في مقال مشترك لمجلة “أفريكان بيزنس”: محيي الدين يؤكد أهمية الهيدروجين الأخضر لتحقيق النمو الاقتصادي المأمول في أفريقيا

أكد الدكتور محمود محيي الدين، رائد المناخ للرئاسة المصرية لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي COP27 والمبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بتمويل أجندة ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة، أن الهيدروجين الأخضر يمكن أن يكون المحرك الرئيسي لخطة أفريقيا لتصبح مركزًا عالميًا للطاقة في المستقبل القريب إذا ما تمكنت القارة من حشد رأس المال المطلوب لهذا الغرض.
جاء ذلك في مقال كتبه محيي الدين لمجلة “أفريكان بيزنس” بمشاركة دكتورة فراني لوتييه، الرئيس التنفيذي لشركة ساوث بريدج للاستثمارات ورئيسة الخبراء للاستعراض المستقل لأطر كفاية رأس مال بنوك التنمية متعددة الأطراف.
وأفاد المقال بأن قادة العالم سيجتمعون الأسبوع المقبل في نيروبي لحضور قمة أفريقيا للمناخ وأسبوع أفريقيا للمناخ الذي يقام تحت مظلة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وذلك للاتفاق على رؤية جديدة للنمو الصديق للمناخ، موضحًا أن الهيدروجين الأخضر سيكون عنصرًا رئيسيًا من عناصر هذه الرؤية لقدرته على المساهمة في وصول الطاقة لجميع الأفارقة، ونزع الكربون من قطاعات محورية في النظام الاقتصادي العالمي مثل الصناعات الثقيلة والشحن والطيران.
وشدد المقال على أنه إذا تمكنت أفريقيا من تعظيم دورها في اقتصاد الهيدروجين الآخذ في النمو، فإن القارة سيمكنها تلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية لبلدانها ومعالجة فقر الطاقة ودفع التنمية في نفس الوقت.
وأوضح المقال أن مصادر الطاقة التي تزخر بها أفريقيا مثل الرياح والطاقة الشمسية وطاقة الهيدروجين تعد عناصر أساسية لتسهيل التحول العادل في قطاع الطاقة، وتزويد الملايين من الأفارقة بمصادر الطاقة النظيفة، وتعزيز التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، كما يمكن أيض استخدام هذه الموارد المتجددة لتشغيل محطات إنتاج الهيدروجين الأخضر، منوهًا عن ضرورة العمل على وجه السرعة لتحفيز هذه الإمكانات من خلال الدمج الكامل للهيدروجين الأخضر في خرائط الطريق لتحول الطاقة والخطط الصناعية والالتزامات المناخية للدول الأفريقية.
وبحسب المقال، ترجع الأهمية البالغة للهيدروجين الأخضر لثلاثة أسباب، أولها ضرورة بذل كل جهد لمنع تغير المناخ، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق استبدال النفط والغاز والفحم كمصادر للطاقة ببدائل متجددة، موضحًا أن مصادر الطاقة المتجددة التي تذخر بها أفريقيا يمكنها أن تدعم التنمية المستدامة للقارة، فضلًا عن تلبية حاجة العالم إلى الوقود النظيف.
أما السبب الثاني، بحسب المقال، فيكمن في قدرة أفريقيا على توفير أكثر من أربعة ملايين وظيفة من خلال عمليات إنتاج ومعالجة الهيدروجين الأخضر الجارية في القارة، حيث تعد امدادات الهيدروجين الأخضر جزءًا رئيسيًا من عملية نزع الكربون من العديد من القطاعات، مثل صناعات الصلب والبتروكيماويات، وقطاعات النقل والزراعة، لذلك فإن تحويل أفريقيا إلى واحدة من المراكز الرائدة في العالم لإنتاج الهيدروجين الأخضر من شأنه أن يعزز بشكل كبير دور أفريقيا في سلاسل الإمداد العالمية الخاصة بالصناعات الخضراء.
السبب الثالث الذي أوضحه المقال هو الدور الذي يمكن للهيدروجين الأخضر القيام به كمحرك رئيسي لخطة أفريقيا للتحول إلى مركز عالمي للطاقة في المستقبل، كما هو منصوص عليه في أجندة أفريقيا ٢٠٦٣، وهنا شدد المقال على أن الوقت قد حان لنقل أفريقيا إلى أعلى هرم سلسلة القيمة لتصبح مقرًا لتصدير السلع، وليس المواد الخام.
وأفاد المقال بأن إنتاج الهيدروجين الأخضر بغرض الاستهلاك المحلي والتصدير في مصر والمغرب وموريتانيا وكينيا وناميبيا وجنوب أفريقيا، وهي الدول الأعضاء في تحالف الهيدروجين الأخضر الأفريقي، يمكن أن يخلق وحده ما يصل إلى ٤,٢ مليون وظيفة جديدة ويرفع إجمالي ناتجها المحلي بما يتراوح بين ٦٦ و١٢٦ مليار دولار بحلول عام ٢٠٥٠، أي ما يعادل من ٦ إلى ١٢٪ من إجمالي ناتجها المحلي الحالي.
أما كينيا، التي تستضيف القمة الأسبوع المقبل، لديها خطط طموحة للهيدروجين الأخضر ومشتقاته مثل الأمونيا الخضراء والأسمدة الخضراء، ومن المتوقع أن تعلن عن خارطة طريق وطنية للهيدروجين الأخضر خلال القمة، حيث يعد التحول نحو إنتاج الأسمدة الخضراء مسألة استراتيجية من شأنها أن تحمي كينيا من الأسعار المتقلبة والإمدادات غير المؤكدة من الأسمدة “الرمادية” التي يتم إنتاجها باستخدام الوقود الأحفوري ويتم استيرادها من الخارج، كما ستساعد عملية التحول إلى الأسمدة الخضراء على دعم القطاع الزراعي المتوسع في البلاد ونزع الكربون عنه والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي الذي تضرر بشدة بفعل الجفاف.
وعلى الرغم مما سبق فإن إطلاق إمكانات الهيدروجين الأخضر في أفريقيا ليس أمرًا مؤكدًا، فبالرغم من أن أفريقيا لديها أكثر من ٧٠ مشروعًا معلنًا للهيدروجين الأخضر، وهو عدد آخذ في الازدياد، إلا أن جميع هذه المشروعات تحتاج تمويلًا لبدء التنفيذ، كما أن توفير التكلفة ورأس المال التنافسي لهذه المشاريع التحولية يعد أمرًا بالغ الأهمية، خاصةً في ضوء الحوافز الضخمة للهيدروجين الأخضر، مثل قانون تخفيض التضخم في الولايات المتحدة وقانون الصناعة عديمة الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي، والتي تجذب الاستثمارات إلى هذه الدول والمناطق.
وفي هذا السياق، أفاد المقال بأن مشروعات الهيدروجين في أفريقيا تتطلب استثمارًا تراكميًا قيمته ٩٠٠ مليار دولار بحلول عام ٢٠٥٠، ويترجم إلى نحو ٦ مليارات دولار سنويًا من الآن وحتى عام ٢٠٣٠، مع قفزات أكبر في الاستثمارات في العقود التالية، وأشار إلى أن موريتانيا وحدها تخطط لاستضافة أربعة مشاريع كبيرة للهيدروجين الأخضر تبلغ تكلفتها نحو ١٠٠ مليار دولار، وهي مبالغ تبدو كبيرة إلى أن يتم مقارنتها بتريليون دولار أنفقها العالم على مشتقات الوقود الأحفوري في عام ٢٠٢٢، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
وأكد المقال أن حشد رأس المال هذا يحتاج جهودًا هائلة من قبل مؤسسات التمويل العامة والخاصة، فضلًا عن الحاجة إلى التفكير خارج الصندوق للتوصل إلى حلول مبتكرة للتمويل، منوهًا عن الحاجة إلى برامج تمويل عامة وخاصة لخفض تكاليف إنتاج الهيدروجين الأخضر في أفريقيا وتشجيع إدخاله إلى القطاعات صعبة التحول مثل الصناعة والنقل.
وبحسب المقال، تحتاج أفريقيا للحصول على رأس مال منخفض التكلفة للتحول نحو التصنيع ومن ثم انتشال شعوبها من الفقر، وأفاد بأنه في الوقت الحالي يمكن أن تصل تكلفة رأس المال إلى خمس مرات أعلى مما هي عليه في الدول أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بسبب مخاطر الاستثمار المتوقعة. مشددًا على أن خلق ظروف استثمارية جيدة مع تدابير سياسية تقدمية، إلى جانب تحفيز الطاقة المتجددة المحلية وصناعات الهيدروجين الأخضر، تعد أمورًا أساسية لفتح الباب أمام الاستثمار العام والخاص في قطاع الهيدروجين الأخضر في أفريقيا.