د.مصطفى حسين: بين الداء و الدواء..مخلفات طبيّة مجهولة المصير
أستاذ بعلوم القاهرة- وزير البيئة الأسبق

من المفترض أنّنا على أسرّة المستشفيات، داخل غرف العمليات، في المختبرات والعيادات والصيدليات، نحاول بعد الله شفاء أكبر عدد من المرضى، ومساعدتهم بكل ما أوتينا من علم ومهارات من أجل العودة للحياة.
غفلنا في مكان ما، إنّ عملنا الإنساني الطبي السامي يشفي مريضا ليدخل من باب الطوارئ مريضا أخر، تسبّبت مخلّفات المريض الأول بإصابته بمرض عضال.
بإيجاز, كلمات بسيطة تصف واقعنا العربي الحالي في التعاطي مع النفايات الطبية التي تنتج كل يوم بكميات مهولة، خاصة بعد جائحة كورونا، وما تتطلبه من علاجات وأجهزة وأدوية، وبالتالي حصيلة أخر النهار كمّ متجدّد من النفايات الطبية.
أدوات حادة, دماء ملوّثة،ضمادات، وقفازات، وأدوات، وأدوية، وكل ما ينتج عن أي نشاط طبي وبيولوجي يندرج تحت تصنيف النفايات الطبية التي يصنّف الكثير منها على أنّها نفايات معدية، وقد تسبّبت وفقا لإحدى بيانات منظمة الصحة العالمية بمليون إصابة بالتهاب الكبد “ب 21” ومليون إصابة بالتهاب الكبد”ت 2″، و260000 إصابة بفيروس نقص المناعة البشرية.
أرقام مرعبة
أرقام مرعبة تستدعي التوقّف المطوّل أمام ضرورة معالجة النفايات الطبية، والتي ينبغي أن تكون في أقرب مكان ممكن من مكان إنتاجها بسبب مخاطر نقلها، وخاصة إذا كانت من المواد المعدية على حسب توجيهات منظمة الصحة العالمية.
صحيح أنّ النفايات الطبية هي نفايات بلدية ولكنّها في الواقع ملوّثة.
إنّ تطوّر القطاع الطبي على المستوى العالمي طال أيضا دولنا العربية فازدادت أعداد المرافق الصحية خاصة في الدول التي اشتهرت بما يسمّى “السياحة العلاجية” مثل الأردن والإمارات وتونس، فتجد زيادة في العيادات الطبية، وبالتالي زيادة ملحوظة في النفايات الطبية.
خطة عربية موحّدة
كما تختلف كميات هذه النفايات على حسب عدد سكان الدولة والحالة الاقتصادية والاجتماعية للبلد.
في دولنا العربية و التي تعتبر في غالبيتها دول نامية نعاني بشدّة من مخاطر وأضرار النفايات الطبية نظرا للتكاليف العالية للبرامج الخاصة بالتخلص الآمن والسليم من النفايات الطبية والتي لا تستطيع هذه الدول بإمكانياتها المالية المحدودة تغطيتها.
من هذا المنطلق, لا بد من الانطلاق من خطة عربية موحّدة من شأنها تقديم الحلول اللازمة في هذا المجال والتي يمكن فيها تبادل الخبرات العربية بين الدول على حسب تقدّمها في هذا المجال, كذلك تطوير الكوادر العاملة في هذا المضمار وإيجاد الموارد المادية والمالية لدعم البرامج المتعلقة بالنفايات الطبية على صعيد الوطن العربي ككل.
إنّ كل هذه المقترحات الممكنة من الحلول لا يمكن أن تتبلور إذا ما ترافقت مع التشريعات و القوانين الوطنية الملزمة لوضع اللوائح و حديد الإجراءات القانونية التي ستمر بها عمليات الفرز والنقل والمعالجة والتخلص النهائي الأمن.
قطعت بعض الدول العربية شوطا لا بأس به في هذا الإطار التشريعي الذي يمكن الاستفادة منه في الدول العربية الأخرى و هنا تكمن أيضا أهمية الحديث عن خطة بيئية موحّدة لسائر الدول العربية.
الحلول
حاجاتنا العربية في قطاع النفايات الطبية عديدة وملحّة، فأين نحن من رفع قدرات العاملين في إدارة النفايات الطبية وخلق كوادر مؤهلة لتطبيق أفضل الممارسات البيئية و التكنولوجيا الحديثة ؟؟
وما هي إمكانياتنا في هذا المضمار؟ لا بد لنا أن نحدّد الأولويات ونضع الاستراتيجيات مع الجهات المختصة التي تمثّلها وزارة الصحة لكل بلد وفقا للمعايير العالمية.
فلنعمل جاهدين في بيئتنا العربية على الحفاظ على سمو الأنشطة الصحية التي تحمي الصحة و تعافيها و تنقذ الأرواح و ذلك من خلال إتمام هذه الرسالة الإنسانية بعيدا عن أية شوائب تشكّلها مخلّفات هذه الأنشطة.