وجهات نظر

د.أحمد هاني: الإنسان والبيئة بين الكيمياء والبيولوجيا

أستاذ الحساسية والصدر وطب البيئة بالأكاديمية الطبية العسكرية

لعبت الكيمياء دورًا حيويا في تقدم الحضارة ومازلت تلعب هذا الدور وتقدم لنا كل يوم مركبات جديدة تفيد البشريه، إلا أن هناك العديد من المركبات الكيميائية تعتبر ضارة وأضرت بصحة الإنسان والحيوان، بل أن نفايات المصانع، وتعتبر مركبات كيميائية لا تتحلل أضرت بالزرع ونوعية المياه بالتربة الزراعية.

وتعتبر دراسات الجدوي البيئية حديثة نوعا ما ،فلم يتم تطبيقها علي استحياء، إلا في سبعينيات القرن الماضى، ولم يم التطبيق علي نطاق واسع إلا في هذا القرن، ولو طبقت مع الثورة الصناعية لتجنبت البشرية كثير من المشاكل أهمها تلوث الأنهار الذي اتشر عالميا سواء في الدول المتقدمة أو في الدول النامية.

مقارنه بين البيولوجيا والكيمياء كعلم تطبيقي

البيولوجيا علم قائم علي الملاحظة والرصد ويأخذ وقتا بين المتوسط والطويل حتي يصل إلي نتائج بينما الكيمياء علم تخليقي يقوم علي دراسة المواد في المعمل وتخليق مواد جديدة يمكن استخدامها في الحياة وخاصة في الصناعة الوقت الذي تستغرقه الكيمياء لإنتاج مركب جديد قصير نسبيا، وحاليا يمكن أن يتم تخليق المادة نظريا بالحواسب الآلية ثم تطبيق ذلك معمليا.

المركبات الكيميائية ومضارها

تختلف سمية المواد الكيميائية علي البشر والحيوان الزرع ومنها المذابة في الماء، تنتقل بين الماء والأرض، وتؤثر علي النبات ومنها ما يصيب الأرض بالبوارو منها المركبات الغازية التي تنتشر مع الهواء وتسبب تلوثا يؤدي إلي الأمراض الصدرية والجلدية والحساسيات.

ومن المركبات الكيميائية ما يبقي في الأرض لسنوات وينتقل للمزروعات ليسبب أمراض بعد سنوات والعديد من المصانع تلقي بمخلفاتها الكيميائية في الأنهار لتصبح المياه غير صالحة للشرب أو للري وإجبار المصانع علي معالجة النفايات الكيمائية أحد الحلول إلا أنه حل عالي الكلفة لتزيد تكلفة الإنتاج، مما يجعل العديد من الدول خاصة النامية تستبعد مثل هذا الحل و شجع الكثير من الشركات عابرة الحدود علي نقل مصانعها التي تسبب تلوث للدول النامية ودول العالم الثالث غير مبالية بالأثر الصحي والبيئي و تبوير الأرض ووقف التنمية.

أكتشاف الأثر البيولوجي للمركبات الكيميائية

بينما ينتج الكيميائيين العديد من المواد في فترة قصيره، يأخذ البيولوجيين العديد من الوقت لإكتشاف مضارها لأن البيولوجيين مرتبطين بدورة حياة النبات أو حيوان التجارب لمعرفة المضار وأحيانا يجب متابعه الأثر البيولوجي لمدد طويلة قد تأخذ خمس أو عشر سنوات لتقرير مضارها علي الإنسان، فمثلا المواد التي تسبب السرطان لا يمكن الجزم بذلك قبل مرور خمس أو عشر سنوات ولا يكفي الدراسات الخاصة بالصحة العامة وانتشار المرض وإنما يحتاج الأطباء لدراسة مجموعة من البشر ومتابعتهم لمدة طويلة وأخذ عينات ومقارنة ذلك بمجموعة أخري غير معرضه للمادة الكيميائية.

وعادة إذا تسببت مادة كيميائية في إحداث مرض في حيوانات التجارب يوم البيولوجيين والأطباء بالتحذير منها، لكن لمنعها من الأسواق يحتاجوا لأدلة قاطعه.

الجوانب القانونية

كي يتم منع مادة ما من التداول في الأسواق بالقانون، يجب إصدار تشريع بذلك، ولكي يتم ذلك فالجوانب التنفيذية تأخذ وقتا كما أن سلطات التنفيذيين قد تكون قاصرة في بعض البلدان وحتي عند منع أحد المواد من التداول قد لا يتأتي الوسائل التكنولوجية لمتابعتها وعمل التحاليل اللازمة واكتشافها والشركات، وخاصة الشركات عابرة الحدود عادة ما تشكل ما يعرف باللوبي السياسي والإعلامي لعدم منع منتجاتها وأبسط مثال هو الألوان الصناعية المضافة للأغذية المعروفة بتسببها في حساسيات شديدة و مضار علي الأطفال والكبار لم ينجح البيولوجيين ولا الأطباء في منعها كما أن هناك العديد من شبكات المطاعم العالمية التي تسوق لوجبات لللأطفال وسعراتها الحرارية أكبر من إحتياج الأطفال بكثير وقد أثار الأطباء في الولايات المتحدة هذه الملاحظة بل و حذروا من السمنة المتزايدة بين الأطفال و المراهقين، إلا أن لم يستطع أحد منع هذه الوجبات أو حتي التخفيف من سعراتها الحرارية.

التمويل

عادة الشركات الكبري ترصد أموال ضخمة لترويج المنتجات وجزء كبير من هذه الأموال تذهب إلي الإعلام، وفي حاله شك البيولوجيين في مادة كيميائية، فهذه الشركات ترصد مبالغ طائله للإنفاق علي أبحاث مضادة فمادة مثل الأسبستوس تم منعها بعد زيادة حالات سرطان الرئة و الغشاء البلوري، ووجود جزيئات الأسبستوس في أنسجة الرئة للمرضى الذين توفوا ، وتم تشريح جثثهم لمعرفة سبب الوفاه.

وبينما تنفق الشركات ببذخ علي الأبحاث الكيميائية يعاني البيولوجيين، وخاصة الأطباء من نقص التمويل لأبحاثهم لإثبات الضرر البيولوجي للكيماويات.

وحتي في الدعاية نجد أن الإعلانات عن الوجبات السريعة منتشرة بينما يوجد برنامج أو إثنين للأطباء للتحذير منها، وكذلك معظم مستحضرات التجميل أو أي مادة كيميائية.

كما قد يتعرض بعض الباحثين للضغوط او تشويه السمعة عند إصرارهم علي إستكمال بحث ضد مادة لم تجني الشركات أرباحها كاملة أو لم تطور مادة بديله.

إدخال المركبات الكيميائية الضارة في المجتمع

تدخل المركبات الكيميائية الضارة سواء بغرض الربح أو بغرض الإضرار بالمجتمع.

ومثال للطرق المقصودة من أجل الربح بصرف النظر عن الأضرار التي تحدث في المجتمع.

مصانع غير مرخصة أو كما نطلق عليها مصانع تحت السلم و إنتاجها للأغذية و المكياجات واستخدامها للألوان الصناعية وصبغات الملابس التي بها كيماويات ضاره وكذلك المبيدات الحشرية غير المرخصة التي تبقي في الأرض والهواء فترة طويلة، وكذلك بعض الشركات العالمية التي يتم حجب منتج لها في البلاد المتقدمة تحاول ترويجه في بلاد دول العالم الثالث، حيث الرقابة أضعف وانتشار الفساد يجعل الموافقة أو التغاضي عن تلك المنتجات أسهل.

أما الكيماويات التي تدخل المجتمع بطريقة مقصودة لإحداث ضرر فإما تدخل عن طريق دولة معادية أو مجموعة معادية مثلما حدث في بولندا حيث تم تسميم نهر اورد بين بولندا وألمانيا ونفق مئات الأطنان من السمك، أكيد أن تم ذلك بفعل فاعل والتحقيقات ماتزال مستمرة.

ومنذ سنوات تم الترويج للعب أطفال في أوربا اتضح أن بها مادة الرصاص التي تسبب أمراض في الجهاز العصبي وتمت مصادرة هذه اللعب.

الحل

يجب الأخذ بيعين الإعتبار لدراسات الجدوي البيئية وإدماج دراسة جدوي بيولوجية وطبية بها وحساب المضار التي ستحدث وتكلفتها العلاجية كخسائر علي المجتمع تتحملها الشركات إذا ثبت أنها تروج لمواد ضاره بالحياة الإنسانية او الحيوانية أو النباتية أو تلوث للهواء أو الماء أو التربة الزراعية وإجبار الشركات علي الإنفاق بنسبة معقولة علي الأبحاث البيولوجية لموادها في جهات محايده والتوسع في الاختبارات الدالة علي وجود مواد ضارة خاصة المواد التي تسبب أمراض للأطفال أو التي تسبب سرطانيات أو تتراكم في الجسم لتسبب أمراض بعد فترات.

الخلاصة

بينما يستطيع الكيميائيين إنتاج العديد من المواد في فترة قصيرة، يحتاج البيولوجيين لفترات طويلة لدراسة الجوانب الضارة للمواد الكيميائية وبينما التمويل والدعاية تتوافر للكيميائيين نجد أن البيولوجيين يفتقدون لذلك، فيجب إدماج دراسات الجدوي البيئية والبيولوجية والطبية قبل التصريح بالإنتاج الموسع للمواد الكيميائية.

تابعنا على تطبيق نبض

Comments

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: