأساليب منخفضة الكفاءة واستبدالها بطرق الرى الحديثة كالرى بالرش والرى بالتنقيط والتى تعمل على توفير كميات كبيرة من المياه.
2-إعادة تدوير مياه الصرف الصحيّ: وذلك بعد معالجتها في محطات معالجة خاصة، وقد زادت كمية المياه المعالجة سنوياً من 0.26 مليار فى أوائل التسعينات لتصل إلى نحو 2 مليار م3 فى عام 2017 , وتقدر كمية مياه الصرف الصحى بالقاهرة الكبرى بحوالى 6 ملايين متر مكعب يوميا يستخدم جزء بسيط جدا منها فى الزراعة، والباقى يصرف فى المجارى المائية، ومع زيادة مشكلة نقص المياه فى مصر أصبح لابد من التوسع فى استخدامها خاصة فى أغراض الزراعة.
3-إعادة إستخدام مياه الصرف الزراعى: وتعتبر مياه الصرف الزراعى المعاد استخدامها من المصادر الرئيسة التى من الممكن أن يعتمد عليها فى تنمية الموارد المائية مستقبلاً. ويجب الأخذ فى الاعتبار تحسين نوعية مياه الصرف الزراعى من خلال معالجة مياه المصارف الفرعية مباشرة، أو المصارف الرئيسية قبل خلطها بمياه عذبة، مع تجنب خلطها بمياه الصرف الصحى أو الصناعى لتجنب المخاطر البيئية الناجمة عن إعادة إستخدام مثل هذه النوعية من المياه دون معالجة.
4-تطوير أنظمة تجميع مياه الأمطار والسيول: وهو أسلوب يجب اتّباعه خاصة في المناطق التي تُعاني من شحّ في مياه الأمطار نتيجة تغيّرات المناخ. ويشير تقرير منظمة الفاو إلى أن حجم الأمطار التى تسقط على مصر سنويًا تقدر بنحو 51 مليار متر مكعب، ولكن لا يتم الاستفادة إلا من نحو مليار متر مكعب فقط تقريباً، وهى تلك الكمية التى تسقط على مناطق الدلتا، أما المناطق الصحراوية فلا توجد بها مخرات للسيول وهو ما يؤدى إلى عدم الاستفادة من المياه.
5- استخدام المياه الجوفية: تتوزع خزانات المياه الجوفية المتجددة بين وادى النيل (بمخزون 200 مليار متر مكعب تقريبآ ) ، وأقليم الدلتا ( بمخزون 400 مليار متر مكعب تقريبآ ) . وتعتبر تلك المياه جزءآ من موارد مياه النيل . ويقدر ما يتم سحبه من مياه تلك الخزانات نحو 6.5 مليار متر مكعب وذلك منذ عام 2006. ويعتبر ذلك فى حدود السحب الآمن والذى يبلغ أقصاه نحو 7.5 مليار متر مكعب حسب تقديرات معهد بحوث المياه الجوفية . ومن المتوقع أن تؤدي المياه الجوفية دورًا مهمًّا في تزويد مصر بجزء من احتياجاتها المائية، ولكن هذا وفقا للخبراء يجب أن يتم بحذر لأن الاستخدام المفرط للمياه الجوفية من شأنه التأثير على الخزان الجوفى مما يؤدى إلى ملوحة التربة فيما بعد.
6-تحسين البنية التحتية لأنظمة توزيع المياه: ممّا يضمن العدالة بالتوزيع والتقليل من هدر المياه وحماية صحّة الناس، فالبنية التحتية الضعيفة تُفاقم مشاكل نقص المياه وتزيد من فرص انتشار الأمراض المنقولة بالمياه الملوّثة.