وجهات نظرأهم الموضوعات

د.أحمد يحيي راشد : الاستدامة ودراسات المستقبل: صناعة وإدارة

أستاذ العمارة والتخطيط، ومدير مركز فاروق الباز للاستدامة ودراسات المستقبل بالجامعة البريطانية في مصر

حقوق حضارة لبناء حضارة 1 ..

 

مع تحديات واقع على مستوي العالم مع تغير المناخ وكوفيد 19، ومتغيرات ذات ابعاد اقتصادية واجتماعية وبيئية وسياسية، ويتزامن معها اجتهادات دولة من القمة للقاعدة لاستعادة مكانتها لأحداث تغير وتغيير، فأنه يتطلب الامر مسئولية مقابلة من القاعدة للقمة بالوعي والفهم حتي تتلاقي المجهودات والسيناريوهات في مساحة الاستدامة ودراسات المستقبل.

فالتنمية المستدامة ودراسات مستقبل مصر ليست مجرد ضرورة نظرية، ولكنها قضية جيل لابد أن يجتهد ويفكر ليؤدي مسئوليته نحو أجيال المستقبل.

وعلي مدي سنوات تنوعت المشروعات ذات الصبغات القومية لعمران مصر، بدأت بتوقعات متفائلة وانتهت بنتائج محدودة أو إحباط. ومع أن قدرات مصر متجددة ومستمدة من جذورها الحضارية ومن طاقات الإنسان المصري إلا أن التفكير في المستقبل يجب أن يتعدى مراحل التجربة والخطأ التي تستنفذ الطاقات، وأن تكون خطواتنا مدروسة ومخططة وبنوع من شراكة الأطراف للوصول إلي تنمية مستقبلية ومستدامة.

وللتنمية المستدامة فإنه لابد عند التخطيط الاقليمي علي المستوي البيئي لها ان نفرق بين مفهومي غزو الصحراء وفتح الصحراء فغزو الصحراء تعني عدم الاستقرار وانها مرحلة مؤقته بينما مدلول كلمة فتحها تعني استدامة التنمية بها وهنا يثار التساؤل: كيف يمكن استثمار الفرصة للتنمية المستدامة وماهي فرص الاستثمار؟ وهل التوجه للصحراء سيحقق تنمية مستدامة ومستقبل افضل لمصر؟ أم تلك الرؤي والخطوات تستنزف المقدرات الحالية والمستقبلية؟ وهل تم أو يتم الاستناد إلى دراسات واقعية، علمية وعملية في صناعة القرار، وهل تتواكب القرارات والخطوات مع معدلات التغيير والسرعة في التغيير وما نعيشه في مرحلة العولمة وتغيير مناخي وازمات عالمية، وما استتبع ذلك من تغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية؟ وما هو دور الجامعات والمعاهد العلمية ودور التعليم المعماري والهندسي؟

وبغض النظر عن الجدال بين متحمس ومتحفظ، ومؤيدا ورافضا، يثار التساؤل: هل بمقدور مصر أن تعمل وتنمو في إطار الوادي القديم وحده تاركة اكثر من 90% من مساحتها معطلا؟ وماذا يحدث بعد ربع قرن بدون التوجه للصحراء؟ والإجابة: أن مصر قد يكون متاح لها اليوم أن تتسأل ولكن مع الوقت لن يكون هناك مجال للسؤال وستكون الصحراء ضرورة حياة لمستقبل الغد، وليس مجرد ارض جديدة تضاف إلي حيز المعمور أو مشروع نهضة تستوعب مختلف مجالات النشاط إنتاجيا وخدميا أو أداة لإعادة توازن إلي خريطة مصر سكانيا وعمرانيا واقتصاديا، بالإضافة لذلك مجال فسيح بكر للبناء والتنظيم والاستثمار علي قواعد جديدة بلا قيود مكانية. ليشمل أنشطة إنتاج وخدمات وبنية أساسية وقيام مجتمعات عمرانية جديدة علي أسس تخطيطية صحيحة من حيث تشييد المساكن والمستشفيات ووحدات العمل ويتلاءم مع الطبيعة المناخية للمنطقة.

ومع فكر التنمية المستدامة لابد ان يكون والعلم والبحث العلمي والتقنية الحديثة المتجددة وما يتم تقديمه بصور متسارعة من رؤي وافكار وامكانيات في الفكر والرؤية مع استلهام البعد التراثي المتأصل دور تفاعلي في كتابة تاريخ المستقبل. وعليه فإن التوجه للصحراء ومستقبل مصرلا يمكن أن يترك للقوى التلقائية أو لمصادفات تاريخية، مع التأكيد أن فكر الوادي القديم بمشكلاته وأمراضه لا يناسب مستقبل المجتمع الجديد، وإذا لم يسارع فكر المعماري والمهندس المصري برسم صورة مستقبلية مرغوب فيها لمجتمعهم من منظور مصلحة مصر، فسيتولى الآخرون تلك المهمة عنهم، ولكن مع فارق أساسي، وهو رسمهم مستقبل مصر طبقاً لمصالحهم، ولأن ما نعيشه اليوم من أرث الآباء والأجداد، فأنه من المسئولية أن نتدارس ما يمكن أن يرثه منا الأبناء والأحفاد والدور الذاتي للجيل الحالي. ومسئولية المعماري والمهندس واجبة ومثبته في هذه المرحلة، ولا يمكن أن يتخلى عن دوره أو قيادته في خلق البيئة العمرانية المستقبلية واستدامتها في فكر ووجدان طفل اليوم، رجل المستقبل.

مقترح ممر التنمية
مقترح ممر التنمية

ويتوافق الامر مع مبادرات عديدة من تقوم بها الدولة فعليا في بناء مدن جديدة والارتقاء بالمعمور المصري الفعلي في المدن والقري، ومعها مبادرة حياة كريمة مع فكر يطرح بالتوازي من العلماء والمختصين وقد يكون ولا يزال مساحات لسيناريوهات تؤخذ بالجد ويمكنها ان تضيف بطاقة ودراسات الشباب اليوم وتبني بالأحفاد ومنها ما طرحه العالم الفاضل فاروق الباز “لممر التنمية والتعمير” لتنمية مستقبلية ومستدامة والتي من المفترض ان تتكامل مع رؤي أخري لمستقبل مصر بالتوازي في مجالات متعددة ومتشعبة علي المستوي الاجتماعي والاقتصادي والاستثماري والاداري والتقني والتعليمي وعلي المستوي الشعبي وشراكة الاطراف. وأن تلك الرؤية المقترحة تم ويتم تدارسها من مؤتمرات ودراسات ومشروعات تخرج كسيناريوهات للتنمية المستدامة بوعي انها ليست هي الرؤية الفاصلة والقاطعة لمستقبل مصر، بل هي رؤية وضعها الدكتور فاروق الباز تتكامل مع رؤي اخري ودراسات في سبيل أن تدرس وتتدارس ليتحول الحلم إلي واقع، واقع لا يحتمل التجربة والخطأ وعليه من “منظور الرؤية” فإن الطرح لابد أن يعمم ويفهم من أكثر من زاوية وعلي مستوي القيادة والمجتمع وعلي مستوي الاجيال المختلفة: جيل الحكماء وجيل الوسط والاجيال الشابة واطفال اليوم والطفل الذي لم يولد بعد.

وعليه فقد كان ذلك المقترح مساحات لمشروعات التخرج التي أشرفت عليها في جامعة المنصورة من 2004 -2009، ثم كانت مجالا للنقاش في المؤتمر الأول للإستدامة ودراسات المستقبل بعنوان “المدن المتوسطة المستقبلية المستدامة: رسالة إلي اجيال المستقبل” بالجامعة البريطانية في مصر 2010 ولا نزال نعمل ونستهدف البحث في إمكانية توظيف التعليم المعماري والهندسي والجامعي وما قبل الجامعة لتبادل الحوار بين الاجيال ووجود تاريح للمستقبل يبدأ ارساءه اليوم مع تفهم أن الكامن والذات والزمن والمكان مؤثرات متغيرة وفقا للموارد والامكانات وفي ذات الامر التقنية والعلم عناصر تقدم الجديد من المعطيات المدرجة والغير مدركة وبالتالي فاننا نجد ان علوم النانو تكنولوجي والثورة البيولوجية وعلم الجينات والثورة المعلوماتية تمكن من صناعة وادارة المستقبل من خلال شراكة المجتمع وهو علم المستقبليات او كتابة تاريخ المستقبل.

مستقبل التنمية في مصر
مستقبل التنمية في مصر

تم انشاء مركز الاستدامة ودراسات المستقبل بالجامعة البريطانية منذ اكثر من 10 سنوات، واصبح اسمه منذ 2017 مركز فاروق الباز للاستدامة ودراسات المستقبل، تحقق لدينا كثيرا من الدراسات، من واقع مؤتمرات ومسابقات متعددة وتوافقنا مع العالم الجليل، اننا قد لا نقص شريط الافتتاح لتحويل الفكر الي واقع ولككنا نعد العدة لأعدادا بناة الحضارة، وهم من سيتمكن في يوما ما لبناء الحضارة ، وانه من مسئوليتنا ان نعمل علي تواجد وتعاون وعمل تحالفات مع الجامعات والمعاهد العلمية ليكون لديهم مراكز ووحدات لدراسة المستقبل وإمكانيات استدامة التنمية والتفكير فيما يمكن أن تحتويه بيئاتها من مزج بين تقنيات العصر من جهة، والأصالة وما تشتمل من أنساق عقائدية وفكرية وتعليمية من جهة أخري.

أن تكون تلك المراكز وسيلة للتواصل والية للتنمية المستدامة من خلال توظيف امكانات الشبكة المعلوماتية وتتضمن توثيق كل المحاولات والدراسات ووجود بنك للأبداع والابتكار والافكار الغير نمطية أو تقليدية للفكر المستقبلي لسيناريوهات مصر لخلق البيئة المستقبلية يتم فيها غرس مفاهيم، زرع مبادئ، وايقاذ وعي، وإلمام بتاريخ الأمة، بأسلوب مبسط ومعاصر، وتكون مركزا لدعم واتخاذ القرارات المستقبلية.

وفي سلسلة من المقالات القادمة تحت عنوان: حقوق حضارة لبناء حضارة خطوات ونقاشات للمنهجية ولألية والكيفية لتحقيق النيات

تابعنا على تطبيق نبض

Comments

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: